تحرير:

الولايات المتحدة ترسل إشارات متضاربة: هل نواجه عودة لاستراتيجية القبضة الحديدية؟

08:4613/09/2024, الجمعة
تحديث: 16/09/2024, الإثنين
يحيى بستان

من المؤكد أنكم تذكرون الحادثة التي شهدت سقوط مروحية إرهابية في شمال العراق في مارس/أذار من العام الماضي. هذه الحادثة كشفت عن مساعي الولايات المتحدة لدمج التنظيمات الإرهابية في شمالي سوريا والعراق، حيث كان الإرهابيون ينتقلون بين المنطقتين. في هذا السياق، لعب جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، دورًا محوريًا في عملية النقل، مما أدى إلى فرض تركيا عقوبات ضده. وبدورها، كثفت المخابرات التركية من عملياتها الدقيقة في السليمانية. ما هو السبب وراء مشروع الإرهابيين الموسع الذي كانت

من المؤكد أنكم تذكرون الحادثة التي شهدت سقوط مروحية إرهابية في شمال العراق في مارس/أذار من العام الماضي. هذه الحادثة كشفت عن مساعي الولايات المتحدة لدمج التنظيمات الإرهابية في شمالي سوريا والعراق، حيث كان الإرهابيون ينتقلون بين المنطقتين. في هذا السياق، لعب جلال طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، دورًا محوريًا في عملية النقل، مما أدى إلى فرض تركيا عقوبات ضده. وبدورها، كثفت المخابرات التركية من عملياتها الدقيقة في السليمانية.


ما هو السبب وراء مشروع الإرهابيين الموسع الذي كانت تديره الولايات المتحدة؟ إن بدء الحوار بين أنقرة ودمشق، وتصريح الرئيس أردوغان في أكتوبر 2022 بأن "بإمكاننا بدء من جديد مع الأسد"، كان من شأنه تقويض الوضع الراهن الذي كان لصالح الولايات المتحدة في سوريا. فقد اعتقد الأمريكيون أن هذا الحوار قد يقلل من الحاجة لوجودهم في سوريا، مما دفعهم لاتخاذ خطواتهم في هذا السياق.


لقد شهدنا ردود فعل أنقرة لهذا المشروع، حيث بدأت في استهداف البنية التحتية الإرهابية وقادة التنظيمات بشكل مباشر في شمال سوريا، وأجرت محادثات مع بغداد، ووقعت اتفاقيات لوقف الانتقالات عبر الحدود بين العراق وسوريا. كما أعلنت العراق أن بي كي كي الإرهابي منظمة محظورة، وبدأت القوات المسلحة التركية عمليات واسعة النطاق في شمال العراق.


تقاربات سينتكوم-إسرائيل

في أعقاب هذه التطورات، ظهرت حالة جديدة. تتزامن هذه الفترة مع النقاشات حول نية الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا. تتناول وزارة الخارجية التركية والمخابرات هذا الموضوع مع نظرائهم الأمريكيين. ومع ذلك، تواصل القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) رفض الانسحاب، كما فعلت سابقاً مع إدارة ترامب. وفي الوقت نفسه، لا ترغب إسرائيل في انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.


نحن اليوم أمام وضع جديد. على الرغم من أن دمشق في حالة ارتباك، إلا أن عملية الحوار بين دمشق وأنقرة بدأت تتحرك مرة أخرى. وتستغل إسرائيل الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر لزيادة الصراع في المنطقة ودفع الولايات المتحدة للبقاء. وعلى الرغم من الحديث عن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، إلا أنها زادت من وجودها العسكري في الشرق الأوسط. كما بدأت القيادة المركزية الأمريكية في استعادة السيطرة على الأمور. فماذا ستفعل الولايات المتحدة؟ تتوالى المعلومات المتضاربة حول هذا الأمر. لنستعرضها معاً.


النقطة الأولى: قامت الولايات المتحدة بنشر أنظمة الدفاع الجوي في قواعدها بشمال سوريا. كانت هذه خطوة تهدف إلى منع أي هجوم محتمل من إيران على إسرائيل. ومع ذلك، استفاد تنظيم بي كي كي الإرهابي من هذا الوضع، حيث نشب صراع بين القبائل العربية وإرهابيي بي كي كي في شمال سوريا، وتدخلت الولايات المتحدة بشكل مباشر لصالح التنظيم الإرهابي في النزاع. كما استقبل الجيش الأمريكي قادة التنظيم الإرهابي في قواعده. .


هل سيتواجد الجيش الأمريكي في شمال العراق؟

النقطة الثانية: قام قائد التحالف الدولي ضد داعش في العراق وسوريا، العقيد كيفين ليهي، بزيارة أربيل حيث التقى بـ."نيجيرفان بارزاني". طلب ليهي حل النزاعات بين أربيل والسليمانية. من جانبه، أكد بارزاني التزامه بتوحيد قوات البيشمركة في إقليم شمال العراق وتنفيذ الإصلاحات. ومع ذلك، فإن وجود طالباني في القضية يجعل الأمور أكثر تعقيداً.


ويتزامن سقوط الطائرة التركية المسيّرة في كركوك مع هذه الفترة. وقال مصدر مصدر مطلع على التطورات: "ليس فقط الولايات المتحدة، بل أيضاً دول مثل بريطانيا وألمانيا تُظهر اهتماماً متزايداً بشمال العراق. الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة تتعلق بمحاولة نقل الجنود الأمريكيين الذين سيغادرون العراق إلى شمال العراق". ماذا يعني ذلك؟ تم الاتفاق على سحب القوات الأمريكية من العراق بناءً على طلب العراق، ومن المتوقع الإعلان عن تفاصيل الاتفاق قريباً. يُنظر إلى عام 2026 كموعد نهائي للخروج. الأمريكيون يفكرون في إمكانية نشر هذه القوات في الشمال، مما يعني توفير مظلة حماية لكل من بي كي كي الإرهابي وطالباني، وكأنها قوة ضغط جديدة.


أما النقطة الثالثة: وقعت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية تعاون دفاعي مع قبرص الرومية. ونددت وزارة الخارجية التركية بشدة بشأن هذا التطور. سيقول الأمريكيون إن هذه مجرد تدابير اتخذناها لمواجهة حزب الله الذي يهدد قبرص. ومع ذلك، فإن زيادة تأثير الولايات المتحدة في الجزيرة لصالح الجانب اليوناني القبرصي لا ينصب في مصلحة لتركيا.



العقوبات تُرفع، والرسائل تحمل نبرة إيجابية

أولاً، لم تدعم الولايات المتحدة الانتخابات المحلية التي زعمت أنها تابعة لمنظمة بي كي كي الإرهابية. ثانيًا، لم تُظهر الولايات المتحدة الرد المتوقع على مسعى تركيا للانضمام إلى مجموعة البريكس. ثالثًا، انضمت النرويج مؤخرًا إلى الدول التي رفعت قرارات العقوبات ضد تركيا التي اتخذتها في عام 2019 (فنلندا، السويد، هولندا، كندا) (لا يمكنهم القيام بذلك دون إذن من الولايات المتحدة). رابعًا، في الأسبوع الماضي، تم دعوة الوزير فيدان إلى اجتماع وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي. خامسًا، تم إدراج تركيا في مبادرة الدرع الجوي الأوروبية، وهو مشروع دفاعي متقدم. سادسًا، قال مصدر مطلع أثناء حديثي معه: "لم تكن هناك حاجة لزيارة السفينة الحربية الأمريكية التي رست في إزمير (كما تذكرون حادثة الكيس). كانت السفينة في اليونان، وجاءت دون سبب واضح ثم غادرت دون أن تقوم بأي مهمة"

تفسر أنقرة هذه التطورات وغيرها على أنها تحركات عسكرية تهدف إلى تصحيح العلاقات.

سابعًا، تسعى الولايات المتحدة إلى أن تعمل الدول العربية على موازنة النفوذ الإيراني، وأن تقترب سوريا من الخليج، وألا تعيق تركيا هذه العملية. يجب على الوزير فيدان أن ينظر إلى دعوة جامعة الدول العربية من هذا المنظور.

الخلاصة: يتم تشكيل وضعية جديدة. تأتي إشارات متشابكة من الولايات المتحدة حول ما يجب فعله. سأكتب لاحقًا عن تطورات هذا المشهد.


لماذا غادر الوزير السوري الاجتماع؟

قرأتم في هذا المقال يوم الثلاثاء: تم دعوة هاكان فيدان إلى اجتماع جامعة الدول العربية، ولم تعارض سوريا ذلك، كما أن الوزير السوري سيكون هناك، ولكن لم يكن هناك خطة لعقد اجتماع.

وعندما بدأ فيدان كلمته في الاجتماع، خرج وزير الخارجية السوري وبعض الأشخاص المرافقين له من القاعة.

ماذا يعني ذلك؟ لأبدأ بنقل تعليقات بعد مصادري المطلعة:

أولاً، يتم اتخاذ القرارات في جامعة الدول العربية بالتوافق. دمشق لم تعترض على مشاركة أنقرة في الاجتماع.

ثانيًا، خرج الوزير وبعض الأشخاص المرافقين له من القاعة، لكن بقية الوفد كان على الطاولة. وتم تمثيل سوريا خلال الخطاب.

ثالثًا، ما قام به وزير الخارجية السوري هناك لا يهمنا. ذهبنا إلى الاجتماع من أجل جامعة الدول العربية وليس من أجل سوريا. وقد أسعدنا كثيرًا ما سمعناه من أصدقائنا العرب هناك.

تعليقي هو أن إدارة دمشق تتبع سياسة متقلبة تجاه تركيا بسبب الضغوط التي تتعرض لها من جهات متعددة. يبدو أن دمشق لن تتمكن من إقامة حوار بناء مع أنقرة دون أن تكون لها سياسة خارجية مستقلة.

#دمشق
#أنقرة
#العلاقات التركية السورية
#الولايات المتحدة

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية