- النازحون من الشمال لجأوا إلى مدينة غزة فلم يجدوا إلا ملاعب ومنازل آيلة للسقوط تأويهم - نصبوا خيامهم في ظل ظروف صعبة جراء شح الماء والطعام وانعدام مقومات النظافة والراحة - لا مفارش ولا طعام، والمراحيض الموجودة لا تكفي أعداد النازحين الكبيرة
بعد أن أجبرهم الجيش الإسرائيلي على النزوح في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من شمال قطاع غزة إلى غزة المدينة، لم يجد هؤلاء الفلسطينيين ملاذا يأويهم وسط ظروف إنسانية ومعيشية قاسية.
وبعد أن قطعوا أكثر من 15 كيلو مترا مشيا على الأقدام، وصل النازحون إلى "المجهول" بمدينة غزة حيث لا مكان يؤويهم سوى ملاعب ومنازل مدمرة آيلة للسقوط أو مراكز إيواء مكتظة أصلا بالنازحين.
وصلوا المدينة جوعى وعطشى إثر حصار إسرائيلي خانق رافق عملية الجيش البرية المستمرة منذ 5 أكتوبر شمال القطاع، وما زالوا يعانون من ظروف إنسانية ومعيشية صعبة مع غياب المال وندرة البضائع الأساسية في الأسواق.
وعلى مدار أكثر من شهر، أجبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين على ترك منازلهم والنزوح تحت وطأة التهديد والقصف من محافظة الشمال، فتوجه غالبيتهم إلى مدينة غزة.
وكان الجيش الإسرائيلي بدأ اجتياحا بريا شمال قطاع غزة في 5 أكتوبر، بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة".
بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب باحتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
الملاعب مراكز للإيواء
ملعب اليرموك وسط مدينة غزة الذي كانت تغطيه سجادة عشبية خضراء وتصدح فيه هتافات مشجعي مباريات كرة القدم قبل الإبادة الإسرائيلية، استحال إلى مركز لإيواء النازحين وملاذ أخير لهم.
نصب النازحون في ساحة الملعب خيامهم في ظل ظروف صعبة جراء شح المياه والطعام وانعدام مقومات النظافة الشخصية والراحة.
ويفاقم صعوبات الحياة في خيام النزوح، الأجواء الباردة ليلا التي تكون مصحوبة بالرياح أحيانا مع حلول فصل الخريف.
الشاب حمدي أمن، نزح مع عائلته من بلدة بيت لاهيا قبل نحو أسبوعين، يقول إن الحياة داخل خيمة لا تطاق لمن اعتاد العيش داخل المنزل.
ويضيف للأناضول: "رفضنا النزوح إلى جنوب قطاع غزة بداية الحرب حتى لا نسكن في خيمة، لكن بعد عام وأكثر من الحرب أجبرنا على ذلك".
ويصف "أمن" الحياة داخل مخيم النازحين الجديد "بالقاسية جداً"، موضحاً أن "مقومات العيش معدومة والمياه بصعوبة تتوفر".
ويردف قائلا: "لا يوجد مستلزمات أساسية كالمفارش والطعام، كما أن المراحيض الموجودة لا تكفي أعداد النازحين الكبيرة".
وبحسب حديثه، فإن "بعض التكيات الخيرية تعد طعاماً لهم لكن بكميات لا تكفي كافة النازحين المتواجدين" في الملعب.
وأما عن حصة المياه، فيلفت إلى أنها "لا تتجاوز لترات المعدودة يومياً"، مشيرا إلى أنها تستخدم "للشرب والغسيل والتنظيف".
ليال باردة
يتشارك رامي المدهون النازح من مخيم جباليا قبل عدة أيام التجربة مع حمدي، ويقول: "الحياة في الخيمة بائسة جداً، نشعر أننا نعيش مكشوفين للسماء والخصوصية مفقودة".
ويوضح أن ما يفاقم معاناتهم هي "الأجواء الباردة في ظل عدم توفر الأغطية اللازمة والملابس الثقيلة التي من الممكن أن تخفف من الشعور بالبرد".
ويقول رامي بحسرة إن والده المسن "يئن طوال الليل من البرد، ويطلب غطاء لتدفئة جسده النحيل، لكن العجز سيد الموقف".
ويعبر عن آماله في أن تمارس المؤسسات الدولية دورها و"تضغط على إسرائيل لإنهاء اجتياح شمال قطاع غزة فورا ليعودوا إلى منازلهم وأماكن سكنهم".
أوجه أخرى للمعاناة
وفي ساحة مدرسة "الموهوبين" بحي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، أقام نازحون قدموا من جباليا في خيام.
يقول هشام سالم: "خرجنا من مخيم جباليا وكلنا أمل أن نعود إليه بأقرب وقت".
ويضيف: "نتحمل في الخيام ظروفا قاسية وصعبة جداً حتى نكون على مقربة من مخيمنا لأن الحنين يأخذنا إليه كل لحظة".
يذكر سالم أن "الخيمة لا تطاق في الليل ولا بالنهار، والعيش فيها معقد جداً، فالماء يتوفر بصعوبة بالغة والخصوصية معدومة والطعام سيء جداً إن وجد".
ويحكي أن معاناتهم داخل الخيام تتفاقم بسبب قربهم من أماكن الاشتباكات المسلحة بين قوات الاحتلال وعناصر المقاومة.
ويقول إنهم يسمعون على مدار الساعة أصوات تفجيرات ونسف وإطلاق نار وتصلهم بكثير من الأحيان شظايا تتساقط فوق الخيام.
ويزيد: "يومياً تحلق فوقنا طائرات إسرائيلية مسيرة من نوع كواد كابتر، تطلق صوبنا الرصاص وتلقي قنابل الصوت لترهيبنا ولدفعنا لترك المكان ومغادرته".
بين الركام
وفي منزل مدمر آيل للسقوط، وجدت الأربعينية علا فايز ملجأ لها من شظايا الصواريخ الإسرائيلية وبعض الجدران التي تقي أطفالها الأربعة من برد الشتاء.
فايز تقول للأناضول: "نزحت برفقة أطفالي الأربعة من مخيم جباليا، بعدما استشهد زوجي في يوليو/ تموز الماضي بقصف إسرائيلي".
وتتابع: "لم نجد مكانا نلجأ إليه ويوفر لنا الحد الأدنى من الحياة إلا المنازل المدمرة والآيلة للسقوط".
وفي قطع ممزقة من القماش، حاولت السيدة تغطية الأماكن المدمرة من جدران غرفة بقيت واقفة في أحد المنازل بمدينة غزة.
وتعبر فايز عن خوف متكرر ينتابها من سقوط ما تبقى من المنزل على أطفالها، في كل مرة يهتز فيها جراء انفجارات ناجمة عن قصف إسرائيلي قريب.
وتعاني السيدة كغيرها من النازحين، من ظروف معيشية صعبة جراء نقص المياه والأغذية، قائلة: "المجاعة امتدت من شمال القطاع إلى مدينة غزة".
وتشير إلى أن النازحين والمواطنين الموجودين في المنطقة لا يجدون طعاما، وإنهم يكتفون بقليل من المعلبات الغذائية والتي تصل أسعارها إلى أرقام خيالية.
وباتت غالبية مناطق قطاع غزة تعاني من أزمة مجاعة جراء ندرة المواد الغذائية وغلاء أسعار الموجود منها، جراء القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول المساعدات.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 146 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.