عندما اقتحم الطلاب المتظاهرون بوابات جامعة طهران الأسبوع الماضي، كانوا يتوقعون أنَّهم سيتمكنون من حشد مظاهرةٍ حماسية ضد الحكومة. فلطالما كانت الجامعة نقطة اِشتعال المظاهرات في العاصمة الإيرانية.
لكن، هذه المرة -وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز- ذهبت نداءاتهم أدراج الرياح. فبينما كانوا يهتفون: "أيها الإيرانيون ذوو النفوس الأبية، ادعمونا"، نظر إليهم المارُّون يحاولون فهم سبب تلك الضجة، لكنَّهم رفضوا الانضمام إليهم.
ومع تراجع زخم التظاهرات في إيران، يرى محللون أن الرئيس حسن روحاني بات أمام تحديات وفرص في الوقت نفسه، في إطار الجهود التي يقوم بها لإصلاح البلاد.
وبعد تسجيل أعمال عنف خلال التظاهرات الأخيرة، وحَّدت القيادة الإيرانية صفوفها، وصوَّبت نحو أعداء الخارج والمجموعات "الإرهابية" في المنفى، محمِّلةً إياها مسؤولية ما يحصل.
لكن جميع أطياف الساحة السياسية يقرُّون بأن الاستياء العميق، الناتج عن البطالة وعن غلاء المعيشة والفساد، تحوَّل إلى قنبلة موقوتة في إيران.
والانتقادات التي وُجهت إلى الرئيس الإيراني تركَّزت على تخلِّيه عن الفقراء مع محاولته زيادة أسعار المحروقات في ميزانيته الأخيرة، التي أُعلنت قبل أسابيع من بدء التظاهرات.
وفي خطاب الميزانية، أكد روحاني الحاجة إلى زيادة الأسعار؛ للتصدي للبطالة، لكن المرجح أن يرفض مجلس الشورى الإجراءات الأكثر إثارة للجدل؛ كي يظهر أنه يستمع إلى غضب الشارع.
وقال نائب رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية ناصر لاركاني، الخميس 4 يناير/كانون الثاني 2018، إن "السكان لم يعودوا قادرين على تحمُّل زيادة في أسعار الوقود. من الخطأ إقرار هذه الزيادة مع مواجهة السكان مجموعة واسعة من المشاكل اليومية الاقتصادية".
وبرزت هذا الأسبوع وكالةُ أخبارٍ جديدةٍ على الإنترنت، نشرت فيديو سرعان ما انتشر بشكل هائل، وبدا فيه أفراد من سكان طهران ينتقدون سياسات الحكومة.
وقال رجل في الأربعينيات: "هل اشترى روحاني البيض أو اللحم بنفسه في أي وقت؟!".
وأضاف رجل أكبر سنّاً: "أنا أحتج على ما يحصل من سرقات واستيلاء على المال العام. من يقف وراء ذلك؟ إنهم الذين يقيمون بالقصور ولديهم أثرياء في حكومتهم".
ولا يزال المتظاهرون ينزلون إلى الشوارع مع حلول الليل في الكثير من المحافظات النائية. وانتشرت الأربعاء 3 يناير/كانون الثاني، قوات النخبة مع قوات الحرس الثوري في 3 منها؛ هي: همدان، وأصفهان ولوريستان؛ للمساعدة في قمع الاحتجاجات هناك.
واتخذت الحكومة خطوةً أخرى يوم الأربعاء لإخماد التظاهرات، وذلك بتنظيم مظاهراتٍ مؤيدة للحكومة بالبلاد، وقدمت لها تغطيةً إعلاميةً مكثفة في وسائل الإعلام التابعة للدولة.
وفق صحيفة نيويورك تايمز، فإن الهدوء بالعاصمة هذه المرة يختلف بشكلٍ صارخٍ مع ما حدث عام 2009، عندما هبَّ الملايين من أفراد الطبقة الوسطى في طهران غاضبين بشأن الانتخابات المزورة حسبما رأوا، وظلوا بالشوارع عدة أشهر، في احتجاجٍ ضد الحكومة سُمِّي فيما بعد "الحركة الخضراء".
بيد أنَّهم كانوا مهتمين بالاحتجاجات في 2009؛ إذ شارك الملايين في الاحتجاجات ضد الدولة، حاملين الأشرطة والملصقات الخضراء، ومُرددين هتاف "أين صوتي؟". كان الشباب، والنساء، والمثقفون غاضبين من إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، في انتخابات قالوا إنَّها كانت مزورة. وقادهم في البداية اثنان من مرشحي الرئاسة الخاسرين، هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ونزلوا إلى الشوارع في مواجهة قوات الأمن المدججة بالأسلحة.
سببت الاحتجاجات اضطراباتٍ شديدة في الجمهورية الإسلامية. وقُتِلَ نحو 150 شخصاً، وألقي القبض على الآلاف، وحُوكِمَ المثقفون والصحفيون والسياسيون في محاكماتٍ جماعية كالتي خضع لها المسؤولون السوفييت على يد ستالين في ثلاثينيات القرن الماضي، وأُرغِمَ كثيرٌ منهم على تقديم اعترافاتٍ علنية مُهينة، وأُعدِمَ اثنان من المتظاهرين.
ويقول علي سابزيفاري (33 عاماً)، الذي شارك بجميع الاحتجاجات في تلك الأيام: "كُنَّا نقاتل من أجل حقوقنا ومستقبلنا، لكن كان لدينا أساسٌ وخطة". ولكنَّ الاحتجاجات هذه المرة لا تثير أي اهتمامٍ لديه، فقد أصبح أكبر، وأثقل، وأكثر حكمةً.
وكان ترامب قد نشر عدة تغريدات دعماً للمتظاهرين، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة ستقدم دعمها للمحتجين بإيران في الوقت المناسب.
تركت احتجاجات "الحركة الخضراء" والقمع الأمني الذي تلاها، أثراً عميقاً في نفوس جميع المشاركين. وقضى الكثير من قادة الاحتجاج سنواتٍ في الاعتقال تحت ظروفٍ قاسية، وكابدت طهران وجوداً شرطياً مكثفاً.
وفي عام 2011، وُضِعَ قادة الاحتجاج -موسوي وزوجته زهراء رهنورد وكروبي- قيد الإقامة الجبرية دون محاكمة. ومنذ ذلك الحين وهم كذلك، ولم يُسمح لهم إلا مؤخراً باستقبال زوارٍ محددين.
واعتبر الكثيرون انتخاب رئيسٍ معتدل مثل حسن روحاني في 2013 -والذي احتفى به الإيرانيون في احتفالاتٍ ضخمة بشوارع طهران ومدن الطبقة الوسطى الأخرى- نهايةً لهذه الفترة.
واحتفى كذلك، سكان المدن المتعلمون الذين يشكِّلون العادات الثقافية والاجتماعية في البلاد، بتوقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية بعدها.
ومنذ ذلك الحين، تزايدت خيبة أمل الكثيرين في روحاني، حتى بعد إعادة انتخابه العام الماضي؛ إذ فشل في الوفاء بوعود الانتخابات، مثل تعيين 3 وزيرات (حتى الآن، لم يُعين أياً منهن)، ولم ينتج عن الاتفاق النووي الازدهار الاقتصادي الذي وعد به. ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى تدهور مشاعرهم تجاه روحاني، فإنَّ معظم الإصلاحيين في طهران متمسكون به.
وتُعد ليلى رشيدي، الممثلة الإيرانية البارزة، نموذجاً لهذه المجموعة. كانت ليلى إحدى الشخصيات المشهورة التي شاركت في احتجاجات 2009، وهو القرار الذي كان من شأنه أن يُهدد حياتها المهنية. وتقول ليلى إنه ليس لديها أي اهتمام بالمشاركة في الاحتجاجات الحالية.
وتُضيف أنَّها ليست مستعدة للتخلي عن دعم روحاني، بعد أن شاركت في حملة إعادة انتخابه في مايو/أيار 2017، قائلةً: "إنَّه ليس مثالياً، لكنَّه السبيل الوحيد للمضي قدماً".
وقالت إنَّ جميع أصدقائها اتفقوا معها على أنَّ جهود إطاحة النظام قد لا تأتي بنتائجَ جيدة. وتابعت: "أتعاطف مع مشكلات المحتجين الذين يريدون مستوى معيشة أفضل، ووظائف، ومصاعب اقتصادية أقل، لكنَّ التغيير ينبغي أن يأتي تدريجياً، لقد تعلمت. بأقل الخسائر، وسلمياً، وليس عن طريق العنف".
يرى محللون أن روحاني ما زال قادراً على انتزاع نصر من اضطرابات هذا الاسبوع، خصوصاً إن لَجَمَ المحافظون انتقاداتهم.
ويتهم الكثيرون من أنصار الرئيس الإيراني، المحافظين بتأجيج الاضطرابات من خلال كيل الانتقادات لسياساته الاقتصادية على مدى أشهر.
وأفاد محمد صادق جوادي حصار، المحلل الإصلاحي في "مشهد" التي انطلقت منها الاحتجاجات في 28ديسمبر/كانون الأول 2017، بأن خصوم روحاني زاروا المدينة قبل بدء الاحتجاجات.
وقال لوكالة فرانس برس إن "عدداً من الخصوم المعروفين من جبهة بايداري (المحافظة) أتوا إلى مشهد.. لتعبئة الناس كي ينزلوا إلى الشوارع".
وأضاف: "ركزوا على الزيادات المؤقتة لأسعار السلع الاساسية كالبيض، وعلى الزيادة المرتقبة لسعر الوقود"، مؤكداً أنهم أرادوا تعبئة الاحتجاجات ضد الحكومة قبل تجمعات مقررة مسبقاً السبت في ذكرى هزيمة حركة الاحتجاجات الكبرى السابقة في 2009.
وقال المحلل: "كان هذا هدفهم، لكنه خرج على السيطرة".
واعتبر إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الإيراني، غداة انطلاق التظاهرات، أن متشددين معارضين للحكومة قد يكونون مسؤولين عنها، وقال للتلفزيون الرسمي: "يعتقدون أنهم يؤذون الحكومة بما يفعلون"، لكن "آخرين هم من سيركب هذه الموجة".
ونفى المحافظون هذه الاتهامات بشكل قاطع، لكن الشائعات وحدها قد توفر فرصة لروحاني.
وقالت محللة الشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إيلي غيرانمايه: "أنا واثقة بأن حكومة روحاني ستكسب رصيداً سياسياً ما من ذلك"، موضحةً: "إن اتضحت صحة الشائعات القائلة إن المحافظين مسؤولون، فسيعتبرهم الشعب عديمي الكفاءة، وسيتساءل: كيف عساهم أن يديروا البلد؟!".
لكن، حتى لو خرج روحاني سليماً سياسياً من الأزمة، فسيبقى عليه مواجهة شعب غاضب وسط انعدام الحلول السهلة.
وقال المحلل المقرب من الإصلاحيين عباس عابدي، في طهران، إن "هذه الأزمة أفسحت فرصة جديدة لإحداث تغييرات، وهذا ضروري وإلا فستكون العواقب خطيرة".
"لكنَّ هذا لا يعني أن روحاني يمكنه التلويح بعصا سحرية وتبديل كل شيء".