موسى الوزير، مدير مؤسسة "ياسر عرفات" بغزة، قال إن حياة الرئيس الراحل كانت بسيطة جدا ومتواضعة وبعيدة عن مظاهر الترف، وهذا ما يوحي به منزله الذي عاش به منذ 1995 وحتّى 2001.
لا زال المنزل، المملوك لصندوق الاستثمار الفلسطيني (مؤسسة اقتصادية رسمية)، الذي كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، يقطن به غربي قطاع غزة، يحتفظ بملامحه المتواضعة والبعيدة عن مظاهر الترف.
رفض الرئيس الراحل، الملقّب بـ"الختيار" والمُكنّى بـ"أبو عمار"، عام 1995 أن يتم تسجيل هذا "العقار" باسمه الشخصي، فقد قال آنذاك إنه "ملكٌ عام، وليس خاص"، كما قال موسى الوزير، مدير مؤسسة "ياسر عرفات" بغزة، لوكالة "الأناضول".
وتُعنى مؤسسة "ياسر عرفات" بالحفاظ على مقتنيات الرئيس الراحل، وإحياء ذكرى وفاته التي توافق الحادي عشر من نوفمبر/ تشرين ثاني من كل عام.
لم يكن "الختيار" يعيش كافة تفاصيل حياته في هذا المنزل، فمنذ عام 1995 وحتّى 2001 (عام مغادرته لقطاع غزة إلى الضفة الغربية)، كان يتردد إليه في أوقات الليل من أجل النوم فقط.
غرفة النوم هذه، مكوّنة من أثاث بدت عليه ملامح البساطة، والذي يمكن لأي أسرة متوسطة الدخل أو ذات دخل محدود، أن تحظى به وتمتلكه.
كما أن ملابسه التي تصدّرت الغرفة، وتقاربت ألوانها "الحكيمة" من بعضها البعض، لم تحمل علامات تجارية (ماركات) عالمية، فقد كانت "شعبية" توحي بشيء من البساطة.
وقال الوزير: "هذه الملابس البسيطة الشعبية يمكن لأي فلسطيني أن يحصل على ملابس مشابهة لها آنذاك، فهي غير مرتفعة السعر".
ستائر خفيفة بـ"نقوشات" ناعمة جدا كانت تزيّن جدران تلك الغرفة، وتُخفي خلفها نوافذا زجاجية، شكّلت في يوم من الأيام تهديدا حقيقيّا لحياة "الختيار".
** رفض إجراءات الحماية
ورغم التهديد المتمثّل بالقصف الإسرائيلي من خلال إطلاق الرصاص أو القذائف الصاروخية من طائرات حربية مروحية صوب أهداف قريبة من مكان نومه، إلا أنه لم يقبل بإضافة معدات تساهم في حمايته من أي أذى، حسب الوزير.
سواتر ترابية (أكياس مُعبّأة بالتراب)، هي أبرز وسائل الأمن التي وافق الرئيس الراحل على استخدامها لحماية نفسه من الإصابة جرّاء الاستهدافات الإسرائيلية.
وعلى بعد خطوات معدودة من سرير نومه، يفتح الزائر للمكان باباً خشبيا يطلّ على شرفة، تحاول تلك السواتر الترابية تأمين جدارها من الخارج.
في غرفة مجاورة، يتربع في الصدارة مكتب خشبي بسيط لشخص واحد فقط، كانت تستخدمه زوجته "سها"، لإدارة أعمالها الاجتماعية، بحسب الوزير.
ومقابل هذا المكتب، رُتبت بعض المستندات الرسمية، وشهادة جائزة نوبل للسلام، التي حصل عليها الرئيس "أبو عمار"، عام 1994.
وعلى بعد أمتار قليلة، يصل الزائر بخطوات قليلة إلى صالة "الجلوس" التي تحتوي على عدد من المقاعد الاسفنجية، تتوسطهم طاولة خشبية مغطّاة بسطح رخاميّ.
صالة الجلوس لم تحمل ذكرى كبيرة لـ"الختيار"، حيث لم يكن يتردد إليها كثيرا، نظرا لقلة عدد الساعات التي كان يقضيها داخل المنزل، لكنه كان يتناول طعام فطوره داخلها في بعض الأحيان، وفق الوزير.
أما وجبات الغداء والعشاء، فقد كان الرئيس الراحل يتناولها داخل غرفة مكتبه، الذي كان في مقرّ "المنتدى"، غربي غزة، آنذاك.
وقال الوزير:" لم يكن يجلس في المنزل لساعات طويلة، كان مشغولا بتطورات القضية ولم يهتم بالأمور الحياتية والمظاهر".
وعلى مقربة من مدخل المنزل، تستقبلك عشرات الأوسمة والدروع التكريمية والهدايا الرمزية التذكارية كالخناجر والمنحوتات الخشبية التي نّقشت بداخلها خريطة فلسطين وقبة الصخرة، والتي قدّمت يوما ما للرئيس الراحل "عرفات".
هذه التذكاريّات المعروضة في مكان خاص، لم تُرفق بمعلومات تعريفية توضح ظروف تقديمها للرئيس الراحل.
الوزير أرجع ذلك إلى صعوبة الحصول على المعلومات حولها، بسبب مغادرة الرئيس القطاع عام 2001 متوجها لمدينة رام الله، ومن ثم وفاته بعد مرور نحو 3 أعوام، وما تلاها من أحداث الانقسام الصعبة.
فقد منزل "أبو عمار" بعضا من مقتنياته إبان أحداث الانقسام عام 2007، فيما تتواجد المقتنيات الأبرز في متحفه المُقام بمدينة رام الله، بالضفة الغربية، كما يتواجد جزء منها بالقاهرة، على حدّ قول الوزير.
** مؤسسة لإحياء الذكرى
وأنشأت مؤسسة "ياسر عرفات"، بعد وفاة "أبو عمار" لإحياء ذكرى استشهاده.
وأوضح الوزير أن مؤسسته تهدف لـ"الحفاظ على مقتنيات والإرث الوطني للرئيس الراحل".
وتدشّن المؤسسة جائزة سنوية تحت اسم "جائزة ياسر عرفات للإبداع والتميّز"، يتقدم إليها مؤسسات وجهات رسمية وغير رسمية، وأفراد والقطاع الخاص.
كما تسعى المؤسسة، وفق الوزير، لبث الروح الثقافية والوطنية في الجيل الناشئ، من خلال تنظيم مسابقات مدرسية ثقافية.
وتوفي الرئيس عرفات عام 2004، عن عمر ناهز 75 عاما، في مستشفى "كلامار" العسكري في العاصمة الفرنسية باريس.
الوفاة جاءت إثر تدهور سريع في صحته، في ظل حصاره، لعدة أشهر، من جانب الجيش الإسرائيلي في مقر الرئاسة (المقاطعة) بمدينة رام الله، وسط الضفة الغربية.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بتسميم عرفات، ويقولون إنه لم يمت بسبب تقدم العمر، أو المرض، ولم تكن وفاته طبيعية.
وأعلن رئيس لجنة التحقيق بوفاة عرفات توفيق الطيراوي، في أكثر من مناسبة، أن "بينات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتيال عرفات".
ورغم مرور 15 عاما على الوفاة، لم تتوصل السلطة الفلسطينية حتى الآن إلى أداة تنفيذ عملية الاغتيال.
ويحيي الفلسطينيون في أماكن تواجدهم، الذكرى الـ15، لرحيل زعيمهم "عرفات"، عبر فعاليات رسمية وشعبية.
وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة.
واستبعد الخبراء فرضية الاغتيال، وقالوا إن وجود غاز "الرادون" المشع في البيئة الخارجية قد يفسر ارتفاع المواد المشعّة في العينات.
لكن معهد "لوزان السويسري" للتحاليل الإشعاعية، كشف في تحقيق بثته قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية، وجود "بولونيوم" مشع في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسمومًا بهذه المادة.