حراك سياسي واقتصادي وسياحي وعسكري تشهده منطقة البحر الأحمر، يؤدي إلى إعادة رسم خارطة السيادة والتحالفات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.
وتكتسب تلك التغيرات أهميتها من الموقع الاستراتيجي الهام والحيوي للبحر الأحمر الذي تطل عليه السعودية واليمن (شرقاً)، وإريتريا (غرباً وجنوباً)، والسودان (غرباً)، ومصر(شمالاً وغرباً)، والأردن وإسرائيل (شمالاً)، وجيبوتي والصومال (جنوباً)، ويقع شماله قناة السويس وجنوبه مضيق باب المندب.
ويعد البحر الأحمر أقصر وأسرع ممر بحري بين الشرق والغرب، وذلك بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م، وزادت أهميته بشكل أكبر بعد اكتشاف نفط الخليج، حيث تحول إلى ممر استراتيجي لنفط الخليج المتوجه لأوروبا وأميركا. كما يعد الشريان الاقتصادي الأبرز، الذي تمرُّ عبْره قرابة 10% من حركة التجارة العالمية، سواء من أوروبا وأميركا إلى آسيا وإفريقيا، أو من اليابان والصين لإفريقيا والدول الغربية.
كما أضحى أيضاً ممراً عسكرياً هاماً تسلكه القوى الدولية لتحريك قواتها بين قواعدها المختلفة والمنتشرة حول العالم ونقلها إلى مناطق النزاع. ونتيجة لتلك الأسباب، أصبح هو ذاته هدفاً للقوى الكبرى لمحاولة استثمار موقعه عسكرياً وسياسياً، وخصوصاً عبر إقامة قواعد عسكرية لحماية سفن بلادها من أعمال القرصنة، وحماية التجارة الدولية وناقلات النفط، أو لاستخدامها في الحرب على الإرهاب أومراقبة بؤر التوتر بإفريقيا والشرق الأوسط.
غير أنه في المقابل، وبعيداً عن القواعد العسكرية في البحر الأحمر، ظهر مؤخراً تيار موازٍ في تلك المنطقة يعمد إلى تنميتها واستثمار مواردها لدعم شعوب الدول المطلة عليه. ولعل اتفاق تركيا الأخير مع السودان على تنمية "جزيرة سواكن" على البحر الأحمر واستثمارها سياحياً- أبرز مثال على هذا التيار التنموي.
وفيما يلي نستعرض أبرز المشاريع الاقتصادية والسياحية والاتفاقات السياسية التي تعيد رسم خارطة البحر الأحمر، فضلاً عن القواعد العسكرية المقامة به:
اتفقت تركيا مع السودان، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم خلال الفترة من 24 إلى 26 ديسمبر/كانون الأول 2017، على أن تمنح الخرطوم أنقرة "جزيرة سواكن" التي تضم منطقة أثرية تاريخية تعود للحقبة العثمانية، على سبيل الاستثمار لتتولى إعادة إعمارها وتطويرها.
وعن هذا الاتفاق، قال وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، إن أردوغان طلب من نظيره السوداني عمر البشير، عند زيارته "جزيرة سواكن"، أن تُمنح المنطقة لتركيا على سبيل الاستثمار.
وأوضح أن "الرئيس البشير وافق؛ لتكون هذه منطقة سياحية تعاد سيرتها الأولى لينطلق منها الحجاج، وتكون سياحة وعبادة (...)، وهي شراكة استثمارية بين بلدين، وهذا أمر طبيعي".
و"سواكن" منطقة موغلة في القدم، شهدت عصور البطالسة واليونانيين والمصريين، والعثمانيين، حيث عبروها إلى "بلاد بنط" أو الصومال الحالية.
وتقع "جزيرة سواكن"، على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرق السودان، وتبعد عن الخرطوم بنحو 560 كيلومتراً، وزهاء 70 كيلومتراً عن مدينة بورتسودان، ميناء السودان الرئيس حالياً.
وتبلغ مساحة "جزيرة سواكن" 20 كيلومتراً مربعاً، وفيها أكثر من 370 قطعة أرض سكنية وحكومية، ستقوم الحكومة التركية بإعادة ترميمها، وجعلها منطقة سياحية.
صدَّق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في 24 يونيو/حزيران 2017، على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي وقَّع عليها البلدان في أبريل/نيسان 2016، والتي تضمنت نقل السيادة على جزيرتي "تيران" و"صنافير" بالبحر الأحمر إلى السعودية.
وتدخل الاتفاقية التي أثارت رفضاً واسعاً في مصر، وفق أحد نصوصها، حيز التنفيذ بتبادل الوثائق بين القاهرة والسعودية، الذي لم يعلن عنه بعدُ من الجانبين، على أن يتم العمل بها بأثر رجعي اعتباراً من 2 يوليو/تموز 2017، وفق قرار وزاري مصري.
و"تيران وصنافير" جزيرتان تقعان شمال البحر الأحمر، قرب خليج العقبة، وتمثل الجزيرتان أهمية استراتيجية؛ لكونهما تتحكمان في حركة الملاحة بخليج العقبة، وهما جزء من المنطقة (ج) المحددة في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وتعتزم السعودية إطلاق مشاريع سياحية بالجزيرتين تتضمن بشكل خاص أنشطة بحرية، منها الغوص.
مشروع استثماري ضخم، أعلن عنه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017، يقام على أراضٍ من السعودية والأردن ومصر، باستثمارات إجمالية تقدر بـ500 مليار دولار.
وتقع منطقة نيوم شمال غربي المملكة، على مساحة 26.500 كم2، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول 468 كم، ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2.500 متر.
وتتضمن خطط المشروع جسراً يقطع البحر الأحمر، ويربط بين المدينة الجديدة ومصر وباقي القارة الإفريقية.
ومن المقرر أن يُفتتح بحلول 2025، فيما ستكون هناك استثمارات محدودة مطلع 2020.
أطلقه ولي العهد السعودي، نهاية يوليو/تموز 2017، كوجهة سياحية عالمية، ضمن "رؤية المملكة 2030".
ويتضمن إقامة منتجعات سياحية على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه، والممتدة على ساحل يتجاوز طوله 200 كيلومتر في البحر الأحمر.
وسيوضع حجر الأساس للمشروع بالربع الثالث من 2019، والانتهاء من المرحلة الأولى في الربع الأخير من 2022.
تم في 30 سبتمبر/أيلول 2017، افتتاح أكبر مركز عسكري تركي لتدريب الجيش الصومالي بالعاصمة مقديشو. وسيوفر المركز للجيش الصومالي جميع الاحتياجات التدريبية ليعيد بناء قدراته؛ ليكون قادراً على الدفاع عن الوطن، وتوفير المناخ الملائم لتنمية البلاد، كما ستُوفر للجيش الصومالي تدريبات تعزز قدراته من أجل تطويق الإرهابيين.
قطعت الإمارات شوطاً كبيراً في بناء قاعدة عسكرية لها بجزيرة "ميون" اليمنية، القريبة من مضيق باب المندب.
وفيما أشار موقع "جاينز"، المتخصص بالشؤون العسكرية، في فبراير/شباط الماضي، إلى أن أبوظبي تبني قاعدة لدعم عملياتها العسكرية في جنوب اليمن ولتعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية، نقلت قناة "الجزيرة" القطرية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن سكان ميون أن تدخُّل الإمارات في اليمن تحت غطاء التحالف العربي كان له مآرب أخرى، متهمين إياها بالسعي للهيمنة على ساحل الجنوب اليمني والجزر القريبة منه بغرض التحكم في مضيق باب المندب.
وتعتبر تلك الجزيرة من أهم الطرق البحرية الاستراتيجية في العالم، ونقطة عبور البضائع من آسيا وإليها.
وقَّعت أبوظبى عقد إيجار مدة 30 عاماً، لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية للإمارات في ميناء عصب بإرتيريا عام 2015، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى .
وتعد أول قاعدة عسكرية خارجية للإمارات، وتقع على بعد 106 كيلومترات شمال باب المندب، ويقابل ميناء عصب الإريتري ميناء المخا اليمني.
أشارت تقارير إعلامية إلى وجود قواعد لإيران وإسرائيل في جزر أرخبيل دهلك الإريترية، إلا أن الخارجية الإريترية نفت في أبريل/نيسان 2015، وجود قواعد لإيران أو إسرائيل على أراضيها.
وافق برلمان "جمهورية أرض الصومال"، التي أعلنت انفصالها عن الصومال ولم تحظَ باعتراف دولي في فبراير/شباط الماضي، على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن.
وأثار تأسيس هذه القاعدة الكثير من الجدل بين دول منطقة القرن الإفريقي، خاصة أن الإمارات تمتلك قاعدة عسكرية أخرى في مدينة عصب الساحلية الإريترية، تقول إنها تستخدمها في مواجهة الحوثيين باليمن.
وتؤكد الإمارات أن هذه التعزيزات العسكرية تعد جزءاً من العمليات المطلوبة لدعم عمليات الحصار البحري في البحر الأحمر ضد الحوثيين، وهو الحصار المفروض منذ عام 2015.
تتسابق دول حول العالم على إنشاء قواعد عسكرية لها في جيبوتي؛ نظراً إلى موقعها الاستراتيجي والجغرافي الواقع على الشاطئ الغربي لمضيق باب المندب، والذي يتيح لمن يمتلك قاعدة عسكرية أن يتدخل سريعاً في الأحداث بعدد من دول المنطقة، مثل اليمن والصومال، ويشكل تأجير القواعد العسكرية واحداً من أهم مصادر الإيرادت لجيبوتي، حيث تحصل سنوياً على قرابة 160 مليون دولار سنوياً لقاء ذلك، وفيما يلي أبرز القواعد العسكرية في جيبوتي:
تعد الصين أحدث الدول التي أضحى لها قواعد عسكرية بجيبوتي، حيث دشنت في أغسطس/آب 2017، أول قاعدة عسكرية لها بالخارج.
شهد عام 2016 مشاورات وزيارات بين القيادتين العسكريتين في كل من جيبوتي والسعودية، تمخضت عن وضع مشروع مسودة اتفاق أمني وعسكري واستراتيجي، يتضمن استضافة جيبوتي قاعدة عسكرية سعودية، وجرى تحديد بعض المواقع على الساحل الجيبوتي لهذا الغرض، وأعلنت جيبوتي نهاية 2016، أنها "وافقت مبدئياً" على إقامة قاعدة عسكرية سعودية، إلا أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن توقيع الاتفاق بين الجانبين.
يتمركز فيها 4 آلاف فرد، وتقع جنوب مطار "أمبولي" الدولي بالعاصمة جيبوتي، هي الأكبر في جيبوتي، وأنشأتها واشنطن عام 2001، بهدف تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
ومن هذه القاعدة، تنطلق عمليات "مكافحة الإرهاب" التي ينفذها الجيش الأميركي في الصومال، حيث توجد "حركة شباب المجاهدين" المسلحة، وفي اليمن، حيث يوجد "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية".
ملاصقة لمطار جيبوتي، وهي ثاني أكبر قاعدة بعد الأميركية، وأقدم القواعد العسكرية الفرنسية في القارة السمراء؛ إذ يعود عمرها إلى نحو 100 عام، ويتمركز فيها 900 عسكري.
ولليابان أيضاً قاعدة أجنبية هي الوحيدة التي تملكها خارج أراضيها، أنشأتها في جيبوتي عام 2011، ويتمركز فيها 600 عسكري.
إيطاليا هي الأخرى، أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي عام 2013، لها القدرة على استضافة 300 جندي، وتعد في الوقت ذاته أول مركز لها خارج الحدود، وتعتبر "مركزاً للعمليات اللوجيستية"، ويعمل بها 90 جندياً.