حذرت عالمة مناخ من أن انحسار الأنهار الجليدية سريعة الذوبان "يهدد الاستقرار السياسي"، على خلفية الدور الرئيسي الذي تلعبه الموارد المائية في النظام البيئي.
وقالت خبيرة المناخ جوليان ستروف، الأستاذة في "كلية لندن الجامعية" (حكومية)، للأناضول: "موارد المياه تؤثر على إمدادات مياه الشرب، والزراعة، والسياحة، والنظم الإيكولوجية، ويمكنك أن تتخيل عدم الاستقرار السياسي مع فقدان الأنهار الجليدية في المناطق الرئيسية بالعالم".
وأضافت ستروف، الخبيرة في التفاعلات الطبيعية بين الغلاف الجوي والبحار والمناطق الجليدية، والجليد البحري في القطب الشمالي، أن الأنهار الجليدية "تعمل على تخزين وتوفير المياه للمجتمعات حول العالم".
وتابعت: "توقيت ذوبان الأنهار، ومستويات الأنهار تؤثر بشدة على الزراعة وإمدادات المياه الصالحة للشرب، والعديد من النظم الإيكولوجية (العناصر الفيزيائية والبيولوجية المجتمعة في البيئة) تعتمد على موسمية توافر المياه".
وأشارت أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية، وكذلك بالقرب من الأنهار الجليدية في الجبال العالية "سوف يتحملون وطأة التغيرات البيئية".
ولفتت أن 65 مليون شخص يعيشون في الجبال العالية، ويتأثرون مباشرة بفقدان الكتلة الجليدية، فيما يعيش نحو 680 مليونا حول المناطق الساحلية المنخفضة، وفقا لما جاء في تقرير "المحيط والغلاف الجليدي في مناخ متغير"، الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة.
ومضت ستروف قائلة: "ذوبان الجليد الذي يسهم بدرجة كبيرة في ارتفاع مستوى مياه البحر، هو نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري المرتبطة بالغازات الدفيئة (غازات لها قدرة على امتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض مثل الأشعة تحت الحمراء)".
وأردفت: "جميع نماذج المناخ تُظهر أن الأنهار الجليدية ستستمر في الانحسار، لأن ارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي الذوبان، تطغى على أي ترسيبات إضافية تستقبلها الأنهار الجليدية".
واستدركت: "اتسم صيف 2012 بتكوين أقل كمية من جليد البحر في المحيط المتجمد الشمالي، وتحول بسرعة من جليد قديم كثيف إلى جديد مجزأ رقيق"، مستشهدة بقياسات جليد البحر التي أجرتها خلال رحلتها إلى القطب الشمالي في عام 2012.
** ارتفاع المد والجزر
من جهته، قال مدير معهد "أوراسيا" لعلوم الأرض في جامعة إسطنبول التقنية أتيلا جينر: "إذا ذابت القارة القطبية الجنوبية (أنتراكتيكا) بكاملها، فسيرتفع مستوى سطح البحر 67 مترا (220 قدما)، وإذا ذابت كامل أراضي غرينلاند، فسيرتفع مستوى سطح البحر 7 أمتار (23 قدما)".
وأوضح أن الأنهار الجليدية تعمل على تسجيل التطور التاريخي ـ حتى في عصور ما قبل التاريخ ـ لمناخ الأرض، من خلال التجمد فوق الطبقات التي تأثرت بالتغيرات المناخية السابقة.
وتابع جينر: "بهذه الطريقة، الأنهار الجليدية مهمة في فهم المناخ في الماضي، والتنبؤ بنوع المناخ الذي ينتظرنا في المستقبل".
وأردف: "بنغلاديش، حيث يعيش 200 مليون شخص في دلتا نهر الغانغ، وهولندا ونيو أورليانز وحتى جميع المدن القريبة من البحر، بما في ذلك إسطنبول، هي موطن لنصف سكان العالم".
وحذر من أن ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن ذوبان الأنهار الجليدية يشكل خطرا على هذه المناطق.
وأشار جينر، إلى أن ذوبان الأنهار الجليدية في أماكن مثل القارة القطبية الجنوبية، وغرينلاند، يشكل خطرا كبيرا على الجزر الصغيرة التي ترتفع بضعة أمتار فوق مستوى سطح البحر.
** ذوبان الأنهار الجليدية في تركيا
وتعليقا على تقارير صدرت في يوليو/ تموز الماضي، تفيد ببدء ذوبان الأنهار الجليدية التي يعود تاريخها إلى 20 ألف عام في جبل جيلو، وهي قمة بولاية هكاري جنوب شرقي تركيا، قال جينر إن هذا "وصف مضلل، لأن الأنهار الجليدية تذوب منذ آلاف السنين".
واعتبر أن وصف الوضع بأنه ذوبان قد بدأ "غير صحيح، لأن الأنهار الجليدية كانت تذوب منذ 20 ألف عام، حيث وصلت إلى أقصى مستوى لها".
كما أشار جينر أنه قبل 20 ألف عام كانت توجد أنهار جليدية "أكثر 3 مرات مما هي عليه اليوم".
وبيّن أن ارتفاع درجة الحرارة، وبالتالي ذوبان الجليد، تسارع مع بدء عصر "الهولوسين" قبل 11 ألف عام ـ عندما بدأت درجات الحرارة العالمية بالارتفاع ـ وكذلك بفعل أنشطة البشر خلال الـ 150 سنة الماضية.
ولفت أن الحرارة كانت أقل بمعدل 8 إلى 10 درجات قبل 20 ألف عام.
وفي السياق، أوضح جينر، أن من الأسباب الرئيسية لهذا الذوبان هو الوقود الأحفوري، لا سيما الفحم، مؤكدا أنها تشكل أخطر تهديد للأنهار الجليدية، رغم تشكيك العديد من السياسيين مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقال: "للأسف، تعد تركيا من بين أكثر الدول عرضة للذوبان والاحتباس الحراري"، في إشارة إلى النهر الجليدي بولاية أغري، شرقي البلاد، والذي فقد 29 بالمئة من حجمه بين 1976 ـ 2011.
إضافة إلى النهر الجليدي بجبل "إرجييس" بولاية "قيصري" (وسط)، الذي تقلص بمعدل أربعة أمتار (13 قدما) سنويا خلال القرن العشرين.
وشدد جينر على الحاجة إلى خفض انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم، وتكثيف البحث العلمي في هذا المجال، لافتا إلى إبداء تركيا اهتماما على هذ الصعيد بجهودها البحثية في أنتاركتيكا.
واختتم بالقول: "ينبغي ألا ننسى أنه إذا لم نتمكن من فهم الحاضر والماضي، فلن نستطيع التنبؤ بالمستقبل".