غزة، سريبرينيتسا.. النسيان يعني الموت

08:5112/07/2024, الجمعة
تحديث: 31/07/2024, الأربعاء
آيدن أونال

شاهدت مشهدًا، في أحد المسلسلات الأمريكية، لامرأة تعترف لزوجها في حفل عيد ميلاد ابنهما الثامن عشر بأنه ليس الأب الحقيقي للطفل. أنا متأكد من أن الكثيرين الذين شاهدوا هذا المشهد لم يفكروا في مدى خيانة المرأة، أو كيف جعلت الرجل يربي طفلاً ليس له لمدة 18 عامًا، بل انبهروا بمدى صدق المرأة. واعتقدوا أن الغربيين لا يستطيعون الحفاظ على كذبة لفترة طويلة، وأنهم لا يستطيعون العيش مع الكذب، ويعترفون بالحقيقة عاجلاً أم آجلاً، وأنهم صريحون جدًا وصادقون مع بعضهم البعض ويعتذرون بصراحة. الغربيون بارعون حقًا في هذا

شاهدت مشهدًا، في أحد المسلسلات الأمريكية، لامرأة تعترف لزوجها في حفل عيد ميلاد ابنهما الثامن عشر بأنه ليس الأب الحقيقي للطفل. أنا متأكد من أن الكثيرين الذين شاهدوا هذا المشهد لم يفكروا في مدى خيانة المرأة، أو كيف جعلت الرجل يربي طفلاً ليس له لمدة 18 عامًا، بل انبهروا بمدى صدق المرأة. واعتقدوا أن الغربيين لا يستطيعون الحفاظ على كذبة لفترة طويلة، وأنهم لا يستطيعون العيش مع الكذب، ويعترفون بالحقيقة عاجلاً أم آجلاً، وأنهم صريحون جدًا وصادقون مع بعضهم البعض ويعتذرون بصراحة.

الغربيون بارعون حقًا في هذا المجال. يرتكبون كل أنواع الأعمال اللاإنسانية، يشجعون من يفعلها، يشاهدون من بعيد وبسرور لكن بعد فوات الأوان، يغسلون أيديهم ويعتذرون "بصدق" ويتنحون جانبًا.

في عام 1995، لجأ عشرات الآلاف من مسلمي البوسنة (البوشناق) الذين فروا من هجمات الصرب إلى مدينة سريبرينيتسا، التي أعلنتها الأمم المتحدة "منطقة آمنة".

وفي 11 يوليو/تموز، بدأ الإرهابيون الصرب تحت قيادة ملاديتش وكاراديتش بارتكاب الإبادة الجماعية أمام أعين جنود "قوة حفظ السلام" الهولندية، بل وبدعمهم. وخلال بضعة أيام فقط، قتل ما يقدر بنحو 10-12 ألف مسلم بوشناقي، ولا يزال العدد الحقيقي غير معروف حتى اليوم.


في عام 1995، كانت سربرنيتسا، مثل مدينتي غورازده وجيبا، تعتبر جيوبًا إسلامية محاصرة بين صرب البوسنة وصربيا. كانت هذه الجيوب تُعد عقبات أمام تحقيق السلام في حرب البوسنة. لم يكن صرب الإرهابيون وحدهم من يروا بضرورة تطهير هذه المناطق من المسلمين لإمكانية إقامة مفاوضات السلام، بل كان الغربيون أيضًا يرون بذلك.

الأمم المتحدة كانت تنتظر حتى ينتهي الصرب من تنفيذ خططهم قبل أن تتدخل لإنهاء الحرب. وعندما تمت تصفية سربرنيتسا، جاء التدخل الغربي أخيرًا.


ما تلا ذلك معروف: أقيمت النصب التذكارية في سربرنيتسا، وفي عام 2007 وصفت محكمة لاهاي الأحداث بأنها "إبادة جماعية". من بين القضايا المقدمة، كانت الأحكام تشمل أربعة أحكام مؤبدة فقط. اعترفت هولندا بمسؤوليتها عن الإبادة الجماعية، ولكن الاعتذار لم يُقدَّم إلا في عام 2022.

أما صربيا، فقد اعتذرت في عام 2013 دون استخدام مصطلح "إبادة جماعية". وأخيرًا، في 23 مايو من هذا العام، أعلنت الأمم المتحدة يوم 11 يوليو يومًا لإحياء ذكرى إبادة سربرنيتسا.


بينما كان المسؤولون عن إبادة سربرنيتسا يقدمون اعتذاراتهم "بإخلاص كبير" و"بدرجة مثيرة للإعجاب"، تم دفن 14 جثة جديدة في مقبرة بوتوشاري خلال مراسم إحياء الذكرى التاسعة والعشرين يوم أمس.

نتابع فيلمًا، مسلسلًا، أو مأساة في غزة بنفس السيناريو بالتفصيل. حتى الآن، قُتل أكثر من 40 ألف شخص في الإبادة الجماعية التي قامت بها إسرائيل في غزة. وعندما تحقق إسرائيل والدول الغربية التي تتحرك باسمها أهدافها، ستنتهي الإبادة.

وبعد ذلك، سنرى النُصب التذكارية، وأيام الذكرى، والقرارات غير المفيدة، والمحاكم الزائفة، ودموع التماسيح، وحملات الإغاثة، والاعترافات، والاعتذارات.


اليوم، الذين يتابعون الإبادة بلا مبالاة، والذين يساندون إسرائيل، والذين يقدمون الدعم بكل أشكاله للإبادة، سيظهرون غدًا ويحاولون تبرير أنفسهم بالاعتذارات المتعددة وتنظيف أيديهم الملطخة بالدماء. وسيتحدثون بأفضل خطب "السلام"؛ وسيكونون الأكثر حساسية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والقانون، والعدالة.


من الضروري أن نتذكر دائمًا ونذكّر بالطابع الإبادي والمستفز والمتناقض للغرب. يجب أن نعيد سرد أن الإبادة ضد اليهود لم تكن فقط من فعل هتلر، بل كانت من فعل كل أوروبا، وأن 80 مليون إنسان قُتلوا في الحرب العالمية الثانية.

ويجب أن نذكّر بعمليات الاغتصاب، والتطهير العرقي، والعنصرية، والإبادة في البوسنة، وسربرنيتسا، وفلسطين، والإبادات التي حدثت في إفريقيا وآسيا، والإبادة ضد الهنود الحمر، بل ويجب أن نذكر هذه الأحداث في مناهجنا الدراسية.


في البوسنة، وبخاصة في سربرنيتسا، تحمل عبارة "لا تنسَ!" التي نراها في كل مكان معنى عميقًا. يجب ألا ننسى، لأن النسيان يعني الموت.

#البوسنة والهرسك
#عزة
#ذكرى مذبحة سربرنيتسا
#سربرنيتسا
#مجزرة "سربرنيتسا"