- فُقد أثره في العام 1982 بينما كان ينتقل من لبنان إلى سوريا - علمت العائلة بتحريره من السجن سيء السمعة من السفارة الفلسطينية في دمشق
في قرية اللبن الشرقية شمالي الضفة الغربية، تعيش عائلة دراغمة الفلسطينية أجواء احتفالية بعدما علمت أن نجلها صبري دراغمة الذي فقدت آثاره منذ العام 1982 على قيد الحياة بعد أن جرى تحريره من سجن صيدنايا سيء السمعة في دمشق، في أعقاب انهيار نظام حزب البعث السوري، فجر الأحد.
وتمكنت قوات المعارضة السورية، الأحد، من تحرير معتقلين من سجن صيدنايا المعروف باسم "المسلخ البشري" لكونه مركزا للتعذيب، لكن عائلات معتقلين أطلقوا مناشدات لتحرير ذويهم الذين قالوا إنهم ما زالوا محتجزين في طوابق سفلية داخل السجن.
وتشير تقارير دولية إلى أن آلاف المعتقلين تم قتلهم بشكل منظّم وسرّي داخل السجن، حيث نفذ النظام المنهار إعدامات جماعية دون محاكمات بين عامي 2011 و2015، بمعدل يصل إلى 50 شخصا في الأسبوع.
وفي حديث للأناضول، تقول العائلة التي اجتمعت في منزل أحد أفرادها، إنها "تعيش مشاعر لا توصف بين الفرح ولوعة الفراق وأمل اللقاء القريب بنجلها الذي طالما علمت أنه قد فارق الحياة".
وتضيف أن "جهات رسمية فلسطينية أخبرتها بالإفراج عن نجلها بعد تلقّيها معلومات من قبل السفارة الفلسطينية في دمشق تفيد بذلك".
ومع وصول الخبر، نشر مجلس قروي اللبن الشرقية على صفحته الرسمية تهنئة للعائلة بمناسبة الإفراج عن نجلها من السجون السورية.
ومنذ مداهمة السجون السورية، يتداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي قوائم تضم أسماء عشرات المعتقلين الفلسطينيين لكن السلطات الفلسطينية لم تؤكد صحتها.
فيما دعت السفارة الفلسطينية في دمشق المعتقلين المحررين من غير المقيمين في سوريا أو ذويهم أو من لديه أية معلومات عنهم، إلى التواصل معها أو مراجعتها لتزويدها بأسماء أو معلومات وذلك من أجل المساعدة وتقديم الخدمات اللازمة بالتنسيق مع وزارة الخارجية الفلسطينية.
واعتُقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين في السجون السورية على مدار السنوات السابقة، بعضهم ممن التحق بفصائل المقاومة ومنهم من وصل سوريا للسياحة أو التجارة وغيرها.
ووثّقت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، اعتقال 3085 فلسطينيا في سجون النظام السوري منذ عام 2011، بينهم 127 امرأة و45 طفلًا، علما أن الغالبية جرى اعتقالهم بين 2011 و2014، فيما يعود اعتقال آخرين إلى سنوات سابقة.
** أصل الحكاية
يقص عصام دراغمة، 69 عاما، للأناضول، حكاية شقيقه الأكبر صبري الذي التحق بقوافل "منظمة التحرير الفلسطينية" في الضفة الغربية، ثم انتقل إلى لبنان ومنه إلى سوريا.
يقول: "قبل العام 1982 التقيناه في لبنان ومن ثم شارك في الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في لبنان، ثم انتقل إلى بيروت في العام ذاته، وهناك اختفت آثاره".
وتابع "سافر والدي عدة مرات إلى سوريا وتواصل مع عدة جهات رسمية ومحلية لمعرفة أي خبر عنه، بعض المعلومات أشارت أنه معتقل في السجون السورية، وأخرى تقول إنه فقدت آثاره، واعتقدنا بعد هذا العمر أنه شهيد أو فارق الحياة في مكان ما".
وعن تهمة صبري يقول: "بحسب ما علمنا من والدي المتوفى، أن بعض المعلومات تقول إنه اعتقل بينما كان يخطط لتنفيذ عملية ضد إسرائيل انطلاقا من سوريا".
يبكي العجوز دراغمة ويتابع: "لم نفقد الأمل ومع بدء عملية ردع العدوان بدأت عمليات الإفراج عن الأسرى من السجون السورية، كنا نتابعها بشكل حثيث وتجدد الأمل فينا".
ولفت إلى أن جهات رسمية في السلطة الفلسطينية تواصلت مع رئيس المجلس المحلي في البلدة وأخبرته أن صبري حي يرزق وأفرج عنه من سجن صيدنايا السوري".
يكاد دراغمة لا يتمالك نفسه، يبكي ويقول: "نأمل أن يأتي في أقرب وقت أو يصل إلى أي مكان يمكننا أن نراه ونلتقي به".
يستذكر طفولته ويقول عن شقيقه الأكبر: "تركنا شابّا، أتخيله اليوم عجوزا كبيرا في السن، ما الذي يمكن أن يكون عليه بعد هذا العمر في السجون".
يمسك بصورة قديمة لصبري ويؤكد: "كان من خيرة شباب البلدة".
**سنوات فقد وأمل
إلى جانب عصام، تجلس شقيقته عالية دراغمة، تبكي وتحتضن صور شقيقها، وتقول "كنت طفلة في الصف الثالث الابتدائي عندما غادر البلاد، كان حنونا عليّ يشتري لي كل ما أحتاجه، ذهب واختفت آثاره، لكن لم ينقطع الأمل فينا".
تُواصل عالية البكاء وتضيف: "قبل وفاة والدتي قالت لي: عندما يعود صبري أخبريه أنني انتظرته هنا".
وتتابع "منذ بدء عملية ردع العدوان وأنا أتابع الأخبار، شاهدت صورا لا توصف للظلم الذي ارتكبه النظام (السوري) المخلوع".
وقالت: "قبل يوم من وصول خبر الإفراج عنه شاهدت صبري يدخل المنزل علي في البداية استغربت وقال لي أنا صبري، طلبت منه أن يكشف عن ذراعه حيث يوجد وشم لشعار منظمة التحرير فشاهدته وضممته، لك أكن نائمة ولكني عشت هذه اللحظات بكل صدق، وفي اليوم التالي وصل خبر تحريره".
وعبّرت عالية عن شوقها لشقيقها الأكبر بالقول: "أريد أن أعيش معه، لو يطلب عينيّ وعمري أقدمها له".
وتشد دراغمة على يد الثوار السوريين وتقول: "أذاق نظام الأسد الشعب السوري الويل، عاشوا ما يعيشه شعبنا في قطاع غزة من قتل وتدمير وتهجير وتعذيب".
** عمر من الاعتقال والتعذيب
الشقيق الأصغر جمال دراغمة، يقول إنه بدأ منذ اللحظات الأولى الاتصال بالجهات الرسمية الفلسطينية التي أخبرتهم بأن صبري على قيد الحياة، لمعرفة مكانه تمهيدا لنقله إلى الأردن ومن ثم إن أمكن إلى الضفة الغربية.
وأضاف للأناضول: "كنت صغيرا عندما فقدت آثار شقيقي، ومن المؤكد أنني لن أتعرف عليه اليوم بعد هذا العمر من الاعتقال والتعذيب".
يتخيل جمال شكل شقيقه، ولكن يقول: "الأهم اليوم أن نصل له ونتحدث معه، نتابع ونأمل أن يكون بيننا قريبا".
وفجر الأحد، دخلت فصائل المعارضة السورية العاصمة دمشق وسيطرت عليها مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكام نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من الحكم الدموي لعائلة الأسد.
وبدأت معارك بين قوات النظام السوري وفصائل معارضة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في محافظتي حلب وإدلب اللتين سيطرت عليهما الفصائل، ثم مدن حماة ودرعا والسويداء وحمص وأخيرا دمشق.
وحكم بشار سوريا لمدة 24 عاما منذ يوليو/ تموز 2000 خلفا لوالده حافظ الأسد (1970-2000)، وهرب من البلاد هو وعائلته خفية إلى روسيا التي أعلنت منحهم حق اللجوء لما اعتبرتها "أسبابا إنسانية".