هذه ليست تحررية بل فساد أخلاقي

04:3510/08/2024, السبت
إسماعيل قيليش أرسلان

تنتشر في بلدنا العزيز تركيا ظاهرة غريبة يدعي أصحابها أنها "التحررية" أو "الليبرتارية"، ولكنها في حقيقة الأمر لا تعدو كونها مجرد أفكار شاذة وتشويه لهذا المفهوم. فالرغبة في رفع الحظر عن منصة الألعاب "روبلكس" التي حُظرت بقرار قضائي، لا يمكن اعتبارها تحررية، وفي أحسن الأحوال يمكن أن توصف بأنها فساد أخلاقي. سأوضح وجهة نظري، ولكن يجب أن أقول شيئًا أولاً. هناك فرق كبير بين المطالبة برفع الحظر عن انستغرام وبين رفع الحظر عن روبلكس. فانستغرام، برغم كل سلبياته، يلتزم ببعض القواعد الأساسية المتعلقة بالأطفال.

تنتشر في بلدنا العزيز تركيا ظاهرة غريبة يدعي أصحابها أنها "التحررية" أو "الليبرتارية"، ولكنها في حقيقة الأمر لا تعدو كونها مجرد أفكار شاذة وتشويه لهذا المفهوم. فالرغبة في رفع الحظر عن منصة الألعاب "روبلكس" التي حُظرت بقرار قضائي، لا يمكن اعتبارها تحررية، وفي أحسن الأحوال يمكن أن توصف بأنها فساد أخلاقي.

سأوضح وجهة نظري، ولكن يجب أن أقول شيئًا أولاً. هناك فرق كبير بين المطالبة برفع الحظر عن انستغرام وبين رفع الحظر عن روبلكس. فانستغرام، برغم كل سلبياته، يلتزم ببعض القواعد الأساسية المتعلقة بالأطفال. لذلك من يطالب برفع الحظر عن انستغرام دون استجابة للمطالب المشروعة لتركيا، يمكن وصفه بأنه "ساذج وجاهل". ولكن عندما يتعلق الأمر بـ"روبلكس"، يجب أن نتوقف ونفكر مليًا. دعونا نتحدث قليلاً عن القانون أولاً.

"لنتذكر أولاً المادة الشهيرة في الدستور التركي المتعلقة بالأطفال والتي تنص على أن "الدولة تتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال والعنف". ثم لنتذكر المادة الثالثة من اتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة والتي تنص على أن "مصلحة الطفل هي الاعتبار الأساسي في جميع الإجراءات المتعلقة بالأطفال، التي تتخذها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم، أو السلطات الإدارية".

ولنتوقف قليلاً عند السؤال التالي: "هل يمكن اعتبار دولة لا تولي اهتمامًا بمصلحة أطفالها دولة حقيقية؟"

والآن دعونا نتحدث عن "روبلكس". بصراحة، دائماً ما أولي اهتماماً خاصاً بمثل هذه القضايا. ولكنني لم أكن أعرف عن روبلكس سوى اسمها فقط حتى اليومين الماضيين. بل إنني عندما سمعت بخبر حظرها أول مرة، تساءلت: "هل يُعقل أن تُحظر لعبة؟" ولكن بعد أن بحثت قليلاً عن "روبلوكس"، وتعمقت في الأمر، تغير رأيي تمامًا وقلت: "لماذا لم تغلق الدولة هذا المكان الملعون من قبل!"

"قبل حوالي ثلاث سنوات، اتجهت منصة "روبلوكس" إلى استراتيجية خطيرة ترمي إلى دمج الأطفال بالبالغين، وذلك في محاولة لتحسين أعمالها المتعثرة. ونتيجة لذلك بدأت المنصة التي يعتمد جمهورها بشكل أساسي على الأطفال، تشهد ظهور محتوى غير مناسب للأطفال على الإطلاق. وللأسف سمح ذلك لجميع أنواع المنحرفين الذين يسعون لاستهداف واستغلال أطفالنا، باكتشاف روبلكس.

بمعنى آخر، تخيل شخصًا منحرفًا يبلغ من العمر 40 عامًا يستهدف طفلًا في الحادية عشرة من عمره، يلعب لعبة فيديو غير مدرك لما يحدث. يمكن لهذا الشخص أن يتظاهر بأنه طفل على روبلوكس، ثم يتواصل مع الطفل ليتقرب منه ثم يجذبه إلى غرف الدردشة ليقوم باستغلاله. هذا السيناريو لا يقتصر على الاستغلال الجنسي فقط، بل ينطبق أيضًا على مسألة المخدرات ودعاية التنظيمات الإرهابية.

من ناحية أخرى، يشير الخبراء إلى أن نشر محتوى غير مناسب للأطفال على "روبلكس" له آثار جانبية سلبية عديدة. فالمحتوى الذي يركز على الرعب والتوتر والعنف والجنس يلحق ضررًا جسيمًا بصحة أطفالنا النفسية. ولنقف هنا عند هذا الحد.

واختتم وزير العدل يلماز تونش بيانه الذي أعلن فيه سبب حظر روبلكس بالقول: لن نسمح بأي محاولة لزعزعة بنيان مجتمعنا، أو استغلال الأطفال، أو التحريض على العنف، أو أي نشاط من شأنه أن يؤثر سلبًا على نمو أولادنا، الذين هم جواهر ثمينة."

وبما أن الأمر واضح تماماً فإن التصرف وفقاً لمبدأ "المصلحة الفضلى للطفل" هو السلوك الصحيح والواجب اتباعه. لذا يمكننا الآن العودة للرد على من يصرخون "لماذا أغلقتم روبلكس يا أعداء الحرية؟"

أولاً: إن تعرض طفل للإساءة أو العنف في العالم الافتراضي لا يختلف عن تعرضه للإساءة أو العنف في العالم الحقيقي.

ثانياً: إن استطاعة شخص بالغ منحرف أن يستدرج طفلًا واحدًا فقط من أطفالنا ليقع في فخه عبر تظاهره بأنه طفل، يعد سببًا أكثر من كافٍ لحجب جميع الألعاب في العالم.

ثالثاً: لا علاقة لهذه المسألة بـ"وعي الوالدين ومراقبتهم لأطفالهم". فكثير من الأطفال الذين ينتمون إلى أسر واعية جداً تعرضوا للاعتداء في الواقع أو في العالم الافتراضي، ووقعوا في براثن العديد من أنواع الإدمان، وخاصة الإدمان الرقمي. لذلك، يجب اتخاذ التدابير اللازمة على أعلى مستوى، لحماية "المصلحة الفضلى للطفل".

رابعاً: إن نظامنا القضائي الذي نشكو من بطئه أحيانًا، قد حقق العدالة على أكمل وجه بحظره منصة "روبلكس". لقد نجح هذا النظام في حماية أطفالنا جميعًا من تلك الحفرة الملعونة، بمن فيهم أطفال أولئك الذين يصرخون قائلين: "لا يمكنكم إغلاق روبلكس يا أعداء الحرية؟". يجب على القانون أن يستمر في حظر جميع الألعاب المشابهة إذا لزم الأمر.

أنا لا أروج للأخلاق ولا أتظاهر بالعمل الأخلاقي. كل ما أفعله هو اتخاذ موقف لصالح أطفالنا القُصَّر، والذين يجب حمايتهم، ومنع استغلالهم مهما كانت الأسباب، إنني أدعو إلى الانضمام إلينا في هذه الحملة لحماية أطفالنا.

هل تعلمون لماذا أصبحت "التحررية" مفهومًا مشوهًا في بلدنا؟ تخيلوا لو كتبت خبرا زائفا: "تزوج رجل في الستين من عمره بفتاة في الثانية والعشرين" فسوف يثور المدافعون عن الحريات. ولكن إذا قرأت في صحف الأمس أن "كايا شيلينغير أوغلو، البالغ من العمر 60 عامًا شوهد وهو يقبل حبيبته البالغة من العمر 22 عامًا"، فلن تجد أحداً من أنصار الحرية يهتم. باختصار لا يمكن للمرء أن يكون "مدافعًا عن الحرية" لمجرد أنه يتبنى ما تحدده صناعة الثقافة العالمية على أنه "حرية". والسلام.


#تحررية
#فساد أخلاقي
#استغلال الأطفال
#روبلكس
#تركيا
#الإدمان
#الحرية