لم تفلح حتى الآن محاولات السلطة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية المستمرة وسط وجنوبي العراق، منذ مطلع أكتوبر/تشرين أول الماضي.
أحدث هذه المحاولات هي "وثيقة الشرف"، التي وقعتها كتل وقوى وتحالفات سياسية، قبل أيام، وتتضمن تعهدات بإجراء إصلاحات، وتحقيق نتائج خلال 45 يوما.
لكن تلك الوثيقة لم تحقق أيضا هدفها؛ إذ رفضها المحتجون، متمسكين بمطالبهم، وفي مقدمتها رحيل حكومة عادل عبد المهدي وكل القوى الحاكمة منذ عام 2003، المتهمة بـ"الفساد والافتقار للكفاءة"، إضافة إلى مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين.
لكن عبد المهدي، الذي يتولى السلطة منذ أكتوبر/تشرين أول 2018، يرفض الاستقالة، ويرهن رحيله بتوافق القوى السياسية أولا على بديل له، محذرا من أن رحيل الحكومة من دون بديل "سلس وسريع" سيترك مصير العراق للمجهول.
** تصعيد وربما بديل
بتمسك كل من المحتجين والسلطة بموقفيهما، فإن الأوضاع في العراق قد تتجه نحو التصعيد من الطرفين، حسب رئيس مركز التفكير السياسي العراقي (مركز بحثي غير حكومي)، إحسان الشمري.
وقال الشمري، للأناضول، إنه "في ظل عجز الطبقة السياسية، وحتى الأمنية، عن إنتاج حلول يمكن أن تكون متطابقة ومتماهية مع مطالب المتظاهرين، نتصور أن التصعيد سيكون حاضرا".
ورأى أن أبرز عاملين في أية تطورات قادمة هما "تمسك المتظاهرين بموقفهم وموقف المرجعية (الشيعية)".
ولم يستبعد الشمري حدوث "انخراط في تحالفات، وبالتالي اختيار بديل لرئيس الوزراء، عادل عبد المهدي".
** حكومة مؤقتة
بعيدًا عن الأوساط السياسة، وبالقرب من أوساط المحتجين في الشارع، تبدو خارطة الطريق أكثر وضوحا، أو هكذا يطمحون.
وقال جاسم الحلفي، عضو "التيار المدني العراقي" (تحالف سياسي)، للأناضول: "لا يترجى المنتفضون أي حل من الطبقة السياسية، بل يطالبون برحيلها، ووضعوا ورقة لخارطة طريق تبدأ بتقديم الحكومة استقالتها، وتشكيل حكومة وطنية مؤقتة بمهمات استثنائية تأخذ على عاتقها إصلاح المنظومة السياسية".
وأضاف أن "الإصلاحات لا تقتصر على إصلاح قانون الانتخابات، الذي كرس وجود الطبقة السياسية الحالية، ولا تقتصر على مفوضية الانتخابات غير المستقلة، بل يشمل أيضًا تعديل قانون الأحزاب".
ومضى قائلا إن "الخطوة الأخرى هي محاكمة من تسببوا بقتل العراقيين في هذه الانتفاضة، وأيضًا محاكمة الفاسدين".
وسقط منذ بدء الاحتجاجات ما لا يقل عن 346 قتيلا وأكثر من 15 ألف جريح، حسب لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، ومفوضية حقوق الإنسان (رسمية وتتبع البرلمان)، ومصادر طبية وحقوقية.
والغالبية العظمى من الضحايا هم من المحتجين، وسقطوا في مواجهات ضد قوات الأمن ومسلحي فصائل شيعية مقربة من إيران.
وشدد الحلفي على ضرورة إجراء "انتخابات مبكرة، وتعديل الدستور، وحفظ التنوع في العراق، والفصل الواضح بين السلطات".
** مواجهة إيرانية أمريكية
لكن الأزمة ليست داخلية تماما في العراق؛ إذ يخشى مراقبون استثمار الاحتجاجات في صراعات إقليمية ودولية، لاسيما بين الولايات المتحدة وإيران، المرتبطة بعلاقات وثيقة مع الطبقة الشيعية الحاكمة في بغداد.
وثمة ملفات خلافية عديدة بين طهران وواشنطن، منها: السياسية الإقليمة الإيرانية وبرنامجيها النووي والصاروخي، وحرية الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وأمن منشآت النفط في منطقة الخليج.
وقال مثال الألوسي، سياسي وبرلماني عراقي سابق، للأناضول: "بعد إلغاء الاتفاقية النووية بين إيران وأمريكا أصبح واضحًا وجود مواجهة بينهما في المنطقة ككل".
وانسحبت الولايات المتحدة، في مايو/أيار 2018، من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين وروسيا) وألمانيا.
وأضاف الألوسي أن "واشنطن أعادت حساباتها، وتملأ الفراغات التي تركها الوضع السابق، وتحاول أن تدعم حاجات الشعوب، لا سيما بعد سيطرة قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) على عواصم (عربية) حصل فيها تراجع في الحقوق والخدمات".
وتنفي إيران صحة اتهامات أمريكية وخليجية بتدخلها في الشؤون الدخلية لدول عربية، بينها العراق واليمن وسوريا ولبنان، وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.
وتابع الألوسي: "سليماني يحاول تمرير رسالة مفادها أن السيناريو القادم هو حرب أهلية إذا فقدت إيران امتيازاتها وسلطتها في العراق.. يحاول أن يبتز القرار العراقي والإقليمي والأمريكي بالتلويح بحرب أهلية".
واستطرد: "الويل لنا إذا انتصر قاسم سليماني وعصاباته في العراق، فقد تذهب المنطقة إلى ظلام أسود خطير".
وختم بـ"السيناريو الأهم" الذي قد يفرضه اللاعب العراقي في الشارع قائلا: "إذا انتصر العراقيون، وقاموا بتقليم أظافر إيران وأحزابها الإسلامية، فنحن أمام إشراقة، ليس في العراق فحسب، بل في إيران أيضًا".