قراءة أحداث الشرق الأوسط في ضوء العلاقات الدولية (2)

09:4816/12/2024, الإثنين
تحديث: 31/12/2024, الثلاثاء
سليمان سيفي أوغون

بينما كانت أنظار العالم مركزة على الحرب الروسية الأوكرانية، جاءت أحداث 7 أكتوبر وما تبعها لتفاجئ الجميع. أصبح من الواضح الآن أن هذه الأحداث لم تكن عشوائية. استغلت الحكومة الإسرائيلية، ذات التوجهات الفاشية والمتطرفة، هذه التطورات لتحويلها إلى فرصة، وشرعت في تنفيذ إبادة جماعية بحق سكان غزة. ولم تكتفِ بذلك، بل وسعت عملياتها لتشمل لبنان وسوريا. هذا التوسع كان يستهدف، في جوهره، تصفية الحسابات مع إيران، لكنه تضمن أبعادًا عالمية أوسع. فالهدف كان تقليص نفوذ إيران، إلى جانب روسيا والصين، في شرق البحر الأبيض

بينما كانت أنظار العالم مركزة على الحرب الروسية الأوكرانية، جاءت أحداث 7 أكتوبر وما تبعها لتفاجئ الجميع. أصبح من الواضح الآن أن هذه الأحداث لم تكن عشوائية. استغلت الحكومة الإسرائيلية، ذات التوجهات الفاشية والمتطرفة، هذه التطورات لتحويلها إلى فرصة، وشرعت في تنفيذ إبادة جماعية بحق سكان غزة. ولم تكتفِ بذلك، بل وسعت عملياتها لتشمل لبنان وسوريا. هذا التوسع كان يستهدف، في جوهره، تصفية الحسابات مع إيران، لكنه تضمن أبعادًا عالمية أوسع. فالهدف كان تقليص نفوذ إيران، إلى جانب روسيا والصين، في شرق البحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط، وأخيرًا في إفريقيا.

في ظل انشغالها بالحرب الأوكرانية، عززت روسيا علاقاتها مع الهند والصين، ودخلت في شراكة استراتيجية وعسكرية مع إيران وكوريا الشمالية. في المقابل، كانت الصين قد أطلقت مبادرة طويلة الأمد مع إيران، وبدأت في تمهيد الأرضية لتحقيق السلام بين إيران ودول الخليج. لكن أحداث 7 أكتوبر وما أعقبها كانت تهدف بوضوح إلى تعطيل هذه المبادرات بشكل كامل.


واجهت روسيا صعوبة كبيرة في التعامل مع موجة العداء المتزايدة ضد إيران في الشرق الأوسط. وبسبب حربها في أوكرانيا، اضطرت إلى تقليص وجودها العسكري في المنطقة بشكل ملحوظ. كانت تدرك أن بقاءها في الشرق الأوسط يعتمد بشكل أساسي على دعم إيران، لكنها كانت على وعي أيضًا بالتناقض الذي يفرضه تحالفها مع إيران في سياق سياساتها. لذلك، اضطرت إلى غض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية.


حاولت روسيا إعادة إحياء عملية أستانا لخلق أرضية للتفاهم بين النظام السوري وتركيا. ومع ذلك، جاءت هذه الخطوة متأخرة للغاية وكانت أشبه بمحاولة يائسة. كان من الواضح لأي مراقب أن لقاءً بين أردوغان والأسد لن يحقق أي نتائج ملموسة. وبالتأكيد، كانت تركيا تدرك ذلك. إضافة إلى ذلك، كان الجميع على علم بأن إيران لن تقبل بهذا التوجه.


رغم ذلك، تبنت تركيا هذا المسار شكليًا، لتُظهر أنها ليست الطرف الرافض. كان هذا القرار صائبًا للغاية، لا سيما وأن روسيا أصبحت عاجزة عن تقديم أي حلول إضافية أو فعالة.

بات من الواضح أن موقف الأسد أصبح أكثر هشاشة من أي وقت مضى. إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية كانت بمثابة طوق النجاة الأخير الذي قدمته دول الخليج العربي ومصر، بعد إدراكها لحجم العاصفة المقبلة. ومع ذلك، لم يقدم هذا التحرك للأسد أي مكاسب تُذكر.

أما إيران، فقد بدت في حالة ارتباك شديد، ولم تدرك أن المواجهة المحتومة كانت قادمة لا محالة. بعد أحداث 7 أكتوبر، امتنع حزب الله عن تقديم الدعم لحركة حماس، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان المشهد الحالي سيكون مختلفًا لو اتخذ الحزب موقفًا مغايرًا. إسرائيل بادرت أولًا بإلحاق هزيمة ساحقة بحزب الله، الذراع الإيراني في لبنان، ودفعته بعيدًا عن حدودها إلى شمال نهر الليطاني. ثم واصلت هجماتها بقصف مكثف استهدف سوريا، ما أدى إلى سحق العناصر الإيرانية المتواجدة هناك. يبدو أن العقدة السورية بدأت تتفكك تدريجيًا.


من ناحية أخرى، يظهر أن الدولة التركية تابعت هذه التطورات عن كثب. قدمت دعمًا كبيرًا للاستعدادات الجارية والتشكيلات التي تم إعدادها في إدلب. وفي الوقت ذاته، عززت حضورها العسكري في العراق إلى حد كبير، حيث نجحت من خلال عمليات "المخلب-القفل" في تضييق الخناق على قنديل. هذه العمليات لا يمكن فصلها عن التحركات المرتقبة في سوريا، فهي جزء من استراتيجية مترابطة تهدف إلى إعادة تشكيل الأوضاع على الأرض.

لا حاجة للتفصيل حول المسار الذي يقود إلى انهيار نظام الأسد وإخراج روسيا وإيران من المشهد. فمنذ البداية، أشرت إلى أن هذا جزء من خطة أنجلوأمريكية تعتمد على استراتيجية مدروسة. على المستوى الإقليمي، ينبغي ملاحظة أن لهذه الخطة ركيزتين متضادتين تعملان بالتوازي: إسرائيل وتركيا. يمكن القول بثقة إن مستقبل الشرق الأوسط سيشهد مواجهة محورية بين هذين الطرفين، اللذين يشاركان في العملية ذاتها لكن من موقعين متعارضين.

وكما كان الحال عبر التاريخ، يلعب نهر الفرات دورًا حاسمًا في تحديد موازين القوى. على الضفة الغربية للفرات، تبرز تركيا كلاعب نشط وقوي، حيث تمكنت من تطهير المنطقة من تنظيم بي كي كي الإرهابي الموالي لإيران وروسيا، مع تعزيز نفوذها عبر الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام. في المقابل، تبدو إسرائيل، التي أنهكتها الحروب خلال العام الماضي، قلقة للغاية من تعزيز تركيا سيطرتها على غرب الفرات وظهورها السياسي والعسكري في دمشق. (هذا القلق ينعكس أيضًا لدى دول الخليج، باستثناء قطر، وكذلك في مصر).


على الجانب الآخر، تعمل إسرائيل على تأمين منطقة آمنة حول مرتفعات الجولان، بينما تكثف اتصالاتها ودعمها لتنظيم واي بي جي الإرهابي شرق الفرات. كما أن إسرائيل غير مرتاحة لمواقف هيئة تحرير الشام، التي أكدت في أكثر من مناسبة عدم رغبتها في خوض حرب معها.


يمكننا أن نتوقع أن إسرائيل ستسعى جاهدة لتعطيل التناغم بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، وربما تحاول إشعال الخلافات داخل مكونات هيئة تحرير الشام نفسها. كما ستعمل على إضعاف الروابط بين تركيا وهيئة تحرير الشام.


علاوة على ذلك، من المرجح أن تستهدف إسرائيل أربيل، التي تُعد أحد حلفاء تركيا الرئيسيين في العراق. وقد تتخذ خطوة أكثر خطورة تتمثل في زعزعة استقرار إيران بهدف إشعال صراع عسكري بين تركيا وإيران، وهو سيناريو قد يخدم المصالح الإسرائيلية بشكل مباشر.


في المقابل، لا تقف تركيا مكتوفة الأيدي. فهي تسعى جاهدة للحفاظ على المسافة الفاصلة بين هيئة تحرير الشام وتنظيم واي بي جي الإرهابي. وفي الوقت نفسه، تتخذ خطوات جذرية للقضاء على وجود تنظيم واي بي جي الإرهابي شرق الفرات. يجب أن يكون واضحًا الآن أن قضية تركيا تتجاوز مجرد إنشاء شريط أمني بعمق 30 كيلومترًا. فالدبلوماسية والاستخبارات التركية تعملان، بمساندة جزئية من هيئة تحرير الشام تارةً، وبالتعاون مع العناصر الكردية والعربية غير المنتمية لتنظيم واي بي جي شرق الفرات تارةً أخرى، لتنفيذ تحركات استراتيجية تهدف إلى قطع أقدام تنظيم واي بي جي من تلك المنطقة. وإذا لم يكن هناك بديل آخر، فإن الخيار الأخير سيكون تدخل الجيش التركي.


القضية الكبرى تدور حول كيفية إيصال موارد الطاقة في الخليج وشرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا عبر الشركات الأنجلو-ساكسونية. لا شك أن الخيار الأكثر منطقية هو تركيا. لكن المشكلة تكمن في أن إسرائيل لا ترغب في هذا السيناريو. أكبر طموحات إسرائيل تعتمد على عودة ترامب إلى السلطة، مستفيدًا من دعم شركات السلاح والتكنولوجيا العملاقة.


ترامب يحمل في ذهنه مكونين متناقضين. فمن ناحية، يمتلك عقلية اقتصادية تعتمد على الحسابات والمصالح، والتي تميل لصالح تركيا. ومن ناحية أخرى، يتبنى عقلية أيديولوجية إنجيلية غير واضحة، تميل لصالح إسرائيل. يبقى السؤال: أي من هذين التوجهين سيكون له الغلبة؟ وما مدى قدرة العقلية البريطانية على التحكم في ترامب؟


قد يبدو من المبكر التفكير في الأمر، لكن سؤالًا آخر يلوح في الأفق: إذا فازت تركيا في هذا الصراع، فما الثمن الذي سيُطلب منها دفعه؟ هل نحن على وشك مواجهة حرب شبيهة بحرب القرم؟ نسأل الله أن يحمينا من ذلك...



#تركيا
#إدلب
#ترامب
#بريطانيا
#بي كي كي الإرهابي
#شرق الفرات