تعليمات الملك وسيناريو جديد في أزمة خاشقجي

13:3617/10/2018, الأربعاء
تحديث: 17/10/2018, الأربعاء
كمال أوزتورك

تشهد الجبهة السعودية تحركات وتغييرا عقب واقعة مقتل جمال خاشقجي، إذ بدأ سيناريو جديد يلوح في الأفق. وسأحكي عن هذا الموضوع بعد قليل، لكن أود أولا توضيح ما إذا كان التغيير على الجبهة السعودية حقيقيا، وذلك من خلال تقديم بعض المعلومات من المشهد.تعلمون أن ولي العهد السعودي أصدر تصريحا عقب وقت قصير من الكشف عن الجريمة قال فيه "تستطيع تركيا تفتيش مبنى القنصلية إذا أرادت". وكان الجميع قد قرأ هذا التصريح على أنه تصريح شخص واثق بنفسه وليس على صلة بالجريمة.بيد أن الأمر على أرض الواقع لم يكن كذلك. فالسعوديون

تشهد الجبهة السعودية تحركات وتغييرا عقب واقعة مقتل جمال خاشقجي، إذ بدأ سيناريو جديد يلوح في الأفق. وسأحكي عن هذا الموضوع بعد قليل، لكن أود أولا توضيح ما إذا كان التغيير على الجبهة السعودية حقيقيا، وذلك من خلال تقديم بعض المعلومات من المشهد.

تعلمون أن ولي العهد السعودي أصدر تصريحا عقب وقت قصير من الكشف عن الجريمة قال فيه "تستطيع تركيا تفتيش مبنى القنصلية إذا أرادت". وكان الجميع قد قرأ هذا التصريح على أنه تصريح شخص واثق بنفسه وليس على صلة بالجريمة.

بيد أن الأمر على أرض الواقع لم يكن كذلك. فالسعوديون - في الواقع - كانوا قد سمحوا حتى أمس الأول فقط بدخول غرفة واحدة من غرف القنصلية وتفتيش بضع خزانات وحسب. ولهذا السبب لم يكن أحد يريد دخول القنصلية.

كان التصريح متناقضا مع الوضع على الأرض، لكن الأمر ليس كذلك حاليا.

تغيرات مهمة بعد اتصال الملك

لكني لاحظت تغير الوضع عقب اتصال ملك السعودية بالرئيس أردوغان. ولهذا هاتفت أحد الأسماء البارزة من الفريق الذي يدير التحقيق في قضية خاشقجي وسألته عما إذا كان هذا الأمر انعكس بالفعل على أرض الواقع، فأخبرني قائلا:

"هناك تقدم ملحوظ. الفريق السعودي يرغب في مساعدتنا، ليس كسابقه. ويبدو أنه صدر له تعليمات عقب اتصال الملك بالرئيس أردوغان".

ولهذا نستطيع القول إن هذا التطور يعتبر تغيرا جذريا في سير الأحداث المتعلقة باغتيال الصحفي السعودي المعارض. فالمصادر الدبلوماسية والأمنية في تركيا، على حد سواء، تؤكد أن تغيرا كبيرا حدث عقب اهتمام الملك بالأمر.

احتمالية "تبخر" الجثة

ولأنتقل إلى الجزء الخاص بالسيناريو المذكور من خلال سرد آخر معلومات نقلها مصدر أمني.

تعتبر مسألة الوصول إلى الجثة هي أكثر النقاط الحساسة في التحقيق. وتجري الفرق التركية بحثها بدقة متناهية في كل أرجاء إسطنبول، بما في ذلك غابات بلغراد الشاسعة. لكن هناك فرضية تزيد قوتها بمرور الوقت مفادها أن الجثة ربما تكون قد تم "تبخيرها" فيما بين القنصلية وبيت القنصل، وربما يكونون قد فعلوا هذا الأمر باستخدام براميل الحمض أو أي طريقة أخرى، وهي الاحتمالية التي تتحدث عنها كذلك السلطات الأمنية التركية.

ولهذا السبب فإن التفتيش الذي يجري في القنصلية وبيت القنصل يحمل أهمية حيوية. وفي حالة فشل العثور على الجثة، فستكون الأدلة التي سيعثرون عليها هنا أدلة مهمة في الجريمة؛ إذ سترسل إلى هيئة الطب الشرعي التي ستحللها وتكشف عن النتيجة.

سيناريو الخروج من الأزمة صناعة أمريكية – سعودية

ولننتقل إلى مسألة السيناريو. فوفق خبر نشرته شبكة سي إن إن إنترناشونال الإخبارية، تعمل الرياض حاليا على تجهيز مخطط يخلص الدولة من هذه الأزمة عن طريق تحميل مسؤولية الجريمة للقنصل والفريق المكون من 15 شخصا. ولهذا يجب قراءة تصريح ترامب الذي قال فيه "ربما يكون قتلة مارقون هم الذين ارتكبوا الجريمة" جنبا إلى جنب مع هذا التطور. ولهذا أظن أن السيناريو يبدو وكأنه صناعة أمريكية – سعودية.

وربما تتذكرون عندما كتبت التالي في مقال لي نشر قبل أسبوع تناولت فيه طريق الخروج:

"لو اعترفت السعودية بأن هذه الجريمة ارتكبت بغير علم الدولة وكشفت النقاب عن هوية المتهمين، بمن فيهم القنصل، وقدمتهم للمحاكمة وقدمت اعتذارا إلى تركيا؛ فلن تتعمق الأزمة ويتنشر تأثيرها. وبغض النظر عن كون مسرح الجريمة مقرا لبعثة دبلوماسية، يمكن للسعودية أن تحقق كذلك في خروج مسؤولين حكوميين وبيروقراطيين عن المألوف وإصدارهم أمرا بارتكاب الجريمة. وحينها سيصل طرف الخيط حتى ولي العهد محمد بن سلمان. ولن يكون هناك أي فرصة أفضل من هذه بالنسبة للأوساط الداخلية والخارجية الراغبة في التخلص منه. وإن لم يحدث ذلك، فسينظَر إلى الجريمة على أنها عملية نفذتها الدولة السعودية التي ستدرج بعد إثبات ذلك الأمر ضمن فئة "الدول الشقية".

وحسب فهمي، فإن السعودية والولايات المتحدة ستنفذان هذا السيناريو الذي يعتبر – في حقيقة الأمر – هو أفضل طريق لنجاة الدولتين. فلا واشنطن ترغب في خسارة مبيعات أسلحة بقيمة 100 مليار دولار، ولا ملك السعودية يريد التخلي عن السلطة.

احتمالية عزل ولي العهد

لكنهم سيجرون تغييرا على هذا النحو؛ إذ لن يجعلوا لابن الملك علاقة بالجريمة، حتى وإن كان بعض القتلة هم من فريق حراسة ولي العهد. لكن هذه الواقعة ستعفيه كذلك من منصبه، وأعتقد أن الملك تكلم مع وزير الخارجية الأمريكي، الذي طار إلى الرياض على عجل، حول خليفة ابنه في منصب ولي العهد.

وأعتقد أن تركيا لن تعترض على سيناريو كهذا من الناحية الدبلوماسية. وعلى كل حال، فإن آخر شيء ستطلبه بصفتها دولة لها سيادة هو الكشف عن هوية القتلة ومحاسبتهم وتقديم اعتذار رسمي.

لكنها ستطلب كذلك إنهاء المواقف العدائية التي يعود مركزها للسعودية والإمارات والتأسيس لعلاقات جيدة في المجالات كافة. فلا تندهشوا لو رأيتم وسائل الإعلام الخليجية تمدح أردوغان، فهناك احتمال أن يكون الملك قد أصدر أوامره بذلك!

تدير تركيا هذه العملية بامتياز؛ إذ تعمل أجهزتها السياسية والدبلوماسية والاستخباراتية والأمنية والمعلوماتية بتنسيق رائع لتحقيق المصلحة المرجوة.

أعتقد أن الأمور ستتضح خلال هذا الأسبوع ليكشف النقاب عن القتلة. وأما نحن فسنبصق على وجه من ارتكبوا هذه الجريمة والمحرضين عليها، وسنذكر زميلنا وصديقنا وأخانا المسلم جمال خاشقجي بالرحمة والدعوات.

#كمال أوزتورك
#خاشقجي