تعتبر عملية عفرين هي أكبر حملة جيوسياسية تشنها تركيا عقب عملية درع الفرات. وفي هذه المرحلة التي تشهد إعادة رسم خرائط المنطقة وتحليق أحلام النظام الإمبريالي الجديد في الأجواء واستعداد من تظاهروا حتى اليوم بمظهر الحليف لتنفيذ مخطط "تقزيم" تركيا؛ فإن تدخل تركيا لإفشال كل هذه الخرائط، وتحريكها للعوامل الديناميكية الإقليمية، وإعلانها بأنها هي من ستتولى تأمين أراضيها؛ يعد تسجيلا بأن إيمانها بـ"حلقات التحالف" قد ضعف وانتهى.
لو أقدموا على تصغير خريطة سوريا والعراق، فهذا يعني أنهم عازمون على تصغير خريطة تركيا كذلك، فهذه النية قد اتضحت للعيان. ولو بادروا إلى تقسيم أراضي دولة جديدة في الشرق الأوسط، فهذا يعني أنهم سيمضون في تقسيم أراضي تركيا أيضا، فهذا هو المخطط الأكيد. فالقوة التي تحاصر اليوم جميع حدود بلادنا الجنوبية هي ذاتها القوة التي تحاول زعزعة استقرارنا من خلال الإرهاب وجعل أراضينا هدفا سهلا للتدخل الخارجي. لكن ذلك التحالف تعرض للتدخل بفضل عملية درع الفرات.
يستمر هذا التدخل بفضل عملية عفرين، وأما عملية منبج المنتظرة فستساهم في الإغلاق الكامل للجناح الغربي وباب البحر المتوسط من خريطة الحصار. بيد أن الطامة الكبرى ستقع شرقي الفرات في المنطقة الممتدة حتى حدود إيران شرقا؛ إذ سيواصل التحالف الغربي إصراره على تنفيذ هذا المخطط الذي سيضرب أربع دول دفعة واحدة، ما سيقابَل بغضب عارم من المقاومة الإقليمية. ولهذا فإن بي كا كا/بي يي دي وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية تعتبر طلائع الاحتلال الغربي والتقسيم الأمريكي – الإسرائيلي، كما أنها تعد توابع تلك القوى الأجنبية وتهديدات خارجية تحدق بالمنطقة.
إن الكفاح الذي تخوضه تركيا اليوم ليس من أجل شعبها فقط، بل من أجل جميع دول المنطقة، ليس ضد التنظيمات الإرهابية وحسب، بل هو كفاح ضد تلك "القوة" الرامية لتمزيق المنطقة. ذلك أن الخريطة التي يحاولون تنفيذها في المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط وحدود إيران ليست مقتصرة فقط على حصار تركيا، بل إنها مخطط احتلال يعتبر الجزء الأهم من مخططات استهداف أربع دول دفعة واحدة.
ولهذا فإن هذا التدخل أكبر من كونه عملية عادية في إطار مكافحة الإرهاب، فهو حملة دفاع وتضحية ستضمن مستقبل تركيا وسائر دول المنطقة. كما أنه يعتبر تدخلا ضد خرائط تقسيم المنطقة، ومحاولة لمنع من رسموا خريطة المنطقة قبل مائة عام من إعادة تمزيقنا مرة أخرى.
وعليه؛ فإن العملية لا يمكن، ولا يجب، أن تكون مقتصرة على عفرين؛ إذ يجب توسيع نطاقها من منبج وحتى حدود العراق. ولو لم تصدقوا هذا الكلام الآن، فسيحين اليوم الذي تضطرون فيه فعل هذا. ولهذا يجب تشكيل خط آمن يضمن حماية جميع حدود تركيا الجنوبية.
ينبغي تأسيس "خط دفاع"، أو دعونا نقول "درع تركيا"، للتصدي لمخطط ممر الإرهاب الذي يسعون لتنفيذه. وهو ما يعتبر خطة مستقبلية لا غنى عنها بالنسبة لتركيا؛ ذلك أن المعركة ستنتقل إلى قلب تركيا م لم يغلق هذا الممر ويشكل ذلك "الدرع"؛ إذ لن يكون عمليتا درع الفرات وعفرين كافيتين لمنع ذلك.
لقد توترت الأجواء السياسية حول العالم، وبدأت جميع الدول اتخاذ مواضعها وفق حساباتها الأمنية، فنحن نعيش مرحلة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ زادت حدة تصفية الحسابات بين القوى المركزية في كل بقعة من بقاع العالم من البلطيق غربا إلى سواحل آسيا والمحيط الهادي شرقا، وصار من المستحيل التنبؤ بمكان وكيفية انفجار هذا الضغط، لكنه سينفجر لا محالة.
ولهذا لا يمكن، ولن يكون ممكنا، أن تمنح أي علاقة تحالف، في هذه المرحلة بالتحديد، الأمان لأي دولة كانت. وينطبق هذا الأمر على علاقة تركيا سواء بحلف الناتو أو أي علاقة تحالف أخرى، وهو ما اتضح بالكامل في مخطط ممر الإرهاب الأخير. وعليه؛ فقد ظهرت أوضاع جديدة وصارت هناك حاجة ماسة لمواقف جديدة، وهو ما تفعله تركيا حاليا من خلال عملية عفرين.
إن المنطقة الواقعة شمالي خط حلب – الموصل بالنسبة لتركيا تعتبر منطقة ذات محور أمني، ولهذا لا يمكن السماح بوجود أي تنظيم أو دولة بها. فقد انهارت جميع أطروحات واشنطن بشأن الشرق الأوسط، وثبت أنها كانت أكاذيب، بل برهَن بالدليل أنها تتبنى موقفا عدائيا إزاء تركيا، كما لم يعد هناك حاجة حتى لنقاش فكرة أن الولايات المتحدة لا تستهدف سوريا والعراق فحسب، بل تستهدف تركيا كذلك، بتعاونها مع بي كا كا/بي يي دي وداعش.
إن أي عرض "تعاون أو شراكة" تتلقاه تركيا من الولايات المتحدة اعتبارا من هذه اللحظة سيكون بهدف تقييدها وخداعها، فكل تلك الأطروحات هي بغرض تهدئة أنقرة وكسب المزيد من الوقت وفتح المجال أمام بي كا كا/بي يي دي وإنقاذهما، كما أنها تعد محاولة لتضليل العقل السياسي والتستر على حسابات سرية خاصة بعلاقتها بخليفتها السابقة. ولهذا؛ فإن التصدي لهذه العروض والأطروحات عقب ما شهدناه في 15 يوليو/تموز هو واجب وطني وإنقاذ لحاضر تركيا ومستقبلها.
ولا ريب أن أي عرض أو مقترح تتلقاه تركيا مستقبلا سيكون موجها لقصر عملية تركيا على عفرين على أقل تقدير ومنع تقدمها نحو منبج، وبالأخص الحيلولة - بأي ثمن – دون انتقالها إلى شرقي الفرات. وهكذا ستكون اللعبة الجديدة. ولهذا يجب غلق باب العروض بعد ما عشناه جميعا، ذلك أن التاريخ لم يشهد أبدا أن أقدمت دولة على عقد شراكة مع تنظيم إرهابي ضد دولة حليفة.
إن الترحيب بأي عرض أو فتح الباب له سيكون بمثابة استخفاف بالعقل السياسي لتركيا واللعب بمشاعر شعبها وحساسيته. وإذا كان هناك أي كيان أو شخص أو تيار يروّج لمثل هذه العروض في الداخل، فإنه يعتبر – في الحقيقة - جزءا من هذا المخطط الكبير، فالعمل لصالح أصحاب تلك العروض يعتبر بمثابة تحدي تركيا.
وإن مواصلة إطلاق وصف "الحليف الإقليمي" على عقلية سعت لاغتيال الرئيس التركي يوم 15 يوليو/تموز، ولديها كل هذا السجل الفاضح من الأعمال الإرهابية، يعتبر محاولة خطيرة وينم عن نية خبيثة، ولا شك أن خلف هذه المحاولة يمكن مخطط آخر.
إن تركيا تدافع عن نفسها من خلال عملية عفرين، ولا يمكنها فعل ذلك ألا بجبهة وتحالف قوميين خالصين، لا من خلال أنصار بي يي دي السريين أو البيانات ذات الطابع الليبرالي – المثقف أو النقاشات المناوئة للحرب أو صناديق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة السرية.
وستكتمل هذه العملية بفضل الجنود الذين يتناوبون على حراسة الحدود من أجل الدفاع عن وطنهم، وأبناء الوطن الذين خرجوا للمشاركة في العمليات دون أن يفكروا حتى أن يرجعوا مرة أخرى، ومن يستقبلون الرصاص في الداخل وفي سوريا، ومن تصدوا للدبابات ليلة 15 يوليو/تموز، ومن حصروا كلماتهم لدعم هذا الدفاع بدلا من كتابة العبارات المنمقة، ومن يتكلمون من أرض هذا البلد وقلب هذا الشعب، لا من يحاولون الوصول إلى السلطة بدعم غربي.
لقد شكلت تركيا خط مقاومة جديد، وما يجب عليها فعله مستقبلا هو تدعيم هذا الخط وعدم السماح لأحد باجتنابه. وإن أي عرض أمريكي سيطرح، في الوقت الذي كشف فيه النقاب عن نوايا الإرهاب وسائر القوى الأخرى وتحولت إلى تهديد كبير بمرور الوقت، سيكون بمثابة مقدمة لموجات جديد من أحداث 15 يوليو/تموز وأحزمة الإرهاب.
كلما أقدمت تركيا على اتخاذ خطوات جادة يتحرك البعض في الداخل والخارج في محاولة لإضعاف المحور الوطني وتضليل عقول للشعب التركي والوقوف في طريق تقدم تركيا. ولهذا يجب الانتباه خصوصا إلى هذا التهديد. وما يجب علينا فعله هو التدخل لمواجهة مخططات الخرائط الجديدة من خلال خطوط دفاعنا ضد التهديدات الخارجية وتدعيم موقفنا الحالي عن طريق المتابعة الجيدة لتصفية الحسابات التي تحدث بين القوى العالمية.
وعندما نفعل ذلك سنرى أن الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، بي كا كا أو أي تنظيم إرهابي آخر، لن يستطيعوا المقاومة في ذلك الحزام، ما سيجبرهم على التراجع لتتبخر جميع آمالهم وطموحاتهم. فهذه القوة ستدمر لعبتهم، لأن هذه التهديدات الابتزازات التي أخذوا ينشرونها بدون حياء أو أخلاق ستصطدم بخط الدفاع في الأناضول لتفقد تأثيرها بالكلية.
وبالمناسبة، أطلب منكم أن تدونوا جانبا أن معارضة إيران للعملية يعتبر "انتهازية"، وأما معارضة السعودية والإمارات فتأتي بتحريض من الولايات المتحدة وإسرائيل. وانتظروا حدثا كبيرا داخل إيران خلال العام الجاري، واستعدوا كذلك لنشوب أزمات خطيرة بين طهران والرياض، وحينها سيدركون خطورة الأمر، لكنه الأوان سيكون قد فات.
لقد أطلقت تركيا بفضل مواقفها هذه شرارة بدء تصفية حسابات تاريخية كبرى، واستعادت شخصيتها الأصلية بعد مائة عام من التيه. لقد أصبحت طموحاتها وقوتها عظيمة وكبيرة، وكذلك هي أهدافها وحساباتها. ذلك أن هذه الطموحات والحسابات هي الجينات التي جعلت منها دولة سلجوقية ودولة عثمانية يوما ما. إننا نقف اليوم في المكان الصحيح من التاريخ، كما أننا نمتلك أكبر مساحة تحرك وفرها لنا الوضع العالمي.
وإذا كان الأمر كذلك، فسنواصل السير في طريقنا، وسنعزز مسيرتنا الكبرى، وسنمزق جميع مسودات الخرائط، وسنعرف كيف نفشل حساباتهم بعد مائة عام، وسننتزع من بين أيديهم القدرة على تلقين التعليمات لبلدنا، وسنؤسس "محور تركيا" وندعمه أكثر رغم أنف من يحاولون تقزيم هذا البلد.
إنه صراع شرس، فلا تستخفوا بحجم عفرين، فالعملية هناك تهدف لإنهاء حسابات دولية. إننا نطلق شرارة بدء تقليد صحوة جديد لجميع دول المنطقة من خلال هذه العمليات. وبفضل هذا، ندمر مساحات تنفيذ العمليات في الداخل والخارج.
إننا اليوم أيضا نقف في المكان ذاته الذي وقفنا فيه في تشاناق قلعة، هو عينه لم يتغير!
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة