دعونا نتذكر بشكل سريع، أنه قبل انقلاب 2 سبتمبر/أيلول 1980 انقسمت مدن ومقاطعات وحتى أحياء تركيا ما بين يمين ويسار.كان شعبنا يموت كل يوم، بينما كانت تركيا تنجرّ نحو حالة من انعدام الاستقرار. أما الحكومات المشكّلة فكانت سرعان ما تنهار. وتُعقد انتخابات مبكرة تلو بعضها. كانت تركيا تعيش ركودًا سياسيًا واقتصاديًا.وبينما كانت السلطة العامة تبدو عاجزة يوم 11 سبتمبر/أيلول، استيقظت تركيا صباح 12 سبتمبر/أيلول على وضع مختلف جذريًا.يمكن وصف ما جرى بأن "الانقلاب طُبخ على نار هادئة حتى تتلاءم الظروف لذلك"، حسب
دعونا نتذكر بشكل سريع، أنه قبل انقلاب 2 سبتمبر/أيلول 1980 انقسمت مدن ومقاطعات وحتى أحياء تركيا ما بين يمين ويسار.
كان شعبنا يموت كل يوم، بينما كانت تركيا تنجرّ نحو حالة من انعدام الاستقرار. أما الحكومات المشكّلة فكانت سرعان ما تنهار. وتُعقد انتخابات مبكرة تلو بعضها. كانت تركيا تعيش ركودًا سياسيًا واقتصاديًا.
وبينما كانت السلطة العامة تبدو عاجزة يوم 11 سبتمبر/أيلول، استيقظت تركيا صباح 12 سبتمبر/أيلول على وضع مختلف جذريًا.
يمكن وصف ما جرى بأن "الانقلاب طُبخ على نار هادئة حتى تتلاءم الظروف لذلك"، حسب تعبير الانقلابيين.
بينما كانوا ينتظرون الظروف حتى تتهيأ، كانت بندقية من صنع بلجيكي، تقتل ثوريًا في الصباح وقوميًا في المساء.
خمسة آلاف شخص من شعبنا فقدوا أرواحهم نتيجة لهذه الصراعات، ضحية أن تتهيأ ظروف الانقلاب.
حتى وصل الوضع لإرهاق المواطن العادي الذي حين قال كفى، لبّى نداءه انقلابُ 12 سبتمبر/أيلول.
أذكر حينما وقع الانقلاب في الصباح الباكر من ذلك اليوم، ذهبت مسرعًا لإخبار خالي المرحوم بالأمر، حينما سمع الخبر جُنّ جنونه فرحًا وقال: "لقد نجونا".
لكن هذا الانقلاب الذي اعتقد خالي أنه مفتاح النجاة هربًا من الوضع المأساوي الذي سبقه، تسبب في تعفّن آلاف الناس في سجون "ماماك" وديار بكر.
ضاعت مكاسب تركيا الخارجية في ذلك الحين، بعد أن حققتها عبر عملية السلام في قبرص. واضطرت تركيا للتراجع مرة أخرى وبسرعة نحو محور أمريكا وحلف شمال الأطلسي.
أبقى الناتو تركيا داخل محوره من خلال تنظيم "غلاديو"
كانت اليونان قد انسحبت من تحت جناح الناتو عملية السلام بقبرص وإخطار "نوتام" الذي أعلنته تركيا في بحر إيجة آنذاك، لكن اليونان ذاتها بعد 38 يومًا فقط من انقلاب 12 سبتمبر/أيلول عادت من جديد لجناح الناتو العسكري، بمباركة من كنعان إيفرن قائد الانقلاب.
لا شك أن تركيا دفعت ثمنًا باهظًا بسبب عودة اليونان من جديد إلى حلف الناتو. حيث فقدت المئات من مواطنيها بسبب صراعات داخلية بين اليمين واليسار، وانقسمت ما بين تنظيمات تتبع جمعيات مناهضة للشيوعية، وتنظيمات أخرى محسوبة على اليسار الاشتراكي.
جميع الأطراف كانوا يذبحون بعضهم بعضًا لأجل الاختلاف الفكري، بينما كانت تركيا تُدار كما يخطّط البعض.
أما اليوم فإننا نشهد مرحلة جديدة في إطار توسيع حلف الناتو، وبات الحديث يدور حول عضوية محتملة للسويد وفنلندا.
خلال كلمة يوم الجمعة الأسبوع الماضي، ذكّرنا رئيسنا بعودة اليونان إلى حلف الناتو القرن الماضي، قائلًا: "لن نقع في الخطأ ذاته"، ولقد كان لموقف تركيا المعترض على انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو صداه في الساحة الدولية.
لا سيما وأن السويد حينما قالت "لدينا أصدقاء مقرّبون في الناتو"، زادت من حدة التوتر حيث بدا وكأنها تتوعد تركيا.
المسألة لا تزال متواصلة حسبما تريد تركيا لا السويد أو غيرها. ولقد فرّغت تركيا مفعول موقف السويد التي تحولت إلى مرتع لأعضاء تنظيم بي كا كا الإرهابي الذي تحاربه تركيا لسنوات.
حسب تعبير المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، فإن العملية المؤلفة من مراحل لا تزال مستمرة.
علينا الحذر جيدًا فيما لو كان الناتو يعني تنظيم غلاديو!
أريد هنا لفت الاهتمام إلى قضية أراها مهمة للغاية، وهي أن الناتو يعني في الوقت ذاته تنظيم غلاديو.
"غلاديو" هي عبارة عن تنظيم داخل دولة منتشر في الدول الأعضاء بحلف الناتو. ونعلم أن إيطاليا وإسبانيا شهدتا محاكمات وتصفيات كبيرة في هذا الإطار. أما في تركيا فكان بولنت أجاويد رئيس الوزراء في ذلك الوقت، هو من حلّ لغز هذا التنظيم في الداخل.
هذا التنظيم ذاته الذي تولى أعمال الاغتيالات السياسية وتسبب في إحداث اضطرابات داخلية، تم تكليفه أخيرًا بإبقاء تركيا على محور الناتو.
بصمات الناتو على جميع بيانات الانقلابيين
كانت هناك بصمات واضحة للناتو في جميع البيانات التي قرأها الانقلابيون.
آخر ذلك كان محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016، في البيان الذي تُلي على قناة TRT الرسمية، من قبل منحطّين من منظمة غولن الإرهابية، حيث قال البيان: "إن مجلس السلام في الداخل، قد اتخذ جميع التدابير من أجل الإيفاء بجميع الالتزامات إزاء الأمم المتحدة، وحلف الناتو، وجميع المنظمات الدولية الأخرى..".
لا تنسوا أيضًا أن مقاتلات إف-16 التي قصفت مجلس البرلمان التركي، ليلة 15 يوليو/تموز كانت في نهاية المطاف إحدى المقاتلات التابعة لحلف الناتو.
ولقد دعم حلف الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية، محاولةَ الانقلاب في تلك الليلة بالفعل، دعموا محاولة الاحتلال في تركيا.
نذكر جيدًا أن العديد من أعضاء منظمة غولن الإرهابية الذين كانوا يعملون تحت مظلة الناتو آنذاك، يرتدون زيّ القوات المسلحة التركية، غابوا منذ تلك الليلة عن الأنظار بعد تقديم اللجوء للبلدان التي كانوا فيها. ما يعني أن معظم أعضاء منظمة غولن الإرهابية كانوا من ضباط الناتو.
15 تموز ميلاد جديد، لكن تهديد الناتو لا يزال حيًا
أريد أن أؤكد على أن تركيا باتت مختلفة تمامًا عقب محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016. ومع شرائها صواريخ إس-400 بدأ عهد جديد في مجال الحرب على الإرهاب، وفق مفهوم "تابع، حدّد، دمّر وابق". وباتت السياسة الخارجية لتركيا أكثر استقلالية أيضًا.
لكن ومع ذلك، لا يزال حضورنا في الناتو. بينما لا تزال تهديدات "حلفائنا" لنا في هذا الحلف مستمرة.
آخر هذه التهديدات، كان تصريح السويد حول "أصدقائها الأقوياء في حلف الناتو، هذا الكلام يصيبني بالذهول.
علينا أن لا ننسى ما ذاقه البلد من ضرر على يد تنظيم غلاديو.
وعلينا أن لا ننسى أن مقاتلات الناتو من طراز إف-16 قصفت برلماننا في العاصمة أنقرة ليلة 15 يوليو/تموز.
علينا أن لا ننسى أن معظم الضباط الذين في الناتو كانوا من أعضاء منظمة غولن الإرهابية، وهم الآن يقيمون لاجئين في البلدان "الحليفة".
من المهم جدًا متابعة هذا الأمر بحذر شديد.
مثلما حاول الناتو في الأمس كسر الحاجز الذي وضعته تركيا على طريق عودة اليونان للحلف.
مثلما أريد السيطرة على تركيا عبر قصف البرلمان واغتيال أردوغان.
في سياق إصراره على التوسع، قد يقوم بخطوة جديدة تدفع للتخلي عن تحفظات واعتراضات تركيا على انضمام السويد وفنلندا للحلف.
سيحالون فعل ذلك. لكن روح 15 يوليو/تموز ستقف في وجههم من جديد.