زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق ولقاؤه مع قائد الثورة والرئيس الفعلي أحمد الشرع تُعد محطة تاريخية ذات أهمية بالغة.
لأول مرة، يشهد العالم هذه الخطوات غير المسبوقة؛ إذ كان إبراهيم قالن أول رئيس لجهاز استخبارات يزور سوريا، وتلاه هاكان فيدان كأول وزير خارجية تركي يزور دمشق. ومن المتوقع أن يكون الرئيس رجب طيب أردوغان أول رئيس دولة يزور سوريا في المرحلة القادمة، ما يضفي على هذه التحركات معنى عميقًا وأهمية كبيرة في صياغة مستقبل العلاقات بين البلدين.
المساهمة التي يمكن أن تقدمها تركيا بقيادة أردوغان في إعادة بناء سوريا قد تحولها إلى نموذج يحتذى به بين دول المنطقة. لقاء هاكان فيدان وأحمد الشرع تجاوز الشكل الرسمي ليعكس توافقًا عاطفيًا ورسالة واضحة تنبع من انسجام في الرؤى والأهداف المشتركة.
مع بداية هذه المرحلة الجديدة، تتضح رؤية مشتركة بين البلدين، حيث تتطابق حساسية تركيا تجاه أمنها مع التزام سوريا بضمان عدم توجيه أي تهديدات نحو الأراضي التركية. وبالمقابل، أكدت تركيا أن أي اعتداء على وحدة الأراضي السورية سيُعتبر بمثابة اعتداء على سيادتها، وهو موقف يعكس عمق الروابط بين البلدين واتجاهها نحو علاقة أخوية وقوية تقوم على احترام القوانين الدولية وأواصر الجوار.
الرسائل التي صدرت من دمشق عن القيادة السورية الجديدة تشير إلى إمكانية تطور العلاقة بين تركيا وسوريا إلى ما هو أبعد من التعاون التقليدي، لتصل إلى اتفاقية دفاع وأمن مشترك تجعل أي اعتداء على أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على الطرف الآخر.
عند تحقيق هذا التحالف الجديد، ستكون تركيا، وليس سوريا وحدها، الجار الجديد لإسرائيل، ما قد يعيد رسم التوازنات الإقليمية في المنطقة ويشكل معادلة جديدة في الشرق الأوسط.
وفقًا لدستور سوريا في عهد الأسد، تُعد سوريا في الأساس جمهورية إسلامية، حيث ينص الدستور على أن أي تشريع يخالف الإسلام غير مقبول. الإسلام هو العنصر الأساسي والمحدد في النظام، حتى وإن كان التطبيق العملي مختلفًا عن هذا النص.
لذلك، من الضروري أن يدرك من يعتبرون مصطلح "الجمهورية الإسلامية السورية" تعريفًا جديدًا للمرحلة المقبلة أن هذا المفهوم ليس بجديد، بل يعكس الواقع الدستوري والاجتماعي لسوريا منذ زمن.
إن استبدال تسمية "الجمهورية العربية السورية" بمصطلح "الجمهورية الإسلامية السورية" يتوافق مع الحقائق الدستورية والواقع الاجتماعي التي تعبر عن هوية البلاد.
ليس فقط القادة المؤسسون للثورة مثل أحمد الشرع (الجولاني) من يتبنون هذا الفهم، بل إنه يمثل قناعة غالبية الشعب السوري، وهو ما سيظهر بوضوح خلال عملية صياغة الدستور الجديد.
التخوف من أن تسمية "الجمهورية العربية" لن تعبر في المرحلة القادمة عن الديمقراطية المطلوبة أو الشمولية المرجوة، وأنها ستُرسخ فكرة أن سوريا دولة حصرية للعرب فقط، هو تخوف مبرر وله أسبابه الواضحة.
الرسائل الصادرة من دمشق تشير إلى أن سوريا الجديدة ستكون جمهورية يعتمد فيها الإسلام كعنصر أساسي ومحدد، لكنها لن تكون جمهورية على غرار النموذج الإيراني، الذي يفرض الدين وأسلوب حياة محدد من خلال الدولة بطرق قمعية وشمولية. على العكس، ستكون جمهورية تستمد مرجعيتها من الدين، لكنها تتيح حرية المعتقد ونمط الحياة، بحيث يمكن لكل فرد أن يعيش وفق قناعاته دون إجبار أو إكراه.
سيقوم النظام الجديد على مفهوم الدولة الموحدة، لكنه لن يكون وفق النموذج الغربي للوحدة المركزية. بل سيكون نظامًا يستند إلى العقيدة الإسلامية والتجربة التاريخية والاجتماعية الفريدة لسوريا. وبناءً على ذلك، لن يتم السماح بأي ترتيبات مثل الفيدرالية أو الحكم الذاتي، التي قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
ستشهد سوريا توحيدًا للإدارة المركزية، لكن دون الانزلاق نحو نموذج حكم مركزي صارم أو تسلطي. ستُمنح الإدارات المحلية دورًا فعّالًا وقويًا، بشرط أن لا تُبنى على أسس عرقية أو دينية أو طائفية. سيُعتمد على إرادة الشعب السوري كأساس للحوكمة، مع توفير الفرصة للمجتمعات المحلية لإدارة شؤونها بنفسها، بينما تظل الكلمة النهائية للإدارة المركزية.
سيكون هناك علم واحد فقط يرفرف في جميع أنحاء سوريا، ولن يُسمح بوجود أعلام محلية للإدارات أو المجتمعات المحلية.
أما الجيش، فسيُعاد تشكيله ليصبح جيشًا موحدًا يمثل كل السوريين، وسيخضع بالكامل لسلطة الإدارة المركزية. لن يُسمح مطلقًا بوجود أي قوى مسلحة خارج نطاق سيطرة الدولة المركزية، ولن يُسمح لأي إدارة محلية بالاحتفاظ بقوات مسلحة تابعة لها.
في الجمهورية الإسلامية السورية، سيكون الإسلام هو العنصر الأساسي والمحدد، لكنه لن يشكل عائقًا أمام أتباع الديانات الأخرى لممارسة شعائرهم بحرية.
ورغم أن العرب يشكلون الأغلبية في سوريا، إلا أن الدولة ستتجنب أي تعريف أو ممارسة توحي بأن الجمهورية مخصصة للعرب فقط. سيحظى العرب، التركمان، الأكراد، العلويون، وغيرهم بحقوق متساوية، وستكون الدولة السورية دولة للجميع، يُترجم هذا في الممارسات العملية اليومية.
في هذا السياق، يمكن أن تقدم سوريا نموذجًا مصغرًا يعكس التعدد الثقافي واللغوي والديني الذي كان قائمًا في الدولة العثمانية، لكن ضمن إطار جمهوري حديث. سيتجسد نظام "المِلَل" الذي كان قائمًا على العقيدة الإسلامية في العهد العثماني، ولكن بصيغة ديمقراطية حديثة تناسب المرحلة الجديدة.
إذا تمكنت سوريا من بناء نظامها الجديد وفقًا للرسائل الصادرة من دمشق، فستتحول إلى دولة نموذجية يُحتذى بها في المنطقة.
حاليًا، الأصوات القادمة من دمشق تبعث الأمل وتغرس التفاؤل بإمكانية تحقيق هذا المشروع الطموح.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة