واقع القيم الدينية والاقتصادية والسياسية في مجتمعنا

07:2116/11/2024, Cumartesi
تحديث: 16/11/2024, Cumartesi
ياسين اكتاي

نعيش في عالم يتسارع فيه التغيير بشكل مذهل، عالم يشهد تحولات مستمرة، شيخوخة مبكرة واستنزاف للموارد. الأحداث التي نشهدها يوميا، والسلوكيات غير المتوقعة لأشخاص مقربين تعاهدنا معهم على قيم ومبادئ معينة، تسبب لنا خيبات أمل كبيرة. هذا التغيير الذي نتحدث عنه في حياتنا يتجسد فعليًا في التنازلات والتخلي والهجران. وقد يسبب انسحاب الكثير من الناس قلقًا لدى البعض الآخر، لكن ألا نبحر جميعًا في السفينة ذاتها؟ إلى أين يذهب هؤلاء؟ إن أرادوا الرحيل فليذهبوا، ولكن لماذا يسعون إلى إغراق السفينة التي نبحر فيها جميعًا؟

نعيش في عالم يتسارع فيه التغيير بشكل مذهل، عالم يشهد تحولات مستمرة، شيخوخة مبكرة واستنزاف للموارد. الأحداث التي نشهدها يوميا، والسلوكيات غير المتوقعة لأشخاص مقربين تعاهدنا معهم على قيم ومبادئ معينة، تسبب لنا خيبات أمل كبيرة.

هذا التغيير الذي نتحدث عنه في حياتنا يتجسد فعليًا في التنازلات والتخلي والهجران. وقد يسبب انسحاب الكثير من الناس قلقًا لدى البعض الآخر، لكن ألا نبحر جميعًا في السفينة ذاتها؟ إلى أين يذهب هؤلاء؟ إن أرادوا الرحيل فليذهبوا، ولكن لماذا يسعون إلى إغراق السفينة التي نبحر فيها جميعًا؟ وكيف يمكن لمن يلجؤون إلى ذلك أن يسعوا في الوقت نفسه للحصول على أفضل الأماكن داخل السفينة؟

رغم أن جرائم قتل النساء، والاعتداءات على الأطفال الصغار، والجرائم المنظمة تشمل أحيانًا قرى بأكملها أو حتى سكان مدن بأسرها، فضلاً عن التستر على الفساد والسرقة، رغم أنها لم تكن وليدة اللحظة، إلا أنها اليوم أصبحت مشاهد يومية، نسمع عنها ونشاهدها بكثافة، حتى باتت تمثل "شرورًا عادية" في حياتنا. إن مشاهدة هذه الشرور دون القدرة على فعل شيء حيالها تولّد لدينا شعورًا بالعجز، وكأن ما نشهده يواجهنا بتحدٍ لعجزنا. فما هو مآل كل هذا؟ إلى أين تتجه الأمور الآن؟ وكيف تؤثر علينا هذه الشهادة اليومية على ما يحدث من حولنا؟

علينا أن نحذر من الحديث عن الشر ونشره، لأن مناقشة الشر قد تؤدي إلى نوع من الألفة معه، والألفة تترك أثرًا في قلوب الناس، حتى وإن لم يشعروا بذلك. ومع مرور الوقت تتسع هذه الألفة لتجعل الناس لا يبالون بالشر، ويعتادون عليه، ما يمهد الطريق لارتكابهم الشر.

ما نشهده هو انعكاس آخر، وشعور مختلف لما نطلق عليه "تآكل القيم". فالقيم، كما يعرفها علماء الاجتماع، هي تلك المثل العليا التي لا ينبغي لها أن تتغير أو تتبدل والتي تعكس ما تطمح إليه المجتمعات. ومن بين الأوائل الذين تناولوا هذا الموضوع في تقاطع علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع في تركيا، كان الراحل أيرول غونغور، الذي تناول القيم باعتبارها عوامل مؤثرة في سلوك الإنسان، وعرفها بأنها "المعتقدات حول ما يُعتبر مرغوباً أو غير مرغوب فيه". فجميعنا لدينا قيم مرغوبة أو غير مرغوب متعلقة بالعائلة والأمة والمجتمع والتوزيع الاقتصادي، ونحن نولي قيمة كبيرة لهذه القيم ونتبناها كوسيلة لتعريف هويتنا الاجتماعية.

إن الشعور بالتدهور الذي نعيشه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتآكل هذه القيم. ما الذي نتوقعه ونتمناه من المجتمع الذي ننتمي إليه أو نشعر بالانتماء له؟ ما الذي نرغب برؤيته في هذا المجتمع، وما الذي نراه بالفعل؟ ماذا عن القيم الأسرية التي كنا نفتخر بها كثيراً؟ أليست الزيادة المأساوية في معدلات الطلاق، وانتشار دور رعاية المسنين، وارتفاع سن الزواج مؤشرات واضحة على وجود مشكلة حقيقية؟

وماذا عن قيم التضامن والتكافل التي لطالما كانت سمة تميز مجتمعنا، حيث كان يُنظر إلى مساعدة الفقراء ودعم المحتاجين والمظلومين واللاجئين كجزء من هويتنا؟ قبل 13 عاماً كنا نعتبر هذه القيم مصدر فخر واعتزاز وطني، فكيف أصبحت اليوم عبئاً اقتصادياً ومشكلة قومية؟

إن التغيير الذي نشهده في هذا الشأن هو انعكاس لتغير في قيمنا، وهو مؤشر على مشاكل أعمق بكثير مما نتصور. والتغيير في القيم هو موضوع يستدعي متابعة مستمرة، لأن القيم هي أهم ما يميز مجتمعًا عن آخر، وهي ما يحدد قوته أو ضعفه.

ولا شك أن القيم هي مجال ديناميكي يخضع للتغيير المستمر. ولكن ما يشكل مصدر القلق ليس التغيير ذاته، بل هو تحديد أي القيم التي تصبح أقوى وأيها التي تضعف في هذا التغيير. فالقيم التي تعزز الوحدة الاجتماعية، وتدعم العمل الجماعي، والتعاون، والرحمة، والإيثار تصبح أضعف ، بينما في المقابل، تزداد قوة القيم الأنانية، والمتعة الذاتية، والتنافسية، والعنصرية. في كل الحالات، تظل المتابعة المستمرة ضرورية. لذلك، من المهم أن نولي اهتماماً لتقييم هذه القيم، وأن نتابع تطورها بشكل منهجي.

وقد قامت مؤسسة أنقرة للعلوم الاجتماعية، بقيادة البروفيسور بشير أتالاي وفريق بحثي ضم البروفيسور عمر دمير وإبراهيم دالمش وأ. عمر توبراك وجيم إيرجي، بإجراء أحد أضخم الأبحاث حول القيم في الآونة الأخيرة. وقد سعى هذا البحث، الذي تناول الدين والاقتصاد والسياسة في عام 2024، إلى تقديم صورة واقعية واقعية قدر الإمكان للوضع الحالي. وقد سعى الباحثون، من خلال استخدام جميع منهجيات البحث العلمي، الكشف عن الحقيقة وراء القضايا التي نشكو منها بناءً على تجاربنا الشخصية، واستناداً إلى البيانات التي تم جمعها من الميدان.

يتكون فريق البحث من أسماء بارزة معروفة للجميع. وعلى وجه الخصوص، فإن بشير أتالاي مثّل وعزز البُعد الاجتماعي لحزب العدالة والتنمية لسنوات عديدة منذ تأسيسه، كما أنه شغل مناصب عليا في السياسة، مما أتاح له دمج منظوره النظري مع الممارسة العملية. أما عمر دمير، فقد شغل منصب رئيس هيئة الإحصاء التركية خلال الفترة الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية ثم نائب رئيس مجلس التعليم العالي، وبالتالي كان له دور بارز في جميع الإنجازات الناجحة التي تحققت في تلك الفترة. ويجب ألا ننسى دور مؤسسة الأبحاث (أنار) "ANAR "، التي كانت قبل تأسيس مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركية (ساتا) "SETA"، أقوى مؤسسة تربط بين السياسة في حزب العدالة والتنمية وعلم الاجتماع، والتي كان يعمل بها أعضاء فريق البحث الآخرون.

سبق لنا أن أشرنا في مناسبات عديدة إلى أن القوة الكبرى لحزب العدالة والتنمية، والتي ميزته عن الأحزاب الأخرى،هي امتلاكه لمستشعر اجتماعي قوي. ونعتقد أن التراجع الذي شهده الجميع مؤخرًا، والذي انعكس على نتائج الانتخابات، يعود إلى ضعف هذا المستشعر.

أما بالنسبة لطبيعة ونتائج "دراسة القيم لعام 2024"، فسنواصل الحديث عنها لاحقاً


#القيم
#الدين
#الاقتصاد
#السياسة
#حزب العدالة والتنمية
#تركيا