لم أشأ أن أجيب على العديد من دعواتِ القنوات التلفزيونية أو الصحف للحديث حول التقرير الذي نشرته وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه". وهذه المرة الأولى التي أرفض فيها الحديث في الحقيقة.
بالطبع لم أنسَ المسؤولية والوصية التي حملني إياها في غيابه، بحكم الصداقة الشخصية التي تجمع بيني وبين الراحل.
منذ بداية الأمر حاولت أن أتصرف بما تمليه علي هذه المسؤولية المتمخضة عن وصيته لي. لم أستطع أن أكون حائلًا بينه وبين ما حدث له، لكنني حاولت وفاء الدين الذي تقع مسؤوليته علينا جميعًا؛ ألا وهو تحقيق العدالة بعد ما حدث له ما حدث.
ولذلك السبب، يجب توضيح ما تعرض له بالضبط أولًا، ولا بد أيضًا من تحديد المسؤول عن ذلك وتقديمه للمحاكمة.
كان موضوع تحويل القضية لمحل اهتمام دولي أمرًا لا مفر منه، لأن خاشقجي وإن لم يكن مواطنًا أمريكيًّا إلا أنه كان مقيمًا هناك، بل وكان يعمل في الصحافة أيضًا، وكان شخصية بارزة على مستوى العالم.
إضافة لذلك، فإن موقع الجريمة كان مكانًا يتمتع بامتيازات الحصانة الدبلوماسية ضمن أنشطة معينة وفقًا للاتفاقات الدولية، وإن إساءة استخدام هذه الامتيازات التي توفرها الاتفاقات الدولية ووقوع عمل لا قانوني داخل هذا المكان، يعني انتهاكًا للمبادئ الدولية، وهذا بدوره يفرض مسؤولية على المجتمع الدولي.
بالطبع هناك أيضًا بعد آخر لهذه الجريمة، ألا وهو انتهاك سيادة تركيا. ولم يكن على تركيا أن تتجاهل هذه الجريمة التي وقعت ضمن حدودها، بغض النظر عن من يقف وراءها كائنًا من كان. وبالتالي فإن ما قامت به تركيا ولم تكن لتقوم به دولة أخرى ربما لو كانت مكانها؛ لا يندرج في إطار حقها السيادي فحسب، بل في إطار المسؤولية التي شعرت بتحمّلها.
وإن تركيا لم تتوقف عن فعل ما يقع على عاتقها من واجب إزاء ذلك، ولذلك نجد الرئيس رجب طيب أردوغان إنما كان يتحرك بإصرار من دافع إيمانه بأن أمن حياة إنسان جاء إلى تركيا تقع في ضمان تركيا، مهما كلف الثمن. ولقد استحق تقدير الجميع بسبب هذا الحس.
أما التقرير الذي نشرته وكالة الاستخبارات الأمريكية حول جريمة قتل الراحل خاشقجي، فإنني رأيت أن من الأنسب أن أبتعد عن الحديث حول ذلك، لأنني رأيت بوضوح إمكانية استخدام الولايات المتحدة لهذا التقرير، وتحويله لأداة توجه من خلالها سياساتها الخاصة في الشرق الأوسط، والجرأة الوقحة على اختزال اسم خاشقجي وروحه كوسيلة لتحقيق غاية قذرة.
وفي الحقيقة لقد جرى ما توقعت تمامًا. وإن هذا التقرير الذي تمّ تجاهله في عهد ترامب بناء على حسابات قذرة أيضًا، حينما يبرز بهذا الشكل في عهد بايدن لا يشير بأيّ حال إلى أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل لصالح العدالة أو تقف بجانبها. على العكس تمامًا، من الواضح أنها تستخدم ملف خاشقجي كورقة رابحة ضد السعودية. بالنسبة لنا لم يكن هدفنا على الإطلاق منذ البداية وضع السعودية في موقف صعب بطريقة أو بأخرى، بل الهدف الأول والأخير هو تحقيق العدالة. وإن ديننا وقيمنا وتاريخنا والحقوق فيما بيننا تكفي مرجعًا تخولنا للمطالبة بذلك.
إن إدارة بايدن لا تسعى للعدالة أو الانتصار للقيم الإنسانية في قضية خاشقجي، بل على العكس، تريد استخدام هذا الملف كأداة لتحقيق سياساتها الخاصة في الشرق الأوسط. وإن هذه الأساليب بحد ذاتها تسلب الولايات المتحدة من أن تكون مرجعًا مناسبًا في العالم لإحقاق الحق وفق أيّ أساس كان.
لأن الولايات المتحدة لا تهتم بهذه الأشياء إلا وفق مقياس مصلحتها في ذلك، ولذلك فإن اكتراثها لهذا الأمر من عدمه مرتبط بمقياس مدى خدمته لمصلحة الولايات المتحدة. وبالطبع لا نشعر بالمفاجأة جراء ذلك.
ودعونا نسأل، بما أن رأس الظلم في الشرق الوسط هو إسرائيل والسياسات الصهيونية، فلماذا علينا أن نتوقع من أن سياسة بايدن في الشرق الأوسط يمكن أن تتجه نحو العدالة، وهو من وصف نفسه بأنه أعظم ممثل للصهيونية؟
في الحقيقة، إن تحول قضية خاشقجي لورقة رابحة بيد الولايات المتحدة ضد السعودية لهو أمر محزن. وإن المحزن بشكل أكبر، هو تحول هذه الجرائم وما شابهها من انتهاكات لحقوق الإنسان، إلى شيء روتيني في العالم الإسلامي، في ظل عدم إنشاء آلية لتحقيق العدالة ضد هذه الانتهاكات.
إن دم المسلم اليوم أرخص من الماء. انظروا اليوم ستجدون أن المسلمين هم أقل من ينتج الأسلحة حول العالم، لكنهم أكثر من يستخدمها، وإن غالبية ضحايا الحروب التي تنشأ نتيجة هذا التسلح هي من المسلمين.
إذا لم يكن من الواجب على الدول الإسلامية أن تبدأ الآن بالتصرف وفق حساسية جديدة فيما بينها إزاء ذلك، فمتى إذن ستبدأ؟
إذا لم يدرك المسلمون أنفسهم أهمية دم المسلم وماله وعقله ودينه ونسله، وإذا لم يتخذ المسلمون أنفسهم المبادرة الكافية لضمان حماية وحفظ سلامة وكرامة هذه الأصول، فلا يمكن إذن أن ينتظروا تحقيق ذلك حينما تصبح رهينة بيد الغير.
ولهذا السبب، يجب سواء على منظمة التعاون الإسلامي وكذلك على جامعة الدول العربية، أن تضع قضية انتهاكات حقوق الإنسان في العالم الإسلامي على جدول أعمالهما، وأن يعملا ما يجب عليهما فعله من أجل تحقيق مكانة حرة وقوية ومشرفة للمسلمين في العالم.
ولا شك أن هذا يتطلب القوة والإمكانات لفرض عقوبات ضد هذه الانتهاكات. وحينما يفعّل العالم الإسلامي في هذا الاتجاه فإنه سيجد القوة والإمكانات لفعل ذلك.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة