قال المقرر الأممي السابق المعني بفلسطين ريتشارد فولك، إن مبادرة "محكمة غزة" التي أُطلقت للتحقيق في الجوانب القانونية والسياسية والأخلاقية لحرب الإبادة الإسرائيلية في القطاع، تعد مبادرة هامة على طريق البحث عن العدالة باسم الشعوب.
وفي حديث للأناضول، أوضح فولك أن "محكمة غزة" تهدف إلى أن تكون "هيئة تخاطب الضمير الإنساني مباشرة، وليس مناشدة الحكومات في المقام الأول".
وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أطلق أكاديميون ومثقفون ومدافعون عن حقوق الإنسان وممثلون إعلاميون ومنظمات غير حكومية، مبادرة "محكمة غزة" في العاصمة البريطانية لندن، للتحقيق في جرائم الحرب التي تواصل إسرائيل ارتكابها في قطاع غزة الفلسطيني.
وتضم هيئة رئاسة المبادرة التي يقودها المقرر الأممي السابق لفلسطين ريتشارد فولك، المقرران الأمميان السابقان مايكل لينك، وهلال الفر، إضافة إلى الأكاديميين نورا عريقات، وسوزان أكرم، وأحمد كور أوغلو، وجون رينولدز، وديانا بوتو، وجميل أيدن، وبيني غرين.
محكمة نيابة عن الشعوب
وعن المبادة قال فولك إن "أحد أسباب إنشاء محكمة غزة هو التحدث نيابة عن الشعوب، حيث لا تسعى المحكمة أن تكون هيئة تناشد الحكومات في المقام الأول".
وشدد على أن هدف المحكمة هو "السعي لتحقيق العدالة باسم الإنسانية"، من خلال التركيز على "أربع قضايا أساسية، أولها الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة".
وأضاف: "الدافع الرئيسي لإنشاء المحكمة ليس فقط تقديم الأدلة التي تؤكد الإبادة الجماعية، بل أيضا معالجة المشكلة الدولية المتمثلة في الإبادة الجماعية ومنعها".
وأوضح المقرر الأممي السابق أن القضية الرئيسية الثانية للمحكمة هي "وقف الحرب في المنطقة"، مؤكدا على "أهمية وقف إطلاق النار".
وذكر أنه "من المخيب للآمال أن الدول العربية الكبرى المجاورة لإسرائيل أخفقت في القيام بدور معارضة أكثر فعالية".
كما تشمل القضية الثالثة للمحكمة "دعم الدول الغربية لإسرائيل، لا سيما الولايات المتحدة التي لم تتخذ أي خطوات لوقف سياسات الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تسبب خسائر كبيرة يوميا".
وأشار فولك إلى أن القضية الرابعة تضم "إخفاق الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى في معالجة قضايا مثل الجرائم الدولية المأساوية والمآسي الإنسانية في غزة".
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 147 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
"مستوى حرج"
وأوضح المقرر الأممي السابق أن الوضع الحالي في غزة والضفة الغربية ولبنان وصل إلى "مستوى حرج".
وأشار إلى أن الدمار الذي لحق بلبنان جراء الهجمات الإسرائيلية هو "استمرار للإبادة الجماعية في غزة"، مؤكدا أن "سياسات إسرائيل التوسعية تركت آثارا سلبية دائمة في غزة والضفة الغربية".
وقال فولك: "بالنظر إلى التصريحات السياسية للقيادة الإسرائيلية في الوقت الحالي، يأتي ضم الضفة الغربية على رأس أجندتهم التوسعية".
وأكد "وجود أدلة كافية على أن التدمير الإسرائيلي في غزة أدى إلى تدمير البنية التحتية والشعب الفلسطيني" بالقطاع.
وأضاف: "فكرة تحويل شعب بأكمله إلى لاجئين دائمين أمر غير مقبول من حيث حقوق الإنسان والقانون الدولي. وهذا الوضع يشير إلى أن خطر الإبادة الجماعية لا يزال مستمرا".
وشدد المقرر الأممي السابق على أن "الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لإسرائيل يزيد من تعميق المشاكل في المنطقة".
وقال: "رغم أن هذه الدول تحدثت عن الحد مما تفعله إسرائيل، إلا أنها لم تفرض أي قيود ذات معنى" على سياسات تل أبيب بالمنطقة.
وبموازاة حرب الإبادة على قطاع غزة، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته، كما صعّد المستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر إجمالا عن 784 قتيلا، ونحو 6 آلاف و450 جريحًا، منذ 7 أكتوبر 2023.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان إجمالا عن 3 آلاف و481 قتيلا و14 ألفا و786 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي، وفق رصد الأناضول لبيانات لبنانية رسمية حتى مساء الأحد.
سوء فهم ألمانيا
وتطرق فولك أيضا إلى دعم ألمانيا غير المشروط لإسرائيل والأسباب التاريخية له، قائلا إن "ألمانيا أساءت تفسير الدروس التي تعلمتها من المحرقة اليهودية، وأن ذلك أسهم في دعم سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين".
وأضاف: "ألمانيا لا ترى الإبادة الجماعية مصدر قلق رئيسي. ويعتقد الألمان بأن أي شيء ضد إسرائيل سيُنظر إليه على أنه تكرار لمعاداة السامية".
وذكر المقرر الأممي السابق أن إسرائيل تستخدم أيضا المحرقة اليهودية ومعاداة السامية لمصالحها الخاصة.
وأردف: "يصف القادة الإسرائيليون أي انتقاد لإسرائيل من الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) أو المقررين الخاصين لمجلس حقوق الإنسان بأنه معاداة للسامية".
وفي 7 نوفمبر الجاري، وافق البرلمان الاتحادي الألماني (البوندستاغ) على "مقترح مكافحة معاداة السامية" الذي توصل إليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر، والاتحاد المسيحي (يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي).
وأشار المقترح إلى أن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة في مكافحة معاداة السامية بسبب المحرقة اليهودية في فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) بسبب هويتهم العرقية والدينية على يد الحكم النازي، ودعا الحكومة إلى تعزيز الحياة اليهودية في البلاد من خلال إحياء ذكرى المحرقة.
شكوك بإجراءات "الجنائية الدولية"
وفي حديثه عن المحكمة الجنائية الدولية، قال فولك إن المحكمة وافقت على طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال 24 يوما، ولم تتمكن من البت منذ 6 أشهر في طلب إصدار مذكرة اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المُقال يوآف غالانت.
وبهذا الصدد، أكد فولك وجود "معايير مزدوجة خطيرة، تفيد بأن المحكمة الجنائية الدولية يتم التلاعب بها بالضغوط الجيوسياسية".
وأوضح أن "المحكمة الجنائية الدولية ليست مدرجة في منظومة الأمم المتحدة، وتم إنشاؤها بموجب نظام روما الأساسي"، ولهذا السبب، فإن المحكمة "معرَّضة جدا للضغوط السياسية، وغير آمنة من حيث التمويل".
وفي 17 يوليو/ تموز 1998، تم اعتماد "نظام روما الأساسي" خلال مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية، والذي عُقد في روما.
وشدد فولك على "ضرورة الشك بصحة مهنية المحكمة وقانونيتها"، بالنظر إلى تأخرها في إصدار مذكرات الاعتقال ضد المسؤولين الإسرائيليين.
وأضاف: "الأمر الآخر الذي يثير الشكوك حول أمر الاعتقال هو أن الجرائم المنسوبة إلى القادة الإسرائيليين لا تشمل الإبادة الجماعية. أي إنهم يتركون القضية الأكثر أهمية التي يعرفها الجميع".
وفي مقابلة مع قناة "بي بي سي" البريطانية في 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إنه يتعرض لضغوط من قادة دول من أجل عدم إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
كما تتحدى إسرائيل طلب كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وتعتبر أن لا صلاحية للجنائية الدولية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما ترفضه المحكمة.