ومع ذلك، فإن القفز إلى أي استنتاج حول النتيجة المحتملة للانتفاضة قد يكون سابقًا لأوانه حتى الآن. لكن يمكننا أن نسأل بأريحية السؤال التالي: ما هي أهم جوانب هذه الانتفاضة وكيف تختلف عما سبقها؟.
وللإجابة على هذا السؤال ذي الشقين، سنحتاج إلى فك التركيبة الديموغرافية للمتظاهرين، وطبيعة الشعارات التي يرددونها، والتوزيع الجغرافي للانتفاضة.
والواقع، تختلف هذه الانتفاضة المتواصلة في جميع الجوانب عن أي احتجاجات حدثت في السابق. فعلى سبيل المثال، خلال أعمال الشغب التي تلت الانتخابات الرئاسية لعام 2009، كان أغلب المتظاهرين من الطبقة فوق المتوسطة، وكان شعارهم الأساسي هو: "أين صوتي؟".
فقد كان هؤلاء يطالبون بحقوقهم المدنية، لكن في الانتفاضة الحالية، فإن غالبية المتظاهرين من طبقة "حفاة الأقدام"، وهم الشريحة مهضومة الحقوق في المجتمع، وشعارهم هو "أين نقودي؟"، وهو ما يعني مطالبتهم بأبسط الحقوق الأساسية.
أيضًا في الانتفاضة الحالية، ردد المتظاهرون شعارات من قبيل "إصلاحي! صاحب مبادئ! المغامرة قد انتهت! "، و"الاستقلال، الحرية، الجمهورية الإيرانية!".
وهذا يعني أن المتظاهرين فقدوا ثقتهم في الإصلاحات السياسية من جانب المعسكر الإصلاحي داخل المؤسسة.
ويشير هذا إلى أن المتظاهرين لم يعدوا يرون حلاً داخل النظام لمشاكلهم، ويرون أن الحل ربما يأتي من خلال إعادة هيكلة كاملة للنظام السياسي.
أنواع الشعارات المختلفة، التي تتراوح بين مطالب "توفير الحقوق الأساسية"، والمطالبة بإعادة هيكلة النظام السياسي برمته، تعني أن سقف المطالب مختلف هذه المرة. ولذلك، فإن الحركة تعددية في طبيعتها.
وبعبارة أخرى، فإن أُناسًا مختلفين ذوي مطالب مختلفة يحتجون جنبًا إلى جنب، والعامل الوحيد الذي يربطهم معًا هو مطالبتهم بالتغيير.
كما أن الانتفاضة الحالية واسعة الانتشار في كل ركن من أركان البلاد. والأهم من ذلك، على عكس الانتفاضات السابقة، ظهرت في هذه المرة المدن الصغيرة والنائية على سطح المشهد، لأن الناس في هذه المدن قد تأثروًا سلبًا بسوء الأوضاع الاقتصادية.
ويلاحظ أيضًا أن معظم المدن المضطربة تهيمن عليها جماعات عرقية غير فارسية مثل اللور والعرب والأكراد وغيرهم.
وتعد الانتفاضة الحالية هي الأكثر شمولية في الجمهورية الإسلامية حتى الآن، وهناك بعض القضايا الأساسية التي يمكن أن تلعب إما أدوارًا سلبية أو إيجابية في تحديد مسار الانتفاضة:
أولًا، الانتفاضة ليس لديها قائد. ويمكن أن يكون ذلك ميزة أو عيب. فيمكن للقادة إعطاء التوجيهات، وجمع المحتجين تحت راية مجموعة محددة من الأهداف وتزويدهم بخط عمل مستقبلي، ومع ذلك، وفي نظام مثل نظام إيران، فإن الأمر ينطوي أيضًا على مخاطر.
فيمكن أن يتم اعتقال قائد الاحتجاج بشكل قد يؤدي إلى كسر معنويات الحركة الاحتجاجية، كما حدث مع الحركة الخضراء عندما تم اعتقال قائديها (موسوي وكروبي).
ثانيًا، رغم انتشار الانتفاضة من حيث المساحة الجغرافية، فإن الطبقتين الوسطى والعليا لم تنضما إليها بالكامل. والسبب هو أن هذه الفئة لا تزال تعاني من الصدمة الناجمة عن انتخابات 2009، بالإضافة إلى شكوكهم في أصول هذا الاحتجاج، حيث يرونها مؤامرة يدبرها معسكر المحافظين للضغط على الرئيس روحاني.
ثالثًا، يمكن للمجتمع الدولي أيضًا أن يلعب دورًا هامًا في تعزيز معنويات المتظاهرين. فخلال احتجاجات 2009، كان أحد الشعارات "أوباما! أوباما! إما معهم أو معنا!".
ولكن هذه المرة يستخدم خلفه دونالد ترامب وأعضاء حكومته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل نشط، ويقدمون دعمًا مفتوحًا للمتظاهرين من خلال تلك القنوات.
غير أن هذا الأمر يمد المؤسسة الحاكمة بذريعة لقمع المتظاهرين من خلال تصنيفهم بأنهم "عملاء للولايات المتحدة".
وسيحتاج المرء إلى الانتظار والوقوف على كيفية تعامل السلطات الإيرانية مع الانتفاضة. وحتى الآن تبدو المؤسسة مشوشة.
كما أنه لا يوجد توافق في الآراء بين النخبة الحاكمة حول كيفية التعامل مع هذه القضية بسبب سياسات القوة الجارية بين مختلف الشخصيات والشرائح السياسية.
ولا شك أن الجمهورية الإسلامية قوية بما يكفي لسحق الانتفاضة، ويمكن لنظام يتمتع بخبرة واسعة في إخماد الثورات في سوريا واليمن أن يقمع بسهولة انتفاضة داخل بلاده. لكن بينما تبدو المؤسسة الإيرانية جيدة جدًا في القمع، فإنها سيئة للغاية في الإدارة.
وهناك بالفعل دلائل على أنها غير مستعدة لمواجهة الواقع كما هو. وتزعم إيران أن المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع بناء على دعوة من دول أجنبية، مثل إسرائيل والسعودية، وما إلى ذلك.
وبالنظر إلى طبيعة الشعارات والطبيعة الديموغرافية للمتظاهرين والمساحة الجغرافية التي تنتشر فيها الانتفاضة، يمكن القول بأريحية إنه حتى إذا لم تعمل الاضطرابات الحالية على إنهاء "الجمهورية الإسلامية"، فإنها ستظل بالتأكيد تفرض تحديًا على النظام الحاكم، لأن الشعب قد خلص إلى نتيجة (نظريًا على الأقل) مفادها أن حل مشاكله ليس بيد النظام الحالي.
* الكاتب مقيم في تركيا وخبير في شؤون السياسة الخارجية الإيرانية والسياسات المحلية.
* الآراء الواردة في هذا التحليل لا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية للأناضول.