"نجم الدين أربكان" مُنافس العلمانية، وإرث الإسلام السياسي في تركيا

Ersin Çelik
12:1528/02/2016, الأحد
تحديث: 28/02/2016, الأحد
أخرى

ترجمة وتحرير، تركيا بوست


ولد الزعيم التركي، “نجم الدين أربكان” في مدينة “سينوب” عام 1926، وهو من عائلة تعود أصولها إلى السلاجقة الأتراك، الذين ظلّوا يحكمون كلّا من منطقتي “كوزان وسايم بيلي” بمدينة “أضنة” لمدة طويلة.



في عام 1951 قام الاتحاد الدولي للاتصالات بإرسال “أربكان” إلى ألمانيا من أجل دعم معلوماته ولاكتساب خبرة أكبر. كما استطاع أن يحصل على لقب الدكتوراه من جامعة “أخن” الألمانية، بفضل الرسالة العلمية التي قام بكتابتها في هندسة المحركات وذلك عام 1956. في عام 1970 اختير ليصبح سكرتيرا عاما لاتحاد الغرف والبورصات.



بدأ “أربكان” حياته السياسية بعد تخرّجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات التجارية، انتخب بعدها عضوا في مجلس النواب عن مدينة “قونية”، لكنه مُنع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للعلمانية.



حزب “النظام الوطني” بداية النضال السياسي لـ “أربكان”:


أنشأ أربكان عام 1970م حزب “النظام الوطني”، الذي كان أول تنظيم سياسي ذي هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة، منذ زوال الخلافة عام 1924م.



لم يصمد حزبه “النظام الوطني” سوى تسعة أشهر حتى تم حلّه بقرار قضائي من المحكمة الدستورية، فقام أربكان بدعم من التحالف ذاته بتأسيس حزب “السلامة الوطني” عام 1972م، وأفلت هذه المرة من غضب الجيش ليشارك بالانتخابات العامة ويفوز بخمسين مقعدا، كانت كافية له ليشارك في مطلع عام 1974م في حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك ليرعى المبادئ العلمانية.



تولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء، وشارك رئيس الحكومة “بولنت أجاويد” في اتخاذ قرار التدخل في قبرص في نفس العام، واعتبر من دافع عن مشاركة أربكان في الائتلاف أنه حقّق مكاسب كبيرة لتيار “الإسلام السياسي” من أهمها الإعتراف بهذا التيار وأهميته في الساحة السياسية، إلى جانب تنازلات مؤثرة من قبل حزب الشعب. بعد محاولته فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي، وحاول ضرب بعض أخطر مراكز النفوذ الداعمة للنهج العلماني، ونجح في حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك “خير الدين أركمان” بسبب ما اعتبر سياسته المؤيدة لإسرائيل.



عام 1980 قدّم حزب “أربكان” مشروع قانون إلى مجلس النواب، يدعو الحكومة التركية إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل، وأتبع ذلك مباشرة تنظيم مظاهرة ضخمة ضد القرار الإسرائيلي بضم مدينة القدس، كانت المظاهرة من أضخم ما شهدته تركيا في تاريخها المعاصر، الأمر الذي اعتبر استفتاء على شعبية الإسلام السياسي بزعامة “أربكان”.





انقلاب ومكائد:


بعد بضعة أيام؛ تزعّم قائد الجيش “كنعان إيفرين” انقلابا عسكريا أطاح بالائتلاف الحاكم، وبدأ سلسلة إجراءات كان من بينها إعادة القوة للتيار العلماني، ومن ذلك تشكيل مجلس الأمن القومي وتعطيل الدستور وحل الأحزاب واعتقال الناشطين الإسلاميين إلى جانب اليساريين. كان “أربكان” من بين من دخلوا السجن آنذاك، وبعد ثلاث سنوات خرج في إطار موجة انفتاح على الحريات في عهد حكومة “أوزال”.



تأسيسه لـ “حزب الرفاه” ورئاسة الوزراء:


أسس في العام 1983م “حزب الرفاه”، الذي شارك في انتخابات نفس العام، لكنه لم يحصل سوى على 1.5% من الأصوات. لم ييأس الحزب، إذ واصل جهوده السياسية حتى أفلح في الفوز بالأغلبية؛ في انتخابات عام 1996، ليترأس “أربكان” حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة “تانسو تشيللر”.



الانقلاب من جديد، وإيقافه عن مزاولة النشاط السياسي


ثم قام الجنرالات بانقلاب من نوع جديد، إذ قدّموا إلى أربكان مجموعة طلبات لغرض تنفيذها على الفور، تتضمن ما وصفوه بمكافحة الرجعية، وتستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد، سياسيا كان أم تعليميا أم متعلّقا بالعبادات، فكان أن اضطر أربكان إلى الاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري فعلي. وفي عام 1998 تم حظر “حزب الرفاه” وأحيل “أربكان” إلى القضاء بتهم مختلفة منها “انتهاك مواثيق علمانية الدولة”، وعقبها مُنِع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات.



تأسيسه “حزب الفضيلة” والعمل خلف الكواليس:


لم يستسلم “أربكان”، وقام بتأسيس حزب جديد باسم “الفضيلة” بزعامة أحد معاونيه، وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرّض للحظر أيضا في عام



“حزب السعادة” والسجن من جديد:


ومن جديد يعود “أربكان” ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003م حزب “السعادة”، لكن خصومه من العلمانيين، تربّصوا به ليجري اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم على الرجل بسنتين سجنا، وكان حينها يبلغ من العمر 77 عاما، وبسبب حالته الصحية؛ خُفّف الحكم إلى الإقامة الجبرية حتى عام 2008، عندما أصدر الرئيس التركي “عبد الله غول” عفوا رئاسياً عنه، في 18 أغسطس 2008م بسبب المرض.



تركه العمل السياسي ووفاته:


انفصل “أربكان” عن العمل السياسي، بسبب تقدّمه بالسن، إضافة إلى الضغوط التي كان يتعرض لها من جانب التيارات العلمانية بالدولة. ثم توفى بسكتة قلبية بتاريخ 27 فبراير 2011 عن 84 عاما، ليترك وراءه إرثا سياسيا خلّده تاريخ تركيا..



“العدالة والتنمية” و”حزب السعادة” خلاف أم تفاهم:


لم يكن الالتباس حالة الجماهير وحدها، بل تعداها إلى قيادات الحركة الإسلامية في العالم الذين لم يستطع معظمهم اتخاذ قرار حاسم في تحديد أي الحزبين والمجموعتين يمثل الحركة الإسلامية أو الأقرب إليها، وكان الحسم صعبا؛ فحزب “السعادة” يحظى برعاية ودعم “نجم الدين أربكان” الأب الروحي للحركة الإسلامية التركية، فيما يضم العدالة والتنمية أبرز رموز جيل الشباب، الذين قادوا الحركة حينا من الدهر، وفي مقدمتهم “رجب طيب أردوغان” و”عبد الله غول”، وزاد من صعوبة الأمر أن التلامذة نجحوا في الوصول إلى السلطة بعدما أحرزوا انتصارا تاريخيا غير مسبوق، وشكّلوا الحكومة منفردين ودون أية منافسة حقيقية. فصارت لهم شرعية إنجاز لا تقل أهمية عن شرعية التاريخ التي لجماعة “أربكان”.



يلتقي الزعيمان “نجم الدين أربكان” و”رجب طيب أردوغان” في أنهما منبت عقائدي واحد، و”أردوغان” شبّ وتدرَج من العضوية العادية إلى رئاسة فرع الطلاب في حزب السلامة الوطني، وصولا إلى عضو قيادة حزب الرفاه ورئيسا لبلدية إسطنبول عن الحزب. وكان “أربكان” نفسه يرى في “أردوغان” خليفته بالـ: “الإيمان، التصميم، التضحية، الديناميكية”. وقد اشترك الزعيمان بـ (الواقعية) مع عدم الاحتفاظ بالأصول الإسلامية، إلا أن النظرة لـ “أردوغان” كانت ترى فيه اندفاعا وحماسة زائدة. لكن كل ذلك؛ مع الإصرار والواقعية، أنجحه منذ البداية في رئاسة بلدية إسطنبول، التي فيها أسس سمعته في الكفاءة والإخلاص ونظافة اليد.



#الإسرائيل
#نجم الدين أربكان
#تركيا