التناغم السياسي بين البلدين انعكس إيجابا على باقي المجالات العسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية والفنية.اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة تعقد اجتماعها الخامس في قطر نهاية نوفمبر خلال زيارة مرتقبة للرئيس أردوغان إلى الدوحة.
تجذب العلاقات التركية القطرية الراسخة والشاملة أنظار الباحثين المتخصصين والشعوب على حد سواء؛ لما تتمتع به من تطور مميز وقفزة نوعية في الأعوام الأخيرة.
هذا التطور والتنوع يستمد قوته من تناغم سياسي كبير بين البلدين واتفاق في وجهات النظر تجاه كثير من القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها قضايا الشرق الأوسط .
** البداية.. اعتراف دبلوماسي
في عام 1973، تبادلت أنقرة والدوحة الاعتراف الدبلوماسي، وافتتحت تركيا سفارة بالدوحة عام 1980، فيما افتتحت قطر سفارة في أنقرة، عام 1992.
وشهد عام 2007 افتتاح قنصلية قطرية في إسطنبول، ثم ملحقية عسكرية في 2009.
حققت العلاقات المشتركة، بين عامي 2008 و2011، نقلة نوعيّة تجلّت في سلسلة زيارات رسمية متبادلة على أعلى المستويات.
وبعد 2011، بدأت مرحلة جديدة في ظل تلاقي وجهات النظر السياسية بشأن القضايا الإقليمية؛ ما انعكس إيجابا على باقي المجالات العسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية والفنية والإغاثية.
** لجنة استراتيجية عليا
بعد سنوات من التوافق والتناغم، تم تأسيس "اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة بين قطر وتركيا"، في 2014، واستضافت الدوحة دورتها الأولى، في ديسمبر/ كانون الأول من العام التالي.
منذ تأسيسها، عقدت اللجنة 4 اجتماعات، مناصفة بين قطر وتركيا، نتج عنها إبرام 45 اتفاقية في مجالات متنوعة.
وتعقد اللجنة اجتماعها الخامس في قطر، نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، خلال زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الدوحة.
** استثمارات متبادلة
مع نهاية 2018، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 2.28 مليار دولار.
وتمثل تركيا الملاذ الآمن للاستثمار القطري، إذ بلغ حجمه نحو 22 مليار دولار، فيما بلغت استثمارات الشركات التركية في قطر 16 مليار دولار.
توجد 500 شركة تركية عاملة في قطر، بينها حوالي 242 شركة برأس مال قطري وتركي، و26 شركة برأس مال تركي 100 بالمائة.
وتستضيف الدولة الخليجية سنويا معرض "إكسبو تركيا في قطر"، بمشاركة مئات الشركات التركية، الراغبة في العمل بالسوق القطري.
وتتدفق وفود تجارية تركية على الدوحة، عبر غرفة قطر وجمعية رجال الأعمال القطريين، وجمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين (موصياد).
** تعاون عسكري
تعود بداية التعاون العسكري بين قطر وتركيا إلى اتفاقية للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية، عام 2007.
وتعززت العلاقات على المستوى العسكري، عقب اندلاع الأزمة الخليجية، يونيو/حزيران 2017، حيث دخلت اتفاقية التعاون العسكري حيز التنفيذ، بعد مصادقة البرلمان التركي عليها، واعتمادها من الرئيس أردوغان.
وبموجب الاتفاقية، تمت إقامة قاعدة عسكرية تركية ونشر قوات تركية في قطر، وتنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة.
وتكثفت الزيارات المتبادلة على مستويات عسكرية متعددة، أحدثها زيارة رئيس الأركان العامة بالجيش التركي، ياشار غولر، إلى الدوحة في سبتمبر/ أيلول الماضي.
** تنسيق أمني
كما أسس البلدان "اللجنة الأمنية المشتركة" بين وزارتي الداخلية، وعقدت اجتماعها الرابع بأنقرة، في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وتشكلت اللجنة تنفيذًا لاتفاقية أمنية مشتركة، وضمن بروتوكول تعاون أمني موقع عام 2011، وتعقد اجتماعاتها بالتناوب بين البلدين.
ووقعت قطر وتركيا، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، اتفاقية تعاون بشأن التدابير الأمنية المتخذة خلال تنظيم بطولة نهائيات كأس العالم لكرة القدم في قطر، شتاء 2022.
وبموجب الاتفاقية، توفر مديرية الأمن العام التركية الاحتياجات اللازمة للتدابير الأمنية التي ستُتخذ أثناء البطولة، بجانب تبادل الخبرات الأمنية بين البلدين.
وسترسل تركيا إلى قطر كوادر أمنية وعناصر من القوات الخاصة مختصة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ويتلقى 44 ضابطا قطريا، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تدريبات في تركيا، ويقدم أفراد من الشرطة التركية دورات تدريبية لنظرائهم القطريين في الدوحة.
** فعاليات ثقافية
لم يقتصر التناغم بين تركيا وقطر على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري، بل انعكس أيضا على العلاقات الثقافية.
في 2015، تم تدشين العام الثقافي القطري التركي، وجرى في العام نفسه اختيار تركيا ضيف شرف معرض الدوحة الدولي للكتاب.
وفي ذلك العام أيضًا تم افتتاح المركز الثقافي التركي (يونس إمره) في الدوحة، لتعزيز العلاقات الثقافية.
وشهدت الأعوام الأربع الماضية عشرات العروض الفنية والفعاليات الثقافية والمعارض القطرية، بمشاركة فرق وفنانين من تركيا، وهي تؤصل لفكرة الحفاظ على الهوية الإسلامية المشتركة بين البلدين.
وفي سبتمر/ أيلول 2018، تم تدشين مشروع "تركيا- قطر.. الحوارات الفنية بين الثقافات"، وتضمن معارض فنية، عروضا موسيقية، مؤتمرات، مهرجانات وورش عمل تتعلق بشتى فروع الفن التقليدية والحديثة.
واستضاف المسرح المكشوف للمؤسسة العامة للحي الثقافي (حكومية)، عبر مهرجان "التنوع الثقافي" الذي تقيمه المؤسسة سنويًا، فرقًا فنية وتراثية تعكس الثقافة التركية.
وفي يوليو/ تموز الماضي شهد بسفور إسطنبول انطلاق رحلة "فتح الخير" البحرية، لتجوب أوروبا وشمال إفريقيا، حاملة رسالة الثقافة والتراث القطري إلى شعوب البحر المتوسط والعالم، وللترويج لمونديال 2022.
وبكثافة، يوجد أكاديميون أتراك في هيئات التدريس بالجامعات القطرية.
** دراما تركية
في أبريل/ نيسان 2018، شهدت السينما القطرية عرض أول فيلم تركي، وهو "آيلا.. بنت الحرب"، وكان مرشحًا لنيل جائزة "الأوسكار".
ويعرض موقع "النور"، عبر اتفاقية مع هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية "TRT"، عشرات المسلسلات التركية المعروفة، وتحظى بمشاهدة مكثفة في قطر.
و"النور" هو أول موقع عربي يملك حقوق بث وترجمة مسلسلات تركية، بالتزامن مع بثها في تركيا.
كما بث تلفزيون قطر الرسمي مواسم المسلسل التركي الشهير "قيامة أرطغرل" مدلجا.
** مشاريع إغاثية
من ضمن مجالات التعاون بين البلدين أيضا، التنسيق المشترك في مجال الإغاثة.
وترتبط المؤسسات التركية والقطرية بعلاقة وطيدة، بفضل مشاريع مشتركة، خاصة في قضية اللاجئين من سوريا ودول إفريقية.
وبين الهلال الأحمر التركي ونظيره القطري تعاون كبير، إضافة إلى بروتوكولات التعاون بين جمعية قطر الخيرية ومؤسسات تركية، في مقدمتها الهلال الأحمر وهيئة الإغاثة الإنسانية (IHH).
وزار مدير صندوق التنمية القطري، خليفة بن جاسم الكواري، تركيا في فبراير/ شباط الماضي، حيث بحث مجالات التعاون في قضايا المساعدات الإنسانية والإنمائية، والتقى وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو.
كما زار وفد من مؤسسة المجتمع الإسلامي في أوروبا "مللي غوروش" (أسسها أتراك في ألمانيا)، الدوحة، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي؛ للتعريف بمشروع مسجد ومجمع "أيوب سلطان" في مدينة ستراسبورغ الفرنسية.
وفي إطار تدعيم العلاقات التركية القطرية في المجال الصحي، تم في 17 يناير/ كانون ثانٍ الماضي، افتتاح أول مستشفى تركي في قطر، باستثمار بلغ 82 مليون دولار.