لقد كانت الدولة العثمانية المرهقة تُصوَّر بكثرة في مجلات الكاريكاتير الأوروبية، وقد دخلت هذه الرسوم الكاريكاتورية كتبنا المدرسية وتأصلت في أذهاننا. فعلى سبيل المثال، في غلاف جريدة "لو بيتي جورنال" الفرنسية لعام 1908، تم رسم خريطة الدولة العثمانية وكأنها ملاءة يسحبها ملك بلغاريا وملك النمسا من طرفيها ويمزقانها، بينما يحاول السلطان عبد الحميد الثاني البقاء واقفًا عليها. وفي كاريكاتير آخر، كان الأسد البريطاني والدب الروسي والنسر النمساوي يحدقون في الدولة العثمانية مترقبين الفرصة للانقضاض عليها.
قبل 101 عام، حلت جمهورية تركيا محل الدولة العثمانية. ولو تم رسم كاريكاتير للجمهورية اليوم، لظهرت أمامنا رسومات كاريكاتيرية مماثلة، لكن الفرق هو أن تركيا تواجه الآن تحديات من الداخل وليس من الخارج.
هل هناك أمة أخرى تتعامل بهذا القدر من اللامبالاة والقسوة والإهمال تجاه نفسها وشعبها ودولتها؟
يقوم العنصريون من الأكراد بسحب البلاد نحو الفوضى من جانب، بينما يسحبها القوميون الأتراك من الجانب الآخر، إما بتظاهرهم بالحب أو بتعصبهم المفرط. البعض يشعر بالحنين إلى أرض أجداده، والبعض الآخر يبحث عن فرصة للهروب، وهناك من يعتبر دولة أخرى أفضل وأرقى من بلده، ويكن لها إعجاباً بالغاً، الجميع يوجهون انتقادات لاذعة، ويقسون في هجومهم على بلادهم.
انتشر الفساد والنهب. فكل شبر من الأرض يُنهب، ومدننا تصبح غير صالحة للعيش، وغاباتنا تُنهب، والمياه الجوفية والسطحية والأنهار والبحيرات والبحار تُنهب، والكهرباء تُنهب، وخزينة الدولة وميزانيات البلديات تُنهب. كل مكان تطاله أيديهم من بلدنا ينهبونه. إنهم ينهبون مستقبلنا ومستقبل أبنائنا.
إنهم يلتهمون كل ما يمكن تحويله إلى مال بطمع وجشع وشراهة لا حدود لها، محاولين انتزاع أي قطعة منه صغيرة أو كبيرة.
تحولت الشوارع إلى حمامات دم بسبب المافيا. وعم الغضب الأجواء. انتشرت الأسلحة والعنف، وأصبح القانون رهينة الأقوى. ووصل الأمر إلى قتل الأطفال الرضع من أجل المال. والشباب يهلكون تحت وطأة الخمر والمخدرات والدعارة والقمار. هذه ليست مجرد شكوى، بل إن الأناضول يئن حقاً من هذا الواقع المرير. فكل فرد يحمل هاتفاً ذكياً يبعده لمسة واحدة عن القمار والدعارة والوقاحة والانحلال الأخلاقي. ولم تعد الأسرة ولا المدرسة من يوجه الشباب؛ بل باتت "الشخصيات المؤثرة" على مواقع التواصل هي من ترسم لهم مسار حياتهم. وتقوم وسائل التواصل الاجتماعي، الخالية من الرقابة والقيود، بإفساد المجتمع وتقويض الدولة. فهم ينهبون الأسرة، ويحطمون قيم الأدب والتقاليد والاحترام، ويستهدفون كل القيمة الدينية و كل مقدسة من الذات الإلهية، والنبي الكريم، إلى الصحابة، والعلماء، وأهل السنة والجماعات التي تحمي المجتمع والأئمة الورعون والناس الصالحون والأعلام الذين يرشدون الناس، يجرؤون على استهدافهم بوقاحة وجهل وقلة أدب. تُناقش أكثر الأمور خصوصية وتعقيداً علانية، وتُغسل عقول الشباب. وتضيع حدود الحلال والحرام، ويُبررون كل ذنب ومعصية، وباتت حقيقة الموت مغيبة عن الحياة اليومية، ولم يعد أحد يذكر حقيقة الحساب في الآخرة.
وبات إلقاء اللوم على السياسة أو الإدارة أو الدولة أمراً سهلاً ومعتاداً، لكن الحقيقة أن هذه المؤسسات مكونة من أبناء مجتمعنا أنفسهم. عندما نوجه الاتهام للآخرين أو ندافع عنهم، فإننا بذلك نتجاهل المشكلة، ونهيئ الأجواء لانهيار تدريجي صامت وخبيث. وليس الأمر مقتصرًا على المنتمين إلى حزب معين، فكل من يتولى منصباً، أو يُمنح سلطة، أو يحظى بفرصة، أو يجد ثغرة، يسارع إلى تحقيق مكاسب شخصية دون تردد، محاولاً الالتفاف على القوانين لنيل مسعاه. والشباب الذين يشهدون هذا الجشع والإهمال في كل جانب من جوانب السياسة والإدارة يتولد لديهم شعور بأن كسب الرزق بجهد شريف وطرق مشروعة أصبح مستحيلاً.
لا ينبغي لأحد أن يُلقي اللوم على الآخر، ولا أن يبحث عن الأخطاء في غيره. فأبناء وطننا هم من ينهشون فيه ويعتدون عليه، كل واحد يسعى لاقتطاع جزء منه، ومهاجمته طمعاً بمكاسب شخصية.
إن المجتمع والدولة والشعب يتفككون ونحن نرى بأعيننا كيف يُستهلك الوطن بأيدي أبنائه.
إن المشكلة الأساسية والأهم التي تواجه هذا البلد هي الأخلاق. وإذا لم ندرك ذلك بأسرع وقت ممكن، ونتخذ الإجراءات اللازمة، فلن يبقى لنا وطن غداً.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة