الفقاعات التي تم تضخيمها ثم تفجيرها (2)

09:4723/12/2024, الإثنين
تحديث: 31/12/2024, الثلاثاء
سليمان سيفي أوغون

الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا أنهت بشكل متزامن محاولات كلٍّ من إيران وروسيا لمحاصرة تركيا جنوبًا. نظرًا لأنني تناولت هذه التفاصيل مسبقًا، لن أتطرق إليها مجددًا. الآن دعونا نُلقي نظرة شاملة قدر الإمكان على المشهد. بالنسبة لإيران، تم تفجير بالونها المنتفخ في سوريا عبر إسرائيل. وفي لبنان، تم تضييق الخناق على حزب الله، مما اضطره للتراجع نحو الشمال بعد تكبده خسائر كبيرة. لم تكن هناك أرضية تدعم قوة إيران في سوريا، التي تتألف غالبية سكانها من السُّنة، في ظل سياستها القائمة على التوجه الشيعي التوسعي.

الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا أنهت بشكل متزامن محاولات كلٍّ من إيران وروسيا لمحاصرة تركيا جنوبًا. نظرًا لأنني تناولت هذه التفاصيل مسبقًا، لن أتطرق إليها مجددًا. الآن دعونا نُلقي نظرة شاملة قدر الإمكان على المشهد.

بالنسبة لإيران، تم تفجير بالونها المنتفخ في سوريا عبر إسرائيل. وفي لبنان، تم تضييق الخناق على حزب الله، مما اضطره للتراجع نحو الشمال بعد تكبده خسائر كبيرة. لم تكن هناك أرضية تدعم قوة إيران في سوريا، التي تتألف غالبية سكانها من السُّنة، في ظل سياستها القائمة على التوجه الشيعي التوسعي. ومع تصاعد موجة الأحداث في إدلب، لم تتمكن إيران من الصمود. المكان الوحيد الذي استطاعت أن تجد فيه موطئ قدم لسياساتها التوسعية كان العراق.


لكن حتى في العراق، ظهرت ردود فعل قوية من القاعدة الشيعية المحلية، بقيادة مقتدى الصدر، الذي سئم من مغامرات إيران واستند إلى النزعة القومية العراقية/العربية. وقد حرص الصدر على إبقاء شريحة واسعة من قاعدته الشعبية خارج الملف السوري تمامًا. كما أن فتوى آية الله السيستاني جاءت في الاتجاه نفسه، مما أدى إلى تراجع إيران داخل العراق أيضًا.


أما روسيا، التي ركزت قواتها على أوكرانيا، فلم تستطع القيام بأي شيء يُذكر حيال هذه التطورات. كل ما تسعى إليه حاليًا هو الحفاظ على قواعدها العسكرية في المنطقة. وفي النهاية، أصبح الجنوب التركي خاليًا من التهديدات بشكل مفاجئ.

يبدو أن العملية التي جرت في إدلب لم تكن مفاجئة بالنسبة لتركيا، بل شاركت فيها بشكل فاعل. بدأت هذه العملية من العراق، حيث تم التوصل إلى تفاهم مع الحكومة الحالية التي رفضت أن تكون أداة بيد إيران. عمليات "المخلب/القفل" قضت على تحركات تنظيم بي كي كي الإرهابي في العراق. وعندما انطلقت عملية "خروج" هيئة تحرير الشام، دفعت تركيا بالفصائل التابعة للجيش الوطني السوري للتحرك. تم تطهير تل رفعت ومنبج من عناصر بي كي كي الإرهابي. واليوم يتم التحضير لعملية في عين العرب.

تركيا تركز بشكل رئيسي على السيطرة على المنطقة الممتدة حتى القامشلي. ومع ذلك، يبدو أن التطورات الأخيرة تتجاوز هذا الهدف. في تقديري، يشمل الهدف تطهير الرقة ودير الزور والحسكة أيضًا من تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي. لتحقيق ذلك، يجري التعاون مع الأحزاب الكردية المنضوية تحت نهج الحزب الديمقراطي الكردستاني (بارزاني) ومع القبائل العربية شرق الفرات التي بدأت تتحرك بسبب استيائها من بي كي كي. الهدف النهائي هو تطهير سوريا بشكل كامل من وجود تنظيم بي كي كي الإرهابي، وهذا هو المسار الصحيح.


التعامل مع هذه التطورات التي تفتح آفاقًا جديدة لتركيا يتطلب تقييمًا متزنًا. استبدال التوجه الإيراني الفاشل بما يُسمى سياسة "تيوسياسية تركية" غير مدروسة قد لا يكون خيارًا حكيمًا. استخدام التوجه التيوسياسي بجرعات مناسبة ودون تجاوز حدود الواقعية السياسية يمكن أن يكون له فوائده، إذا لم يطغَ على السياسة الواقعية. المشكلة الأساسية في النهج الإيراني كانت التضحية بالسياسة الواقعية لصالح التوجه التيوسياسي.


على عكس ما يروج له الإعلام، أرى أن العقلية السياسية للدولة التركية حتى الآن تتسم بالتوازن في هذا السياق. ما زالت هناك تساؤلات حول البنية الجديدة لهيئة تحرير الشام وما تخفيه. لكن على الأقل في الوقت الراهن، يبدو أن هناك انسجامًا في المسار المتبع. القبول الدولي بشرعية هيئة تحرير الشام يعود بشكل كبير إلى الجهود التركية، سواء من خلال التوصيات أو التأثير الدبلوماسي.

اليوم، نشهد تزايد نفوذ تركيا في سوريا من الشمال إلى دمشق. ومع ذلك، يجب أن ندرك أننا لسنا وحدنا في سوريا. التطورات الأخيرة، وبغرابة القدر، فتحت المجال أمام تركيا وكذلك أمام إسرائيل. لا يزال الوضع في لبنان غير محسوم، لكن إسرائيل تركز حاليًا على التوسع في المناطق التي تعتبرها استراتيجية، بدءًا من مرتفعات الجولان. أما في غزة، التي تراجعت عن صدارة المشهد، تمضي إسرائيل في تنفيذ سياساتها دون رادع.

إسرائيل، من خلال قصفها المكثف، دمرت البنية التحتية العسكرية لسوريا. وفي المقابل، تقدم دعمًا متزايدًا لتنظيم بي كي كي الإرهابي شرق الفرات، ومن الواضح أن هذا الدعم سيزداد في الأيام القادمة. لا شك أن هدفها هو تقسيم سوريا. في دمشق، تواصل هيئة تحرير الشام دعم موقف تركيا. زعيم الهيئة، الذي يُعرف الآن باسم أحمد الشرع، يكرر التأكيد على ضرورة أن تكون سوريا دولة موحدة بجيش واحد. وفي التعيينات الجديدة، تم وضع العديد من الشخصيات ذات الصلة الوثيقة بتركيا في مناصب رئيسية، وهو تطور إيجابي.


مع ذلك، يواجه أحمد الشرع ضغوطًا كبيرة من زيارات غربية مكثفة، يُرجح أنها تهدف إلى دفعه للابتعاد عن تركيا والتوصل إلى تفاهمات مع تنظيم واي بي جي الإرهابي. يبدو أن تركيا بدورها تواصل تقديم الدعم اللازم للحفاظ على موقفه في مواجهة هذه الضغوط. إذا استمر التناغم بين تركيا ودمشق في التطور والاستقرار، فقد يشكل ذلك جرس إنذار بالنسبة لإسرائيل.

تزايد النفوذ التركي يثير قلقًا كبيرًا لدى إسرائيل وأذرعها في الغرب الداعمة لها. التصريحات ذات الطابع التهديدي التي أطلقها أشخاص مثل جون كينيدي وليندسي غراهام تعكس بوضوح هذا الانزعاج. لا ينبغي اعتبار هذه التصريحات تمثيلًا للرؤية الرسمية للولايات المتحدة، ولكن يجب أيضًا عدم التقليل من أهميتها. إذا تولى ترامب السلطة، فنتمنى ألا ينصت إليهم، ولكن لا يمكن تجاهل احتمالية حدوث ذلك تمامًا.

إذن، ما الذي يمكنهم فعله؟ سيحاولون زرع الخلافات بين مكونات هيئة تحرير الشام، وإثارة المشكلات بين الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام. ينبغي الاستعداد لمثل هذه السيناريوهات. على الجانب الآخر، قد يقومون بتحريك عناصر تنظيم داعش الإرهابي، الذي يعتبرونه أداة متعددة الأغراض، لفرض فكرة ضرورة استمرار وجود تنظيم واي بي جي/بي كي كي الإرهابي. كما سعوا جاهدين حتى الآن لربط أربيل بالحسكة، وتمثيل الأكراد ككتلة واحدة في دمشق، لكنهم فشلوا. من المهم ألا ننسى أن لإسرائيل نفوذًا في أربيل، ربما ليس بقوة النفوذ التركي، لكنه لا يمكن تجاهله.


ما يستحق التركيز عليه هو ما ستفعله الولايات المتحدة في إيران بعد بدء إدارة ترامب. لا أعتقد أنهم سيكتفون بهجوم يدمّر البنية التحتية لإيران، بل سيحاولون إثارة العديد من الاضطرابات لتفكيكها. وإذا حدث توتر من خلال الأذريين الأتراك، فإن نشوب حرب بين تركيا وإيران لن يكون أمرًا مستبعدًا، والفائز الوحيد في هذه الحرب سيكون إسرائيل بلا شك. يجب الانتباه الشديد إلى هذا الاحتمال. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن ملف قبرص سيُطرح قريبًا بشكل مليء بالمشكلات.


وضع إسرائيل في الواقع ليس مختلفًا كثيرًا عن إيران. فهي أيضًا عبارة عن بالون تضخمه سياساتها الدينية، لكنها لا تبقى مكتوفة الأيدي. ومع ذلك، لا شك لدي أن هذا البالون سينفجر يومًا ما. الرد الأمثل على هذا التضخم الإسرائيلي يتمثل في العقلية الدبلوماسية والجيوسياسية التركية. لكن يجب الاعتراف بأن سوريا تتجه بشكل متزايد نحو أن تصبح ساحة صراع قوة بين تركيا وإسرائيل.




#تركيا
#إسرائيل
#تركيا وإسرائيل
#الغرب
#بي كي كي الإرهابي