
الباحث والأستاذ الجامعي محمد مظهر شاهين يسلط الضوء في مقاله على تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطر، مؤكدا أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر نتيجة هذا الهجوم، ومشيرا إلى أن قطر خرجت رابحة دبلوماسيا، حيث عززت تحالفاتها مع تركيا وباكستان، وحظيت بدعم كامل من دول المنطقة.
يتضح جليًا أن العلاقات بين بعض الدول العربية التي توحدها معارضة حماس وإسرائيل قد وصلت إلى نقطة اللاعودة بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر. ربما كانت إسرائيل تخطط لهذه العملية على غرار الهجوم الذي استهدف إسماعيل هنية في إيران، ظنًا منها أن رد الفعل العربي لن يكون كافيًا. إلا أن حساباتها باءت بالفشل، فقد حظيت قطر بدعم كامل من دول المنطقة، رغم الخلافات القائمة بينها.
لو كان هذا الهجوم قد تكلل بالنجاح من وجهة نظر إسرائيل، لكان ربما هجومًا يمكن تحمل نتائجه. لكنه دفع إسرائيل إلى عزلة شبه تامة في المنطقة. ورغم أن قطر هي من تعرضت للهجوم، إلا أنها كانت الرابح الأكبر دبلوماسيًا. فبينما كانت تلعب دور الوسيط بجهود حثيثة، تعرضت للهجوم من قبل أكبر حليف للولايات المتحدة، وذلك رغم كل الضمانات الدفاعية التي قدمتها واشنطن. لقد حظيت قطر بدعم العالم أجمع باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تسعى بثقة لممارسة ضغط دولي على إسرائيل عبر الأمم المتحدة.
أما الخاسر الأكبر من هذا الهجوم، في رأيي، فهو الولايات المتحدة. فقبل أربعة أشهر فقط، وقّع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اتفاقية عسكرية مهمة مع قطر، وصرح بأن "أمن قطر هو من أمني". وبعد هذه الاتفاقية بأربعة أشهر، تعرضت قطر لهجومين: الأول من إيران والثاني من إسرائيل. وفي كلا الهجومين، كانت قطر تلعب دور الوسيط. وقد أدى عدم رد فعل الولايات المتحدة على هذه الهجمات إلى وضع قطر ودول الخليج في موقف صعب، ودفعها للبحث عن خيارات جديدة.
في هذا السياق، تم على الفور إبرام تحالف عسكري بين المملكة العربية السعودية وباكستان، تتعهد باكستان بموجبه بتقديم الدعم الكامل، بما في ذلك الأسلحة النووية، في حال تعرضت المملكة لأي هجوم. كما يُتوقع زيادة عدد القوات التركية في القواعد الجوية والبرية والبحرية الموجودة حاليًا في قطر، وتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي أكثر شمولًا بين تركيا وقطر في الأيام المقبلة. وهناك أيضًا محادثات عسكرية مستمرة بين مصر وتركيا، مما يزيد من احتمالية تشكيل تحالف عسكري مصري-تركي قريبًا. ويُتوقع أن يتم إبرام اتفاقيات مماثلة مع دول خليجية أخرى، حيث تبرز تركيا وباكستان كخيارين مفضلين لدول الخليج والدول العربية.
________________________________________
لقد أجريت مقابلة مع الدكتور رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي الأسبق، وهو شخصية تحظى بالتقدير في تونس ويتابع عن كثب نبض الشرق الأوسط من خلال تعليقاته وكتاباته. سألته بدايةً عن التغيرات المحتملة في موازين القوى بالمنطقة بعد الهجوم الإسرائيلي على قطر، فأجاب:
"أعتقد أن هناك قناعة عامة في الخليج مفادها أن القوة العسكرية والأمنية للخليج لا يمكن الاعتماد عليها، وبالتالي يجب البحث عن بدائل من دول أخرى في المنطقة، خاصة تركيا وباكستان، ويجب تخفيف التوتر مع إيران. وهذا يعكس التحولات التي يشهدها الخليج، خاصة بعد استهداف قطر من قبل إسرائيل وبدعم أمريكي. وفي هذا السياق، اتجهت قطر لتعميق علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا، بينما وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان. وهذا تطور إيجابي لدول الخليج والمنطقة، لأنه يعني إرساء ترتيبات أمنية وسياسية بين الدول الإسلامية بعيدًا عن المظلة الأمريكية وتدخل القوى الأجنبية. لقد كان العدوان على غزة بداية لهذه العملية؛ واستهدف الوفد القطري والمفاوض الفلسطيني الذي يمثل صدمة ثانية دفعت الأمور في هذا الاتجاه. وقد تسارعت هذه العملية بشكل خاص مع تأكيد الروابط الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب خلال فترة ترامب، على حساب المصالح الخليجية والعربية".
بعد ذلك، سألته عن الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في المنطقة وتأثيرها على موازين القوى، فأجاب:
"تركيا قوة إسلامية صاعدة وجارة للمنطقة، وتتمتع بثقة متزايدة لدى دول المنطقة وشعوبها. لذلك، هناك مصلحة عربية-تركية متبادلة في إيجاد ترتيبات أمنية واستراتيجية بين دول الخليج وتركيا. لقد أظهرت تجربة حصار قطر في عام 2017 أن تركيا شريك موثوق به في التعاون الأمني والعسكري، وحليف مخلص كما يقول المثل "صديق وقت الضيق". في رأيي، هذه الترتيبات ضرورية ومفيدة لجميع دول المنطقة، لأنها تخلق موازين قوى جديدة بين القوى الإقليمية في العالم الإسلامي، في بيئة يضر فيها النفوذ الأجنبي بالجميع".
أخيرًا، سألته عما يجب فعله لوقف إسرائيل، وكيف يمكن ردعها، فأجاب:
"الشيء الوحيد الذي سيوقف إسرائيل هو ميزان قوى جديد يفرض عليها حدودها بالقوة ويمنعها من انتهاك أراضي دول المنطقة ومجالها الجوي. أما الضغوط الدبلوماسية، والإدانات، واللعنات، واللجوء إلى القانون الدولي، فهي عديمة الفائدة؛ لأن إسرائيل دولة مارقة تريد تغيير الحدود والخرائط بقوة السلاح، وتتحرك في إطار مشروع "إسرائيل الكبرى"".
كما أكد الدكتور رفيق عبد السلام، فإن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر في المنطقة بعد هذا الهجوم الذي استهدف قطر، وبالتالي المجتمع العربي والإسلامي بأكمله. وفي هذه العملية، تبرز تركيا، إلى جانب باكستان، كأقوى وأوثق حليف.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لـ"يني شفق العربية"






