يجب تغيير وضعية مكة والمدينة

10:5013/10/2018, السبت
تحديث: 13/10/2018, السبت
كمال أوزتورك

ذهبت لأداء مناسك العمرة لأول مرة قبل 15 عاما، وكان الحماس لدي على أعلى مستوى كأي مسلم يزور الأراضي المقدسة للمرة الأولى. وعندما رأيت مكة أدهشني شيئان:أولهما كان الفقر والبؤس الذي كان على مسلمي العالم القادمين من كل بقاع العالم الإسلامي والذين يشكلون المجتمع الذي نسميه "الأمة".وأما الثاني فكان القمع المذهبي الذي يمارس على الحجيج والمعتمرين من جانب الدولة السعودية التي تدير المدن المقدسة مهملة كل مظاهر النظافة والنظام.حاولت نسيان هذا الأمر عن طريق تكريس وقتي للعبادة، إن كان هذان الأمران قد أزعجاني

ذهبت لأداء مناسك العمرة لأول مرة قبل 15 عاما، وكان الحماس لدي على أعلى مستوى كأي مسلم يزور الأراضي المقدسة للمرة الأولى. وعندما رأيت مكة أدهشني شيئان:

أولهما كان الفقر والبؤس الذي كان على مسلمي العالم القادمين من كل بقاع العالم الإسلامي والذين يشكلون المجتمع الذي نسميه "الأمة".

وأما الثاني فكان القمع المذهبي الذي يمارس على الحجيج والمعتمرين من جانب الدولة السعودية التي تدير المدن المقدسة مهملة كل مظاهر النظافة والنظام.

حاولت نسيان هذا الأمر عن طريق تكريس وقتي للعبادة، إن كان هذان الأمران قد أزعجاني في ظل هذه الأجواء الروحانية العالية. لكن عندما كنت أزور الأراضي المقدسة كل عام لم يكن ما يزعجني هو حال المسلمين البائس والفقير، بل القمع الذي يمارسه النظام السعودي لكي أؤدي عبادتي وفق المذهب الوهابي.

لماذا تدار مكة والمدينة وفق المذهب الوهابي؟

كان رجال الأمن السعودي يعترضون من يتجه نحو مكة ويرفع يديه بالدعاء ومن يلصق بدينه بستار الكعبة ويبكي ومن تنهمر عبراته في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليقولوا له "حرام يا حاج"، ليعترضوه بشكل بدني غير لائق.

وفي نهاية المطاف عندما ضقت ذرعا من هذه الممارسات واعترضت على هذه التدخلات التي قاموا بها تجاهي داخل المسجد النبوي، جذبني رجال الامن داخل ذلك المسجد المقدس وأرادوا اعتقالي.

شعرت بالخجل لأنني تسببت في حدوث شجار داخل المسجد في حضرة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام. بيد أن رجال الأمن هناك لم يخجلوا وهو يحاولون جذبي واصطحابي من المسجد.

وتهمتي هي سكب الدمع في حضرة الرسول ومقاومة الشرطة التي تدخلت لمنعي من ذلك!

أنا متأكد من أن كل من يذهبون للحج أو العمرة يتعرضون لمثل هذه التدخلات من الشرطة السعودية. لكني يومها سجلت هذه الملاحظة في دفتري:

"لماذا أنا مجبر على التعبد هنا وفق المذهب الوهابي؟ لماذا تمتلأ مكة والمدينة بهذا القدر من القاذورات وعدم النظام والبؤس؟ لماذا هدم النظام السعودي كل ميراثنا التاريخي وذكرياتنا وآثارنا التاريخية بحجة أن ذلك "شرك!" ولم ينبس أحد ببنت شفة؟ لماذا لا تدار هذه الأراضي المقدسة بالنسبة للعالم الإسلامي كافة على يد لجنة مشتركة؟

لولا مكة والمدينة لانهارت مكانة السعودية

ترى الدولة السعودية أن مناقشة وضعية مكة والمدينة وطريقة إدارتهما أخطر من الجدول حول وجود الله! وصدقوني أنها لا تفكر هكذا فقط من أجل الهيمنة على الأرض. فالنظام السعودي يستمد مكانته وشرعيته بالكامل من وجود هاتين المدينتين المقدستين. فعندما يقول المسلمون "الأراضي المقدسة" فإن النظام السعودي كذلك يحصل على قسمته من هذه "الكعكة".

ولولا مكة والمدينة لكانت السعودية دولة عادية لديها النفط والمال لكن ليست بالمكانة والقوة التي هي عليها الآن، بالضبط كما هو الحال كالكويت والإمارات والبحرين وسائر دول الخليج الغنية.

ولهذا السبب تحديدا تثور ثائرة الرياض كلما فتح هذا النقاش. وكما أنها لا تريد مناقشة هذا الأمر، فإنها – في الوقت ذاته – فاشلة في تحسين وضع الأراضي المقدسة التي يسود بها البؤس.

لماذا علينا مناقشة وضعية مكة والمدينة؟

والآن يجب مناقشة وضعية مكة والمدينة من جديد. فمشكلتنا ليست فقط القمع المذهبي أو سوء الإدارة أو بؤس الأراضي المقدسة. بل إن السعودية صارت دولت تتهم بقتل أحد مواطنيها داخل قنصليتها والتخلص منه عن طريق تمزيق جثته إربا. أي أنها لم تعد دولة "آمنة".

وكلما ذهب أحد الأجانب إلى القنصلية السعودية في إسطنبول من الآن فصاعدا فسيتذكر أن رجلا قد ذبح في هذا المبنى. كما ستكون حياة الصحفيين الذي ينتقدون النظام السعودي، أمثالي، في خطر إذا ما سافروا لأداء الحج أو العمرة.

من يضمن أن السعودية لن "تذبح" الصحفيين والكتاب والعلماء الأجانب، مثلما فعلت مع مواطنها الصحفي جمال خاشقجي، بحجة أنهم معارضون؟ لا يضمن ذلك أحد. هذا فضلا عن أن خاشقجي نفسه كان قد أدلى بتصريح قبل اختفائه بثلاثة أيام قال فيه إن الناس في السعودية يتعرضون للاعتقال والاختفاء بشكل قسري.

وطالما ظل ولي العهد بن سلمان في سدة الحكم فلن تكون أي قنصلية أو سفارة أو أراض سعودية في أمان. كما أن أرواح الحجاج والمعتمرين المسافرين إلى هناك ستكون في خطر. فهناك فرق إعدام مستعدة لاختطاف أي شخص يذهب إلى السفارة أو الأراضي المقدسة لتتخلص منه مثلما فعلت مع خاشقجي.

حسنا، أتوجه بسؤال إلى علمائنا ومشايخنا: هل لا يزال فرضية أن يذهب المسلم للحج في السعودية التي خرجت عن كونها دولة وبلدة آمنة؟ أليس من الواجب أن تدار الأراضي المقدسة على يد أناس ودولة أمينة؟

الدولة الأسيرة لدى أمريكا ليست حرة

يجب أن تتغير وضعية مكة والمدينة كذلك بسبب العلاقات السعودية – الأمريكية بعدما صرح ترامب أمام العالم أجمع قائلا "لن تستطيع البقاء في الحكم لأسبوعين لولانا، ادفع المال أيها الملك"، فهو لم يحتقر ملك السعودية فحسب، بل برهن بالدليل على أن بلاده تفرض الجزية على السعودية وتأسرها وتخضعها لسيطرتها.

أي أنه إذا كانت إدارة البلد الذي يوجد به الأراضي المقدسة قد وقعت أسيرة بالقوة بين يدي "العم سام"، فهل يمكن أن نتخيل أن يكون هناك أي حرية أو أمن على الأموال والأرواح؟ إن نظام آل سعود أسير لدرجة ستجعله عاجزا عن الاعتراض لو طلبت أمريكا غدا إغلاق مكة والمدينة لأسباب أمنية.

ولهذه الأسباب كلها، يجب أن تتحول هاتان المدينتان المقدستان إلى كيان مستقل تديره الدول الإسلامية كافة بشكل مشترك، ويجب أن يكون النظام السعودي صاحب كلمة بقدر سائر الدول الأخرى.

إن مكة والمدينة ملك لجميع المسلمين، وليس لأسرة آل سعود. ولهذا يجب على الدول الإسلامية التحرك على الفور لتتحول هاتان المدينتان المقدستان إلى كيان مستقل بعدما شاع بهما البؤس والفقر.

#مكة