تشهد الساحة الفلسطينية نقاشات وجدل وتفسيرات متباينة بشأن أهداف وتداعيات ومدى قانونية "الإعلان الدستوري" الذي أصدره الرئيس محمود عباس (89 عاما) الأربعاء، وأثار تحذيرات من احتمال تعزيز الانقسام الفلسطيني.
الإعلان نصَّ على أنه "إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي (برلمان السلطة)، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير) مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا، لفترة لا تزيد على 90 يوما".
وتُجرى خلال هذه الفترة "انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد (للسلطة الفلسطينية) وفقا لقانون الانتخابات"، حسب الإعلان الدستوري.
وينص القانون الأساسي (الدستور) على أنه في حال شغور مركز رئيس السلطة "يتولى رئيس المجلـس التشريعي الفلسطيني (البرلمان) مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا لمدة لا تزيد عن 60 يوما تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني".
غير أن المجلس التشريعي الذي حصلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على أغلب مقاعده في آخر انتخابات عام 2006، حُل بقرار من المحكمة الدستورية أواخر 2018.
أما المجلس الوطني الفلسطيني الحالي فيرأسه روحي فتوح (75 عاما)، القيادي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي يتزعمها عباس.
ويمثل المجلس الوطني، السلطة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة (الداخل والخارج)، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها.
** تجاوز للصلاحيات
أستاذ القانون الدولي في الجامعة العربية الأمريكية بجنين رائد أبو بدوية، قال للأناضول إن "الإعلان تجاوز للصلاحيات الممنوحة للرئيس".
وأوضح أنه "تجاوز دستوري يخالف القانون الأساسي (الدستور)، الذي يحكي أن آلية تعديل نصوص الدستور تمر عبر المجلس التشريعي (البرلمان) وبثلثي (أعضاء) المجلس".
ولفت إلى أن القانون الأساسي ينص على أنه "في حال شغور مركز الرئيس يتولى رئيس المجلس التشريعي (البرلمان) رئاسة الدولة مؤقتا لمدة لا تزيد عن 60 يوما، تُجرى خلالها الانتخابات للرئاسة وفقا لقانون الانتخابات، وإذا رغب (رئيس المجلس التشريعي) في ترشيح نفسه أو حال دون توليه الرئاسة مانع قانوني تقره المحكمة الدستورية، يتولى رئاسة الدولة رئيس المجلس الأعلى للقضاء مؤقتا، لحين إتمام إجراءات انتخاب الرئيس".
بدوية، قال إن "الإعلان هو تعديل للقانون وليس من صلاحيات الرئيس وتجاوز للقانون"، لكن للإعلان أبعاد سياسية، خشية حدوث فراغ رئاسي فيما المجلس التشريعي منحل.
ولم يستبعد أن يكون القرار ناتج عن ضغوطات سياسية إقليمية وعربية وأمريكية، خوفا من وجود حالة من الفوضى في حال شغور منصب الرئيس.
وزاد بأن رئيس المجلس الوطني الحالي روحي فتوح، "شخصية بعيدة عن أي تجاذبات وقد تكون مقبولة لدى قيادات سياسية في حركة فتح التي تطمح لشغل المنصب".
ولكنه استدرك: "للإعلان سلبيات عديدة، أولها مخالف للقانون ولم يأت بتوافق وتشاور وطني وفصائلي، مما يزيد من حالة الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس".
وتحت وطأة ضغوط إسرائيلية وخلافات فلسطينية، انهارت حكومة وحدة وطنية بقيادة حماس صيف 2007، وسيطرت الحركة على غزة، فيما تشكل منظمة التحرير الفلسطينية، بقياد فتح، الحكومات في الضفة الغربية.
** انتقال للسلطة
وفق الخبير في الشأن الفلسطيني جهاد حرب، فإن الرئيس عباس يفكر في عملية انتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية، ووفق القانون يكون رئيس المجلس التشريعي رئيسا مؤقتا للسلطة، ولكن بعد حله لا توجد آلية واضحة لانتقال السلطة.
وقال "حرب"، للأناضول إن "الرئيس ذهب إلى السلطة التشريعية الموالية له، وهي المجلس الوطني".
ورأى أن "الإعلان محاولة لكي لا يكون هناك فراغ في رئاسة السلطة (...) وهذا الإعلان تعديل للمادة 37 من القانون الأساسي ويمكن وصفه قرارا لتعديل القانون وليس إعلانا".
"حرب"، أضاف أن هذا "الإعلان سيثير نقاشا حادا بين أطراف الانقسام؛ فتح وحماس، وسيغير طبيعة السلطة لأنه جاء بمنصب من خارج السلطة، أي من منظمة التحرير، ووفق ما هو متعارف فإن المجلس الوطني أعلى من المجلس التشريعي".
و"ما جرى هو خلط بين المؤسستين (المنظمة والسلطة) ونظامين قائمين، وهذا سيخلق إرباك مستقبلا"، كما أضاف "حرب".
** استكمال إصلاحات
أما مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات، فرأى أن "هذا الإعلان في هذا التوقيت يعطي مجموعة من المؤشرات، أولاها استكمال ما أُعلن عنه سابقا من بدء الإصلاحات وتجديد السلطة الفلسطينية، والتي كانت واحدة من المطالب الدولية مع بعد السابع من أكتوبر".
وتابع: "حيث تم تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة محمد مصطفى، وهذه الخطوة (الإعلان) استكمالية بما يتعلق بمؤسسة الرئاسة باعتبار هذه المؤسسات المرجعيات الرئيسية للسلطة الفلسطينية".
وتتصاعد منذ أشهر ترتيبات وخطط وتكهنات بشأن طبيعة الحكم في قطاع غزة بعد انتهاء حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بدعم أمريكي.
والأمر الثاني، حسب بشارات، أن "هناك تصاعدا في حدة الاستقطابات داخل أقطاب السلطة الفلسطينية وفتح في السنوات القليلة الماضية حول خليفة الرئيس".
وأردف أنه "على إثرها أيضا تم انتخاب نائبا لرئيس حركة فتح، وهو محمود العالول، بهدف ترتيب البيت الداخلي الفتحاوي والبيت الداخلي للسلطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد الرئيس عباس".
واستطرد: ويحدث هذا "سواء أكان ذلك متعلقا بوضعه الصحي أو محاولة عدم ترك فراغ يمكن أن يمهد للدخول بحالة من الجدال أو الصراع الداخلي في حال غيابه لأي من الأسباب".
بشارات، اعتبر أن "هذه الإجراءات لقطع الطريق على إمكانية أن يكون هناك فراغا سياسيا ودستوريا للسلطة الفلسطينية في أي مرحلة مقبلة، خصوصا ما بعد حل المجلس التشريعي".
وأشار إلى "الاشتراطات الدولية كواحدة من الاشتراطات لاستمرار الدعم للسلطة الفلسطينية، والتي كانت تدفع باتجاه ضرورة إجراء إصلاحات، وقد يكون واحدة من هذه الاشتراطات الذهاب بهذه الخطوة"، في إشارة إلى ما تضمنه الإعلان.
وأردف: "وإذا أخذنا بعضا مما سُرب بوسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الرئيس الفلسطيني قد يكون تعرض لضغوط دولية وإقليمية وربما عربية في إطار الإسراع بهذه الخطوة".
وهذه الخطوة "تمهد لأي ترتيبات سياسية مقبلة، خصوصا مع قدوم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (يناير/ كانون الثاني 2025)، والذي قد يسعى إلى تقديم مسار سياسي شاما للقضية الفلسطينية بعد الحرب على غزة يرتكز على بناء هيكلية فلسطينية جديدة تتناغم والمنظور الدولي"، وفق بشارات.
غير أنه استدرك: هذا الإعلان سيضيف مزيدا من الغموض على مستقبل الواقع السياسي الفلسطيني والعلاقة الفلسطينية الداخلية بين السلطة كمظلة سياسية وبين منظمة التحرير كمرجعية لها".
وأضاف: "وكذلك العلاقة بين السلطة والأحزاب الفلسطينية، ابتداء من حركة فتح التي تعتبر منخرطة بشكل كامل في السلطة أو إمكانية إدماج حركتي حماس والجهاد الإسلامي مستقبلا في النظام السياسي، إذا ما تم التوصل إلى تفاهمات سياسية لمرحلة ما بعد الحرب على غزة".