في مطلع عام 2025.. تأملات في التدبير الإلهي للكون

08:321/01/2025, Çarşamba
تحديث: 1/01/2025, Çarşamba
ياسين اكتاي

الحمد لله الذي خلق السنين والأشهر والأسابيع والأيام، لنهتدي بها في مسار حياتنا. تلك الأيام التي يُداولها الله بين الناس تمر علينا وتتوالى بلا توقف، غير آبهة بمَن يظن أنها ثابتة لا تتغير. إن من يعيش وهم دوام هذه الأيام لا يشعر بجريانها إلا في اللحظات المزلزلة والعواصف العاتية، وحينها يصابون بالدهشة والذهول. وأما الذين يعيشون هذه الأيام في ظل الظلم والاضطهاد والآلام، فإنهم يرون في هذه التحولات غير العادية بصيص أمل يتجدد. وأما الظالمون الذين أفسدتهم السلطة المستبدة، وأغرقتهم في شهوة التسلط، والذين

الحمد لله الذي خلق السنين والأشهر والأسابيع والأيام، لنهتدي بها في مسار حياتنا. تلك الأيام التي يُداولها الله بين الناس تمر علينا وتتوالى بلا توقف، غير آبهة بمَن يظن أنها ثابتة لا تتغير. إن من يعيش وهم دوام هذه الأيام لا يشعر بجريانها إلا في اللحظات المزلزلة والعواصف العاتية، وحينها يصابون بالدهشة والذهول. وأما الذين يعيشون هذه الأيام في ظل الظلم والاضطهاد والآلام، فإنهم يرون في هذه التحولات غير العادية بصيص أمل يتجدد. وأما الظالمون الذين أفسدتهم السلطة المستبدة، وأغرقتهم في شهوة التسلط، والذين أذاقوا الناس ويلات الظلم ودمروا حياتهم، فيعتقدون أن نورهم المصطنع لن ينطفئ أبدًا، لكنهم يُفاجَؤون بالثورات التي تطيح بهم وتُذهلهم.

ها نحن نستقبل عام 2025 في أجواء نشهد فيها تداول هذه الأيام وتقلباتها، بين أولئك الذين أفسدتهم الشهوة والغطرسة وظنوا بقاء نعيمهم، وبين آخرين سحقتهم قسوة الحياة، فخيبت هذه الأيام آمالهم.

في السابع من أكتوبر 2023، حين كان النظام الصهيوني البغيض يحاول فرض معاييره المشوهة على العالم، محاولاً تزييف الظلام ليبدو كأنه نور، برزت من بين الناس فئة أشعلت نور الحقيقة بجراحها. ليكشفوا للعالم بأسره ماهية الظلام والنور. لقد كان صمود أهل غزة عملاً استثنائياً كشف القناع عن وجه العالم الغربي المتحضر والمتمدن والديمقراطي. لقد بيّن أبطال غزة، الذين وقفوا بين الحياة والموت، كيف أن الإنسانية قد تموت مرارًا، وكيف تُسحق كرامتها في حضيض المعاناة. فبرماد أجسادهم المنتهية، أوصلوا رسالة الحياة، وبأشلاء أطفالهم الممزقة، عرضوا للعالم عمق البؤس الذي وصلت إليه الإنسانية.

وبعد السابع من أكتوبر لم يتمكن العالم أن يعود إلى ما كان عليه سابقاً، ولن يستطيع. فقد انهارت أساطير الصهيونية التي كانت تدعمها القوى العالمية، وتكشفت أقنعة الحضارة الغربية لتكشف عن وجهها القبيح الحقيقي. في فترة وجيزة، فقد النظام الدولي القائم، ومعه امتداداته في العالم الإسلامي، جميع الأسس الأخلاقية والمعنوية والشرعية التي كان يرتكز عليها. ولم يعد لأحد أن يدعي أي تفوق أخلاقي على الآخر. لقد أصبحت إسرائيل أشبه بثقب أسود يستهلك كل رصيد التفوق الأخلاقي الذي كان الغرب يدّعيه، وكشفت الحقيقة المؤلمة أن العالم الإسلامي، بل العالم بأسره، يعيش تحت وطأة الاحتلال، بينما كانت غزة وحدها تقاوم هذا الاحتلال وتحافظ على حريتها رغم محاولات القضاء عليها.

ومع ذلك، كانت انتفاضة السابع من أكتوبر بمثابة شعلة حرية تعلن أن الأمل لا يمكن أن يُقضى عليه، مهما بلغت قوة النظام الفرعوني الصهيوني العالمي الذي استسلم له الجميع. و خلال عام 2024 بأكمله، ورغم الوحشية الإباديّة الصهيونية التي استمرت لمدة 450 يومًا، شهدنا صمود إرادة مقاومة لا تقهر، عصية على الخضوع. وعلى الرغم من كل محاولات الإبادة الوحشية والجماعية، ظلت هذه الإرادة صامدة، تبعث الأمل في النفوس. أعتقد أن هذا الصمود، يمثل الحدث الأهم لعام 2024.

ولهذا السبب بالذات، أصبح من الواضح للجميع أن العالم بعد "طوفان الأقصى" لن يعود إلى ما كان عليه من قبل. فاللعنة التي أصابت النظام العالمي الذي يعتبر الصهيونية أمرًا طبيعيًا، أصبحت تظهر بوضوح متزايد في كل مرحلة. ولا يمكن التقليل من أهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وإصدارها أوامر اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ورئيس أركان جيشه. هذا الحدث يمثل انقلابًا جذريًا على السرديات التي استغلتها إسرائيل حتى الآن وحاولت فرضها على العالم أجمع، من رواية الهولوكوست، إلى ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان الغربية، وصولًا إلى الخطابات المعادية للإسلام والمسلمين.

وعند دخولنا الشهر الأخير من عام 2024، شهدنا ثورة أطاحت بنظام الأسد الدموي والاستبدادي الذي استمر 54 عامًا، وأنهت في غضون 11 يومًا الإبادة الجماعية التي مارسها بشار الأسد ضد شعبه على مدار 14 عامًا. ويمكن اعتبار هذه الثورة امتدادًا لموجات طوفان الأقصى الارتدادية. فقد أسهمت الأحداث في خلق أرضية قوية انطلق منها الشعب السوري لتقرير مصيره. وبطبيعة الحال، لم تحدث الثورة خلال 11 يومًا فقط، بل كانت ثمرة لـ 14 عامًا من "التحضير"، كما وصفها قائد الثورة أحمد الشرع، واستغلالًا للفرصة التي أتاحها طوفان الأقصى في نهاية المطاف.

لقد جاءت هذه الثورة في لحظة كادت الآمال فيها أن تتلاشى، حيث كان الجميع يعيد ترتيب حساباته وخططه وفقاً للواقع الحالي، وهذا الأمر يحمل في طياته العديد من الإشارات. أولاً، يُظهر أن جميع القوى التي يُقال إنها كانت تقف خلف هذه الثورة، كانت في الحقيقة منشغلة بحسابات ومخططات أخرى. فالولايات المتحدة وإيران وروسيا وإسرائيل ودول الخليج والجامعة العربية، جميعها كانت تعمل على خطط تتعلق بسوريا، ولكن لم يكن لأي منها مكانٌ للشعب السوري ضمن هذه الحسابات، في حين كان لبشار الأسد موقع في كل هذه المخططات. وبالتالي لا توجد أي جهة يمكن للشعب السوري أن يكون مديناً لها بالفضل.

إن هذه الثورة تُعتبر في نتيجتها مكسباً عظيماً ليس فقط للشعب السوري، بل للإنسانية جمعاء، ولذلك لا يدين الشعب السوري بالفضل لأحد. بل على الجميع أن يشعر بالخجل ولو قليلا. ويرى الثوار بكل تواضع، أن هذا الإنجاز تحقق بفضلٍ إلهي خالص. ورغم ذلك لا يمكن إنكار دور عزمهم وإرادتهم في تحقيقه، فالإنصاف يقتضي الإشادة بجهودهم، ومن الإجحاف أن نقلل من شأن هذه الجهود.

غير أن الثورة السورية العظيمة التي اندلعت في الشهر الأخير من عام 2024 ليست الحدث الوحيد الذي يحمل الأمل لهذا العام. ففي بنغلاديش، شهدت البلاد أيضاً ثورة شعبية أنهت دكتاتورية استمرت 15 عاماً بقيادة الدكتاتورية الشيخة حسينة، والتي كانت أشبه بنظام "28 فبراير" المستبد. وخلال هذه السنوات، بَنَت حسينة نظام رعب حقيقي استهدف بالدرجة الأولى المسلمين في البلاد، إلا أن احتجاجات الطلابية والمظاهرات الشعبية الحاشدة التي أدت إلى هروبها من بنغلاديش في الخامس من أغسطس، كانت واحدة من أكثر التطورات الواعدة التي شهدتها السنوات الأخيرة.

ومن أبرز التطورات التي تبعث على الأمل في عام 2024 تراجع محاولة الانقلاب في السودان التي كانت تحمل بصمات إسرائيلية ولو بشكل غير مباشر. وفي هذا الانقلاب، الذي استخدمت فيه قوات الجنجويد البدويّة كوكلاء، تعرض الشعب السوداني لواحدة من أعنف وأبشع الهجمات على مدار عامين. ومع التطورات الأخيرة بات التحالف الذي تشكل حول الحكومة الشرعية قريبًا من تحقيق السيطرة على البلاد بروح تشبه روح "قوات الدفاع الوطني".

أما بالنسبة للثورة الأفغانية التي بدأت في أغسطس 2021، فقد تواصلت الأخبار الإيجابية عنها طوال عام 2024. فقد تحقق في أفغانستان بعد ثورة الاستقلال في 2021 حالة من السلام والاستقرار لم تشهدها البلاد من قبل. وفي هذا السياق، أصبح من أولويات الحكومة الأفغانية التنمية الاقتصادية، لأول مرة في تاريخها.

لا شك أن هذه التطورات الإيجابية في العالم الإسلامي مرتبطة بشكل كبير بتركيا، إما بدور مباشر أو بتأثير إيجابي كبير، وستستمر في هذا التأثير إن شاء الله. وقد ناقشنا هذه التطورات باستفاضة وسنواصل مناقشتها.

نسأل الله أن يكون العام الجديد عامًا أفضل لتركيا والعالم الإسلامي والعالم أجمع، ونأمل أن تستمر فيه كل التطورات الإيجابية التي بدأت في عام 2023 واستمرت في عام 2024 نحو الأفضل.

#2025
#العام الجديد
#غزة
#سوريا
#فلسطين
#إسرائيل
#السابع من أكتوبر