- مشاعر الفخر والتباهي في إسرائيل بالهجوم على اليمن مساء الخميس تبدلت سريعا إلى القلق والاستياء مع إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا على مطار بن غوريون - الصاروخ الحوثي أجبر ملايين الإسرائيليين على الهروب للملاجئ ليلا رغم حديث تل أبيب عن اعتراضه خارج الأجواء - ليبرمان: الحوثيون يحولون بلدا بأكمله في منتصف الليل إلى الملاجئ - المحلل العسكري هارئيل: الاستيقاظات المتكررة ليلا بسبب صواريخ الحوثيين جعلت تباهي الحكومة بالنصر الشامل الوشيك عليهم أمرا سخيفا - المحلل العسكري اشكنازي: بسبب وجود فجوة استخباراتية فإن إسرائيل غير قادرة على استهداف مخزون أسلحة الحوثيين وقيادتهم
لم تكد إسرائيل تتباهى بتنفيذ هجوم جوي كبير على اليمن حتى وجدت الملايين من مواطنيها يهرولون مجددا إلى الملاجئ في وسط البلاد.
فحقيقة إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا جديدا على تل أبيب فجر الجمعة، بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي الرابع والأعنف على اليمن، تعكس بجلاء المعضلة التي تواجهها تل أبيب في التعامل مع الحوثيين لاعتبارات عدة.
فمن ناحية، يُعتبر اليمن جغرافيا بعيدا جدا عن إسرائيل خلافا لقطاع غزة ولبنان.
ومن ناحية ثانية، تفتقر إسرائيل إلى معلومات استخبارية دقيقة عن مواقع تخزين الأسلحة وقادة الحوثيين.
ومن ناحية ثالثة، أظهر الحوثيون عدم تأثرهم بالتهديدات والهجمات الإسرائيلية المتكررة على اليمن.
** تقلبات الفخر والقلق
وفي حين تداول الإسرائيليون بفخر وتباهي مقاطع فيديو للهجمات الجوية الواسعة التي شنها جيشهم على اليمن مساء الخميس، تغيرت الأحاديث سريعا مع ساعات الفجر، مع تعبيرهم عن القلق والاستياء من دوي صفارات الإنذار التي أجبرت الملايين مجددا على الهروب إلى الملاجئ.
وجاء هذا التبدل الحاد في الأحوال بعد إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا فرط صوتي قالوا إنه استهدف مطار بن غوريون وسط إسرائيل وأصاب هدفه، في حين ادعت تل أبيب أنه تم اعتراض الصاروخ قبل دخوله أجواء البلاد.
وبتعبيرات مستنكرة، قال وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض أفيغدور ليبرمان، عبر منصة "إكس": "الحوثيون، الذين يرتدون الصنادل، يدفعون بلدا بأكمله إلى الملاجئ في منتصف الليل".
وأضاف: "لو أن بيبي (بنيامين نتنياهو) قضى على القوة الصاروخية (للحوثيين) منذ البداية، لما كنا نواجه هذا التهديد اليوم".
** لا حل قريب
هذا التناقض بين تصريحات القادة الإسرائيليين، الذين تفاخروا بضرب الحوثيين بقوة، وبين واقع صفارات الإنذار التي أزعجت ملايين الإسرائيليين، يسلط الضوء على تحديات إسرائيل المستمرة في مواجهة تهديدات عابرة للحدود.
حيث قال المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية الخاصة الجمعة، إن "الاستيقاظات المتكررة في منتصف الليل، التي عانى منها سكان وسط البلاد هذا الأسبوع بسبب الصواريخ القادمة من اليمن، جعلت تباهي الحكومة بالنصر الشامل الوشيك (على الحوثيين) يبدو سخيفا إلى حد كبير".
وأضاف هارئيل: "رغم أن معظم الصواريخ التي أطلقها الحوثيون (على إسرائيل مؤخرا) جرى اعتراضها بواسطة نظام الدفاع الصاروخي آرو (السهم)، إلا أن هذه الهجمات قدمت تذكيرا بأن الأزمة لا تزال بعيدة عن نهايتها".
ولفت إلى أن "إسرائيل تجد نفسها الآن في مواجهة حرب جديدة، تُدار من اليمن، ولكنها مدعومة بشكل غير مباشر من إيران"، على حد قوله.
واعتبر هارئيل، أن "الحوثيين يظلون يشكلون التهديد الرئيسي لمناطق وسط إسرائيل، إذ يكفي أن يطلقوا صاروخا كل يومين في المتوسط ليظلوا حاضرين في أذهان مواطنينا كطرف رئيسي يتحمل العبء الأكبر في الصراع، ورمزا للتضامن مع بقايا الجناح العسكري لحركة حماس في غزة".
وأضاف: "في المقابل يتطلب الرد الإسرائيلي (على الهجمات الحوثية) جهدا هائلا واستثمار موارد كبيرة، بما يشمل شن هجمات جوية بواسطة طائرات حربية تقطع مسافة 1800 كيلومتر".
وعن الهجوم الإسرائيلي الأخير على اليمن، قال هارئيل: "شنت القوات الجوية الإسرائيلية، الخميس، هجومها الرابع على اليمن منذ بداية الحرب، والثاني خلال أسبوع واحد، حيث استهدفت مواقع للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك مطار صنعاء الدولي، ما دفع قيادة الحوثيين إلى التهديد بالرد".
وأضاف المحلل مستدركا: "تعرف إسرائيل أن ما تم القيام به لن يكون كافيا لوضع لوقف الهجمات الحوثية".
ولفت إلى أن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تأمل أن يؤدي تعزيز التنسيق الأمني مع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تكثيف الضغوط على الحوثيين، لكن من المشكوك فيه أن ينجح هذا المسار أيضا".
** تحديات أمام إسرائيل
من جانبه، أعرب المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" العبرية الخاصة أفي اشكنازي، عن إعجابه بالضربات الجوية التي تنفذها إسرائيل في اليمن، لكنه اعتبر كذلك أنها لن تحقق أهدافها في وقف الهجمات الحوثية لأسباب متعددة.
وقال اشكنازي، في مقال نشره الجمعة: "تنفيذ هجوم على مسافة 2000 كيلومتر من إسرائيل هو عملية معقدة، ومن ناحية أخرى، تعزز هذه الهجمات القدرات العملياتية لسلاح الجو وتضيف إلى احترافه".
لكنه أضاف مستدركا: "من المهم الإشارة بوضوح إلى أن نطاق الأهداف محدود؛ فهي تتركز على الأهداف الحكومية والبنية التحتية للطاقة".
وتابع اشكنازي: "تحاول إسرائيل الضغط على الحوثيين من خلال فرض عزلة عليهم عن العالم الخارجي"، معتبرا أن هجماتها، التي أضرت بموانئ الحديدة ومطار صنعاء، "أسهمت في خلق نوع من الحصار على الحوثيين".
إلا أنه أقر بأن "إسرائيل، بسبب الفجوة الاستخباراتية، غير قادرة على استهداف مخازن أسلحة الحوثيين بشكل مباشر".
ولفت إلى أن تساؤلات أُثيرت في إسرائيل في الأيام الأخيرة حول الطريقة المثلى للتعامل مع التهديد اليمني.
وفي هذا الصدد تساءل اشكنازي، بشأن مدى قدرة إسرائيل على إضعاف قدرات الحوثيين كما فعلت مع "حزب الله" في لبنان خلال الحرب الأخيرة؟
قبل أن يجيب بالنفي، نظرا لوجود فارق كبير بين الحالتين.
وأوضح اشكنازي، أن إسرائيل استغرقت عقودا في تطوير بنية تحتية استخباراتية في لبنان، وهو ما لا يتوفر لها في اليمن.
وأضاف أنه بفضل هذه البنية التحتية الاستخباراتية، كانت إسرائيل تعرف مواقع تخزين صواريخ "حزب الله"، وأماكن نشرها، وهوية قيادات وكوادر التنظيم، وروتينها اليومي، وأكثر من ذلك.
وجراء ذلك، تمكنت إسرائيل في لبنان من استهداف الصواريخ قبل إطلاقها من المستودعات، إضافة إلى ضرب قيادات عسكرية ميدانية وكبار القادة.
بينما الوضع مختلف تماما في اليمن، وفق المحلل الإسرائيلي، فالتشكيل العسكري للحوثيين أكثر غموضا، ولا تتمكن إسرائيل من التحرك ضدهم إلا أثناء وجود الصواريخ أو الطائرات المسيرة بالجو في طريقها إلى البلاد.
وأضاف: "إسرائيل تعتمد حاليا على بناء الردع ضد الحوثيين وإيران على حد سواء. لكن إلى أن يكون لهذا الردع تأثير فعلي، ستظل إسرائيل بحاجة إلى حالة تأهب قصوى، مع الاعتماد على منظومات الدفاع الصاروخي مثل سهم ومقلاع داود والقبة الحديدية على أمل أن تفي بالغرض".