الظلام العميق الذي جر الولايات المتحدة إلى حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط

08:3920/01/2025, Pazartesi
تحديث: 20/01/2025, Pazartesi
سلجوك توركيلماز

إن إقدام الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب على مشاركة تصريح يتضمن شتماً وإهانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أثار بلا شك تساؤلات عديدة في أذهان الكثيرين. وكانت هذه الإهانة صادرة عن أستاذ الاقتصاد الأمريكي جيفري ساكس. وعند إزالة الجزء المتعلق بالشتم والإهانة من كلام ساكس، يتبقى ما يلي: "نتنياهو شخصية مظلمة وعميقة تجر الولايات المتحدة إلى حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط." إن حذف الجزء المسيء لا ينتقص من المعنى المقصود، وما يستحق التوقف عنده هو ما يرمي إليه هذا التصريح، وما يعنيه

إن إقدام الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب على مشاركة تصريح يتضمن شتماً وإهانة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أثار بلا شك تساؤلات عديدة في أذهان الكثيرين. وكانت هذه الإهانة صادرة عن أستاذ الاقتصاد الأمريكي جيفري ساكس. وعند إزالة الجزء المتعلق بالشتم والإهانة من كلام ساكس، يتبقى ما يلي: "نتنياهو شخصية مظلمة وعميقة تجر الولايات المتحدة إلى حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط." إن حذف الجزء المسيء لا ينتقص من المعنى المقصود، وما يستحق التوقف عنده هو ما يرمي إليه هذا التصريح، وما يعنيه صدور مثل هذه الكلمات في الولايات المتحدة.

لو أردنا قبل السابع من أكتوبر 2023، أن نرسم تصورًا هرميًا يوضح طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبين بريطانيا وإسرائيل، لكان علينا غالبًا وضع إسرائيل ورأس المال اليهودي والأثرياء اليهود وفي السياق ذاته رأس المال العالمي، في قمة هذا الهرم. ووفقًا لهذا التصور الهرمي كان سينشأ تصور عن عالم تحكمه الهيمنة اليهودية. وبالنسبة إلينا لم يكن هذا التصور جديدًا أو مفاجئًا، فلطالما كانت عقولنا مهيأة لمثل هذه التفسيرات في الماضي. وكان يُعتقد أن رؤساء الولايات المتحدة لا يخرجون عن إرادة اللوبيات اليهودية، وهو تصور لم يكن بعيدًا عن الحقيقة بالنظر إلى مسار الأحداث.

ولو أُجريت دراسات معمّقة عن البُنى العميقة، لتبين أن هذه الفرضيات مضللة. ولكن فكرة "إسرائيل القوية" و"اليهود الأقوياء" كانت تحظى بأهمية بالغة في سياق روح العصر. ومثل هذا التصور يحتاج إلى إعادة نظر من زوايا مختلفة. أما بعد السابع من أكتوبر فقد بدأت العلاقة بين التصورات الهرمية والواقع الفعلي تخضع للتساؤل. والأهم من ذلك بدأ العالم بأسره ينظر إلى الصهيونية واليهودية ككيانين منفصلين، وهو تطور بالغ الأهمية.

لو كانت الشائعات المتداولة حول قوة اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة صحيحة، لتعرض جيفري ساكس لهجوم شرس. لكن ذلك لم يحدث. بل إن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، أعاد نشر رسالة ساكس على وسائل التواصل الاجتماعي ولم يتعرض هو الآخر لأي هجوم. وعادة ما تشمل الدراسات المتعلقة باللوبيات تأثير رؤساء الوزراء الإسرائيليين على السياسة الأمريكية. ولكن الآن رغم وجود العديد من الشخصيات اليهودية وحتى الصهيونية في إدارة ترامب، تعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي لانتقادات. وفي هذا السياق تم تسليط الضوء على تأثير ترامب في اتفاقية وقف إطلاق النار. والجدير بالذكر أن من يعرفون فترة رئاسته الأولى يدركون أن ترامب لم يكن معاديًا للصهيونية، بل يمكن اعتباره من داعميها. ورغم ذلك اضطر نتنياهو وإسرائيل للخضوع لضغوط ترامب والولايات المتحدة، مما يدل على أن التصور الهرمي للعلاقات لم يكن دقيقًا تمامًا.

كلمات جيفري ساكس التي وصف فيها نتنياهو بأنه " شخصية مظلمة وعميقة تجر الولايات المتحدة إلى حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط" تعكس بوضوح خطوط انقسام حادة. وقد اتخذ ساكس نهجًا يعزز أولوية المصالح الأمريكية، وهو ما لقي صدى لدى ترامب. ولو كنا نقرأ كتابًا عن تاريخ اللوبيات، لوجدنا عبارات مثل "لم يصدق أعضاء أيباك ما سمعوه، واستشاطوا غضبًا". ولكن بدلاً من ذلك أصبح الحديث يتركز على تأثير ترامب على السياسة الإسرائيلية، وبدأت قدرة إسرائيل على التحرك بشكل مستقل تخضع للتساؤل. وهذه الحقيقة الجديدة لا تتطابق مع العالم الذي نعرفه.

كانت الصهيونية تحمل بصمات الأنجلوسكسونيين منذ نشأتها، وهذا أمر لا غرابة فيه. فالأنجلوسكسونيون بارعون في اختراع الديانات الجديدة، كما أن تنظيم "غولن" الإرهابي هو من صنعهم، ويمكننا أن نجد أمثلة مشابهة موجهة للمسلمين في الهند. ولكن مع مرور الوقت ازداد عدد اليهود الذين تبنوا هذه الأيديولوجية الجديدة، وعندما أدركوا أن إسرائيل هي مشروع ناجح أصبح غير الصهاينة أقلية. ولكن كما في حالة تنظيم "غولن" الإرهابي، فإن انتشار هذا الاعتقاد كان مشروطاً بالنجاح. وحتى رؤساء الولايات المتحدة كانوا عرضة لتأثير "الظلام العميق" بناءً على هذا النجاح. وعندما نختصر عبارة جيفري ساكس إلى "الظلام العميق الذي يجر الولايات المتحدة إلى حروب لا نهاية لها في الشرق الأوسط"، يصبح مفهوم "الظلام العميق" أكثر وضوحًا. هذا المفهوم قابل للتفسير بطرق مختلفة، ولكن يمكننا أن نستنتج أنه يشير إلى الأيديولوجية الصهيونية.

وبعد السابع من أكتوبر أصبح واضحًا أن الهيكل الهرمي للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا وإسرائيل قد انعكس، فالأنجلوسكسونيون هم من يتربعون على قمة الهرم، والفلسطينيون كانوا في الأساس في صراع مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولذلك فإن الأنجلوسكسونيين مسؤولون أيضًا عن جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين، ويجب محاكمة المملكة المتحدة والولايات المتحدة مع إسرائيل في المحاكم الدولية. ويمكن للأنجلوسكسونيين أيضًا تقدير هذه الحقيقة. ومن الآن فصاعدا سيبدؤون هم في التفكير بجدية في مفهوم "الظلام العميق" أكثر منا.


#الظلام العميق
#الولايات المتحدة
#إسرائيل
#نتنياهو
#الصهاينة
#الأنجلوسكسونيون
#ترامب
#السابع من أكتوبر