لليوم الثاني على التوالي، تواصل، الأحد، الرفض والتشكيك الدوليين في الرواية السعودية لملابسات مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
وتصاعدت حدة النبرة الرافضة لتصل إلى تهديد بقطع العلاقة الاستراتيجية مع الرياض، في حالة عدم الكشف عن الحقيقة بالكامل.
كما اتجهت بعض الأصوات إلى توجيه اتهامات مباشرة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتحميله مسؤولية قتل خاشقجي.
وأدانت بريطانيا وألمانيا وفرنسا بشدة، الأحد، مقتل خاشقجي، مطالبة السعودية بدعم روايتها حول الجريمة بـ"أدلة" حتى تكون تلك الرواية "ذات مصداقية".
جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية بريطانيا جيريمي هنت وفرنسا جون-إيف لودريان، وألمانيا هيكو ماس بشأن مقتل خاشقجي.
وأوضح البيان أن مقتل خاشقجي بـ"طريقة عنيفة داخل مقر القنصلية العامة السعودية في إسطنبول كانت أمرا يُخشى على مدى أيام طويلة، لكن مع ذلك فإن تأكيد وقوعه مثير للصدمة".
ونقلت وسائل إعلام غربية عن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل القول إنه "لا يمكن تصدير الأسلحة للسعودية في ظل الظروف الحالية".
كما قال مسؤولون سابقون وخبراء أمريكيون إن الرئيس، دونالد ترمب، "ربما خسر رهانه الخطير" على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على خلفية مقتل خاشقجي.
جاء ذلك في تقرير نشرته صحيفة "إن بي سي نيوز" الأمريكية لكل من روبرت ويندرم، ودان دي لوس.
وجاء تعليق "واشنطن بوست" على الرواية السعودية، في مقال لهيئة تحرير الصحيفة، بعنوان "التفسير السعودي لوفاة جمال خاشقجي محض خرافة لكن ترامب لا يزال يجاملها".
وقالت الصحيفة إنّ رواية الرياض تهدف إلى "التستر على السعودية وتتناقض مع الأدلة التي جمعتها السلطات التركية، والتي أفادت بها الأجهزة الاستخباراتية".
وأضافت أن جميع المصادر (الخاصة بها) تشير إلى "ضلوع محمد بن سلمان، باعتباره المحرض على جريمة قتل سابقة الإصرار تمت بوحشية ودم بارد أعقبها تقطيع جسد خاشقجي".
واتهمت "واشنطن بوست" ترامب بـ"مجاملة" السعودية، واستندت إلى الموقف المبدئي للرئيس الأمريكي من التفسير السعودي حيث قال إنّ "التفسير لديه مصداقية".
غيّر أن التشكيك الدولي في الرواية السعودية، دفع ترامب، اليوم، إلى تغيير موقفه بعض الشيء إذا أشار - لأول مرة - إلى احتمالية تورط بن سلمان في الحادثة حين قال في حوار لـ"واشنطن بوست": "أتمنى ألا يكون مسؤولًا".
وفي الحوار ذاته، أفاد ترامب بوجود "الكثير من الخداع والأكاذيب" من طرف السعوديين في قضية مقتل خاشقجي، إثر "تعدد الروايات السعودية حول الواقعة".
وكان مسؤول سعودي (لم يتم الكشف عن هويته) أعلن، في تصريحات صحفية، اليوم، أنّ "فريقا من 15 سعوديا، تم إرسالهم للقاء خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، لتخديره وخطفه قبل أن يقتلوه بالخنق في شجار عندما قاوم".
ووصف المسؤول ما حدث داخل القنصلية بأنه "مخالفة للأوامر وتجاوزا للصلاحيات الممنوحة للفريق (دون تحديد مصدر الأوامر أو طبيعة الصلاحيات)".
وعلى النهج ذاته، قال وزير البريكست البريطانى، دومينيك راب، اليوم، إنّ التفسير السعودي بشأن مقتل خاشقجي داخل قنصلية الرياض بإسطنبول "غير موثوق به".
وأضاف، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "لا أعتقد أنه موثوق به، وهناك علامة استفهام جادة حول من تم تحميلهم المسؤولية".
كما طالب وزير المالية الفرنسي، برونو لو مير، خلال مقابلة تليفزيونية، السعودية بالكشف عن كافة الحقائق في مقتل خاشقجي.
وحذر الرياض من أن تتأثر علاقتها الاستراتيجية بالدول الأوروبية والولايات المتحدة في حال "عزوفها عن التحقيق الكامل في الواقعة، كون علاقات الثقة لا تُبنى سوى على الحقائق".
من جهته، قال وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشين، إنه رغم اعتبار الاعتراف السعودي بمقتل خاشقجي داخل القنصلية "خطوة أولى جيدة إلا انها ليست كافية".
وجاء موقف "منوشين" بعد تشكيك عدة سياسيين أمريكيين، في الرواية السعودية واعتبار موقف ترامب الأول من الإعلان السعودي "مخجل وخطير".
بدورها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم، الأمم المتحدة بالتحقيق في القضية على غرار ما دعت إليه، أمس، منظمة العفو الدولية لارتيابها في "حيادية التحقيق السعودي، والمسؤولين عنه".
وفي نبرة تصعيدية، لوح رئيس إقليم والونيا البلجيكي، ويللي بورسوس، بوقف بيع الأسلحة للسعودية، على خلفية القضية ذاتها.
وقال بورسوس، في تصريحات نقلها موقع إذاعة "أر تي بي إف" (رسمي): "إذا كانت الوقائع صحيحة، فإننا لا نستبعد تعليق بيع الأسلحة إلى السعودية، ونحن نؤيد بالكامل الطلب الأوروبي بإجراء تحقيق جاد وعميق".
وفي السياق، طالب السيناتور الأمريكي الديمقراطي، مارتين هاينريش، اليوم، بلاده بحظر واردات النفط من السعودية على خلفية مقتل خاشقجي.
وقال، في تصريحات لمجلة "ذا هيل": "لا يمكن للولايات المتحدة السماح بهذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.. أدعو إلى فرض حظر على واردات النفط من السعودية إلى حين خضوع أعلى مستويات الحكومة السعودية للمحاسبة على أفعالهم".
واستكمالا لمواقف الساسة الأمريكيين، أوضح رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بوب كوركر، أنّ السعوديين "فقدوا كامل مصداقيتهم" بشأن التفسيرات التي قدموها لملابسات مقتل خاشقجي.
كما أشار، في حديث لشبكة "سي إن إن"، إلى الطرح الذي يتهم محمد بن سلمان بـ"لعب دور" في مقتل خاشقجي.
وفي الراوية السعودية الأحدث حول مقتل خاشقجي ونقلتها صحف سعودية، منها "سبق"، قال المسؤول السعودي (صاحب الرواية) إنّ "مسؤول عملية التفاوض مع خاشقجي لعودته إلى السعودية (لم يذكر اسمه)، اعتمد على توجيه سابق بمفاوضة المعارضين للعودة، وأن فريق التفاوض تجاوز صلاحياته واستخدم العنف؛ ما أدى إلى وفاة خاشقجي نتيجة خطأ من الفريق".
غيّر أنّ صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلت قبل أيام، عن مصدر تركي رفيع المستوى أنّ "مسؤولين كبار في الأمن التركي خلصوا إلى أن خاشقجي تم اغتياله في القنصلية السعودية بإسطنبول بناء على أوامر من أعلى المستويات في الديوان الملكي".
وأقرّت الرياض، فجر السبت، بمقتل خاشقجي داخل مقر قنصليتها في إسطنبول، إثر "شجار" مع مسؤولين سعوديين وتوقيف 18 شخصًا كلهم سعوديون.
ولم توضح مكان جثمان خاشقجي الذي اختفى عقب دخوله قنصلية بلاده في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لإنهاء أوراق خاصة به.
وتحدثت صحف غربية وتركية عن مقتل "خاشقجي"بعد ساعتين من وصوله قنصلية بلاده في إسطنبول، وأنه تم تقطيع جسده بمنشار، على طريقة فيلم "الخيال الرخيص" الأمريكي الشهير.