العجز عن رؤية الصورة الكاملة

08:396/12/2024, الجمعة
تحديث: 6/12/2024, الجمعة
آيدن أونال

لقد أعد الثوار السوريون لعملية عسكرية واسعة النطاق منذ فترة طويلة، وحدث ما كان متوقعا، ففي غضون أسبوع واحد، سيطروا على نقاط استراتيجية مثل حلب وحماة وتل رفعت. والآن، يشغل المتابعون العاديون في بلادي أنفسهم بتحليل الأحداث على نطاق واسع، بثقةٍ توازي تلك التي يتحلَّى بها ضابط أركانٍ خاض مئة معركة، مستندًا إلى خريطةٍ مصغَّرة. فيتداولون آراء وتحليلات ونظريات معقدة، قد تجعل هنري كيسنجر يحسدهم، بل وتتجاوز الصورة الكبيرة إلى ما وراء الأفق، حيث تُخطط الحركات على رقعة الشطرنج حتى ثلاثين خطوة مسبقاً، وتُكشف

لقد أعد الثوار السوريون لعملية عسكرية واسعة النطاق منذ فترة طويلة، وحدث ما كان متوقعا، ففي غضون أسبوع واحد، سيطروا على نقاط استراتيجية مثل حلب وحماة وتل رفعت. والآن، يشغل المتابعون العاديون في بلادي أنفسهم بتحليل الأحداث على نطاق واسع، بثقةٍ توازي تلك التي يتحلَّى بها ضابط أركانٍ خاض مئة معركة، مستندًا إلى خريطةٍ مصغَّرة. فيتداولون آراء وتحليلات ونظريات معقدة، قد تجعل هنري كيسنجر يحسدهم، بل وتتجاوز الصورة الكبيرة إلى ما وراء الأفق، حيث تُخطط الحركات على رقعة الشطرنج حتى ثلاثين خطوة مسبقاً، وتُكشف الخطط والسيناريوهات والفخاخ بمنتهى البراعة والهدوء، وكأنها لعبة بوكر يلعبها عقل بارد. ومع كل كشف لدمية "ماتريوشكا" تُوزع الأوراق من جديد، وتظهر التهديدات لهم وكأنها قاب قوسين أو أدنى.


يزعم البعض أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقف وراء المجاهدين وأن مشروع الشرق الأوسط الكبير يُنفَّذ خطوة بخطوة وبإحكام. ويدَّعون أن تنظيم "بي كي كي" الإرهابي سيتبع المجاهدين إلى الأماكن التي سيطروا عليها، وأن روسيا تنتظر وقف إطلاق النار في أوكرانيا، وإيران تحيك المكائد، وحزب الله يتعرض للطعن من الظهر، وأن الهدف هو تركيا أو إيران أو فلسطين، وأن القوات المسلحة التركية تُستدرج إلى فخٍ مُحكم، وأن القوى العالمية تدير لعبة داخل لعبة، وتنصب كميناً داخل كمين.


ولمن عجزوا عن رؤية الصورة الكاملة، وضلوا عن الحقيقة بسبب ضيق الأفق، دعونا نشرح لهم النقاط بشكل واضح ومفصل:


1ـ أحيانا قد تكون الأحداث كما تبدو تمامًا، دون زيادة أو نقصان. لا وجود لتفاصيل خفية أو جوانب غير مرئية قد تغير من طبيعتها.


2ـ الله قادر على كل شيء وإرادته فوق كل شيء. وحتى إن اتخذ الإنسان قرارات بإرادته الجزئية، فإن الإرادة الإلهية هي التي تسود. والعلاقات الدولية ليست خارجة عن نطاق القدر. فكل خطة، وكل سيناريو، وكل مكيدة تُدار بتقدير الله، الذي قد يرفع الأسباب متى شاء. وبمشيئة الله، يستطيع المجاهدون السوريون أن يُحرروا دمشق في أسبوعٍ أو قد يستعيدون القدس في أسبوعين. الإيمان بالله يعني بأن المستحيل قد يصبح ممكناً.


3ـ الدول التي تبدو قوية قد لا تكون بهذه القوة. وامتلاك المال وأخطر الأسلحة قد لا يكون كافياً لتحقيق القوة بمفرده. قد لا تكون الصهيونية ذكية لدرجة أن تظهر تحت كل حجر، ولا الإنجليز بارعون لما يكفي لإثارة الفتنة بين الشعوب، وقد لا تكون أمريكا بارعة لدرجة تخطيط عشر خطوات قادمة. القوة على الأرض لا تُقاس إلا بالقدرة على القتال. حتى نمرود المتجبر أهلكته حشرة، وجالوت سقط بحجرٍ من مقلاع داود. إن الخوف هو العائق الأكبر أمام النصر؛ ومن يموت شهيدًا في معركة لا يستطيع الفوز بها، أفضل بمليون مرة من جبان يخشى الموت.


4ـ الحذر مطلوب، واتخاذ التدابير أمر ضروري؛ لا خلاف في ذلك. فتاريخنا الحديث القريب مليء بخيبات الأمل حيث تحولت الانتصارات إلى هزائم في فترة وجيزة؛ ونسلّم بذلك أيضًا. العقل مهم، وهذا أمر لا شك فيه. ولكن، "هناك نصر ينمو من رحم الهزيمة". التجربة خير معلم، والتفاؤل يفتح أبواب الخير. حتى لو كان النصر قصير الأمد، فهو كفيل ببعث الأمل. أما من يطمس النصر بتشاؤمه، ويختلق الأعذار لتبرير كسله وجبنه، فهو خاسر منذ البداية. المجاهد يتقدم على المفكر، إذا لم يقطع السيف، فلن يكتب القلم. أولئك الذين تعتبرونهم "حمقى" لو وزعوا زكاة عقولهم لازدهر العالم بأسره.


5ـ  حتى لو أتيتم بما يعجز عنه الآخرون، وحققتم المعجزات، وحاولتم جاهدين أن تكونوا مختلفين في الشكل أو نبرة الصوت، فلن تتمكنوا من التخلص من الصفات التعسفية التي ستُطلق عليكم: مسلم، إسلامي، مجاهد، إرهابي، سياسي إسلامي، همجي، متوحش، عنيد، غير منفتح، شرقي... وغيرها من النعوت التي تُفرض عليكم دون اختيار. لن تُقبلوا في أعين الآخرين إلا إذا كنتم مثل أتباع تنظيم "غولن" الإرهابي؛ عشاق الغرب، المبهورين بثقافته، والمنسلخين عن هويتهم، والفاقدين للمبادئ والضوابط والقيم. حددوا موقفكم بوضوح، واثبتوا عليه دون حياد.


6ـ لا تدعوا غضبكم، وحسدكم، وحقدكم، وطموحاتكم تُبعدكم عن الحقيقة. لا تسمحوا لها يذلك. لستم مضطرين إلى الانحياز لطرف بعينه؛ خاصة إذا كان هذا الطرف هو الظالم، أو القاتل، أو الجلاد، أو الذي لا يعرف للإنسانية معنى ويعادي الإسلام.


7ـ ما يحدث في سوريا من تطورات، كيفما نظرت إليه، يصب في صالح المسلمين. وإن لم تستطع النظر إليها بعين إسلامية، فهي كذلك خير لتركيا. وإذا لم تستطع رؤيتها من زاوية وطنية، فهي في النهاية انتصار للإنسانية. فكل نجاح ضد الأسد وروسيا وإيران وحزب الله وتنظيم "بي كي كي" الإرهابي والجماعات الطائفية الإجرامية هو بمثابة نصر للقيم الإنسانية.


8ـ هل تعتقد أنك ستهزم بعد أن قرأت الصورة الكبرى؟ لا بأس، "ستحاول مرة أخرى، وستهزم مرة أخرى، ولكن لا تخف وحاول مجددا. من يطلق نشيد الهزيمة في لحظة يعلو فيها نشيد النصر، لا يمكنه أن يحقق الفوز، ولن ينتصر أبدًا.



#حلب
#سوريا
#تركيا
#الجيش الحر