مع دخولنا عام 2025..

07:4731/12/2024, الثلاثاء
تحديث: 31/12/2024, الثلاثاء
عبدالله مراد أوغلو

القرن العشرون لم ينتهِ بعد، بل لا يزال حاضرًا بكل ثقله في القرن الحادي والعشرين. وبينما نقترب من عام 2025، ما زلنا نواجه تبعات الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرون. حرب أوكرانيا وروسيا، الإبادة الجماعية في فلسطين، الأزمة السياسية في لبنان، وقضية تايوان في آسيا والمحيط الهادئ... قائمة طويلة من الأزمات التي تعود جذورها إلى القرن العشرين. الحربان العالميتان كانتا نتيجة مباشرة لأزمات الحضارة الرأسمالية الغربية. اختيار المؤرخ ديفيد فرومكين عنوان كتابه "السلام الذي أنهى كل سلام" للحديث عن تفكك

القرن العشرون لم ينتهِ بعد، بل لا يزال حاضرًا بكل ثقله في القرن الحادي والعشرين. وبينما نقترب من عام 2025، ما زلنا نواجه تبعات الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرون.

حرب أوكرانيا وروسيا، الإبادة الجماعية في فلسطين، الأزمة السياسية في لبنان، وقضية تايوان في آسيا والمحيط الهادئ... قائمة طويلة من الأزمات التي تعود جذورها إلى القرن العشرين.

الحربان العالميتان كانتا نتيجة مباشرة لأزمات الحضارة الرأسمالية الغربية. اختيار المؤرخ ديفيد فرومكين عنوان كتابه "السلام الذي أنهى كل سلام" للحديث عن تفكك الإمبراطورية العثمانية وبناء الشرق الأوسط الحديث كان دقيقًا للغاية. أما المؤرخ يوجين روغان، مؤلف كتاب "سقوط العثمانيين: الحرب الكبرى في الشرق الأوسط 1914-1920"، فقد قال في مقابلة له: "إن ما حول الصراع الأوروبي إلى حرب عالمية هو بالفعل الشرق الأوسط."


لا يمكن وصف الوضع التاريخي العالمي اليوم دون استيعاب النتائج الكارثية للحربين العالميتين. وإذا عجزنا عن فهم هذا الوضع، فلن نتمكن من تحديد مسارنا المستقبلي. ومع ذلك، يدور جدل منذ فترة حول احتمال أن تؤدي الأزمة الممتدة للقرن العشرين إلى حرب عالمية جديدة.


الولايات المتحدة، في سعيها للحفاظ على هيمنتها داخل النظام العالمي، تشعل سباق تسلح جديدًا يستند إلى "الفضاء" و"الذكاء الاصطناعي".

هذا السباق ومحاولات توسيع الجبهات ليست بجديدة؛ فقد شهدناها قبل الحربين العالميتين. ولكن السؤال: هل يمكن تكرار الأفعال ذاتها وتوقع نتائج مختلفة؟


المؤرخة الأمريكية باربرا توكمان، التي درست أخطاء القادة على مر العصور، وصفت هذا النهج في كتابها الشهير "مسيرة الحماقة".


النظام الدولي الليبرالي، الذي تتزعمه الولايات المتحدة، يظهر تصدعه الواضح. هذا النظام، الذي فشل في كبح جماح إسرائيل ومنع الإبادة الجماعية في فلسطين، كشف عن وجهه الحقيقي. في الوقت نفسه، تزداد المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة على مستوى العالم، مما يجعل البشرية تواجه تحديات غير مسبوقة.


انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، المعروف بـ"بريكست"، شكل نقطة تحول، حيث أدى إلى عكس مسار التكامل الأوروبي. ومع هذا، تتصاعد مظاهر الأزمة الغربية، فتتفتت المراكز التقليدية، وتعلو أصوات الشعبوية العدائية، بينما تتحول "الجنات الموعودة" إلى كوابيس حقيقية.

تبدو ألمانيا وفرنسا، القوتان الرئيسيتان في الاتحاد الأوروبي، عاجزتين عن تقديم قيادة فعّالة وسط الأزمات الراهنة.

الحرب الروسية-الأوكرانية تواصل استنزاف أوروبا، وتعميق الانقسامات داخلها. في ألمانيا، انهارت الحكومة الائتلافية، وتم تحديد فبراير موعدًا لانتخابات جديدة. أما في فرنسا، فقد اضطر الرئيس ماكرون لتشكيل حكومة أقلية للمرة الثانية.


في الوقت ذاته، تعاني رومانيا وجورجيا من أزمات سياسية، فيما يشهد العالم تغيرات ديموغرافية ملحوظة. كل من أوروبا، والصين، وروسيا، واليابان تشهد ارتفاعًا في نسبة الشيخوخة. أما قضايا "الهجرة" و"اللاجئين"، فقد أصبحت من أبرز العوامل التي تسبب انقسامات اجتماعية عميقة في العديد من الدول.


أصبحت أوروبا تفكر بقلق في كيفية التعامل مع دونالد ترامب، الذي من المتوقع أن يتولى الرئاسة في يناير 2025.

منذ تأسيس حلف "الناتو"، اعتمدت أوروبا بشكل شبه كامل على الولايات المتحدة لضمان أمنها العسكري، لكنها لا تزال عاجزة عن صياغة هيكل أمني خاص بها.

في الوقت نفسه، يشهد "الجنوب العالمي" صعودًا اقتصاديًا متسارعًا، مما أدى إلى تقلص حصة الدول الغربية في الأسواق العالمية. وأصبح الخوف من فقدان هذه الأسواق كابوسًا يؤرق الغرب.

يشهد العالم مرحلة اضطرابات عميقة، تترافق مع تحولات كبرى في مجال الأمن الدولي. تسعى الولايات المتحدة إلى تحويل الاتفاقيات الثنائية والثلاثية والرباعية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى تحالفات عسكرية موجهة ضد الصين. ورغم استمرارها في التصرف وفق معايير "الحرب الباردة"، تتجاهل واشنطن الحقائق الجديدة، متوهمةً أنها قادرة على إعادة تشكيل العالم على صورتها باستخدام القوة العسكرية. غير أنها تمارس أمراً مستحيلاً بالقوة: "الجلوس على الحربة".

وصف ديفيد فرومكين نتائج الحرب العالمية الأولى في قلب العالم الإسلامي بأنها "السلام الذي أنهى كل أشكال السلام". وسيعود السلام من حيث انتهك. يشمل العالم الإسلامي رقعة واسعة تمتد من الغرب إلى الشرق، من البوسنة إلى الصين، ومن ألبانيا إلى إندونيسيا، ومن قازان شمالاً إلى أعماق أفريقيا جنوباً. إن تأسيس نظام جديد في هذه الجغرافيا سيشكّل مفتاحاً لتحقيق السلام العالمي. ولكن، إذا لم يتعامل سكان هذه المنطقة مع مصيرهم بحكمة وروية، فإن المستقبل قد يكون أكثر قتامة.


علينا أن ننظر إلى الوضع التاريخي العالمي ليس كسلسلة من الأحداث المتتابعة، بل كقضية وجودية ترتبط ببقائنا. بعد عام 1918، سعت القوى الإمبريالية الغربية إلى تفكيك العالم الإسلامي الممتد بين آسيا وأوروبا وعرقلة وحدته، بهدف تحقيق أقصى درجات هيمنتها العالمية. واليوم، نحن نواجه النتائج المترتبة على تلك السياسات. نحن جزء لا يتجزأ من هذه الجغرافيا، ولا يمكننا البقاء بمعزل عنها. فإذا غفلنا عن الاهتمام بها فإنها ستُجبرنا على الاهتمام بها.



#الغرب
#الحرب العالمية الأولى
#الحرب العالمية الثانية
#فرنسا
#ترامب