هل يدخل ترامب الحرب بعدما صرح بالانسحاب؟

14:2612/04/2018, Perşembe
تحديث: 12/04/2018, Perşembe
مروة شبنام أروج

بعدما وقع الهجوم الكيماوي في الغوطة الشرقية السبت الماضي بدأنا نتابع تراشقًا بالألفاظ والتصريحات وارتفاعًا في التوتر بين المسؤولين الأمريكان ونظرائهم الروس.وبينما كنت قد بدأت في كتابة هذه السطور من مقالي كان ترامب منشغلاً بنشر تغريدات على تويتر من قبيل "كل صواريخي جديدة وذكية" فيما يشبه ما قاله لزعيم كوريا الشمالية حينما صرّح "زر صواريخي النووية أكبر من زرك"، وعبارات تهديد من قبل "أكاد أن أطلق الصاروخ، حسنًا لم أطلقه بعد!". وأما روسيا فكان ردها على ذلك بعبارات من قبيل "لا تقصفنا نحن بتلك الصواريخ

بعدما وقع الهجوم الكيماوي في الغوطة الشرقية السبت الماضي بدأنا نتابع تراشقًا بالألفاظ والتصريحات وارتفاعًا في التوتر بين المسؤولين الأمريكان ونظرائهم الروس.

وبينما كنت قد بدأت في كتابة هذه السطور من مقالي كان ترامب منشغلاً بنشر تغريدات على تويتر من قبيل "كل صواريخي جديدة وذكية" فيما يشبه ما قاله لزعيم كوريا الشمالية حينما صرّح "زر صواريخي النووية أكبر من زرك"، وعبارات تهديد من قبل "أكاد أن أطلق الصاروخ، حسنًا لم أطلقه بعد!". وأما روسيا فكان ردها على ذلك بعبارات من قبيل "لا تقصفنا نحن بتلك الصواريخ بل استهدف الإرهابيين".

ولقد شاهدنا وسمعنا خلال الفترة القصيرة الماضية الكثير والكثير من الأخبار العاجلة بدءا من النقاشات الحادة في مجلس الأمن إلى التهديدات التي أعلنت في ميادين عامة، ومن السفن الحربية التي أبحرت نحو البحر المتوسط إلى أنظمة الدفاع التي جعلت على الأهبة واتخاذ الجميع وضعية الاستعداد للقتال، ومن شائعات هروب بشار الأسد وعائلته من دمشق إلى تكذيب هذه الشائعات... وفي حقيقة الأمر فإني أرى أن كلّ ما يحدث، بالرغم من استعداد الجميع لحرب محتملة، ليس إلا عبارة عن فيلم "أكشن".

شاهدنا هذا الفيلم سابقًا

نعم لقد شاهدنا هذا الفيلم، شاهدناه قبل فترة قصيرة... كان شهر أغسطس/آب عام 2013 قد شهد هجومًا كيماويًّا مماثلًا في الغوطة الشرقية راح ضحيته 1300 شخص في مجزرة فظيعة، وقد حدث كلّ شيء يحدث الآن باستثناء أنّ رئيس الولايات المتحدة وقتها كان أوباما الذي أطلق عبارته الشهيرة "الخط الأحمر" عقب التأكد من استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي عام 2012. وعندما وقع هجوم كيماوي مريع في الغوطة الشرقية، إحدى ضواحي دمشق، هدد أوباما بإطلاق صواريخ توماهوك. لكنّ الرجل، الذي كان بيده إصدار القرار الأخير بصفته القائد الأعلى للجيش الأمريكي، كان يصرّح عبر التلفاز بما يقوله اليوم سلفه ترامب عبر تويتر "مسوفا" استهداف نظام الأسد في كل مرة. وفي الوقت الذي كانت فيه ملامح سيناريوهات الحرب ترسم بدقة على شاشات التلفاز، كانت السفن الحربية في البحر المتوسط والقواعد العسكرية في الشرق الأوسط تسيطر عليها حالة من التأهب للحرب، بالضبط كما هو حاصل اليوم.

وبطبيعة الحال بدأ العالم بأسره يعتقد أنّ نهاية العالم قد حانت. بيد أننا شهدنا نهاية غير متوقعة في المشهد الأخير من هذا الفيلم المثير؛ إذ بدلًا من أن تندلع تلك الحرب الوشيكة، اتفقت إدارة أوباما والكرملين مع نظام الأسد على نقل الأسلحة الكيماوية من سوريا وإبادتها. فأوباما الذي كان أول ما نادى بضرورة ذهاب الأسد ضمن بهذه الطريقة بقاء نظام دمشق صامدًا لفترة أطول. واليوم استبدل النظام الأمريكيّ بأوباما ترامب الذي يعتبر شخصية "غير عادية" بالنسبة للنظام الحاكم في أمريكا، لينسج هو الآخر أحلام إعادة سيطرة الأسد على كامل الأراضي السورية.

مفاوضات سرية وراء تهديدات الحرب أمام الرأي العام

لم يتفق البيت الأبيض والكرملين ذلك اليوم فقط على إبادة الأسلحة الكيماوية في سوريا، بل أعلنَا حينها للعالم بأسره عن بدء مفاوضات نووية مع إيران. لقد كانت واشنطن تتفاوض سرًّا منذ فترة طويلة مع إيران الذي تصفها أمام وسائل الإعلام بعبارة "الشيطان الأكبر"، لكنها حولت هذه المفاوضات إلى تهديد بأنّ "أيّ هجوم سينفذ ضد دمشق سيطال إيران أيضًا"، وذلك بفضل وصول "المعتدل" روحاني إلى سدة الحكم في طهران، لتنجح في إجبار نظام ولاية الفقيه على الجلوس على طاولة المفاوضات مع الدول 5+1 بشروطها الخاصة.

إذن، في الوقت الذي لم يهاجم فيه حتى أوباما الأسد، فهل سيهاجمه ترامب الذي لا يعتبره تهديدًا بالرغم من نعته إياه بـ "الحيوان"؟ ربما يكون أصدقاء ترامب، كإسرائيل والسعودية، يريدون هذا ويشجعونه بسبب الوجود الإيراني في سرويا، لكن هل يفكر ترامب حقا في الدخول في حرب ضدّ شخص يريد أن يكون صديقًا مقرّبًا له مثل بوتين؟

نحن نتحدث هنا عن شخص صرّح الأسبوع الماضي "أريد الانسحاب من سوريا وإعادة جنودنا إلى الوطن". لقد كان الأسد الذي يريده ترامب "أن يدفع ثمن ما فعله" موجودًا كذلك الأسبوع الماضي، لكن هذا الوضع برمته ليس من ضمن اهتمامات الرئيس الأمريكي الذي قال أيضًا "كنّا في سوريا لمكافحة داعش الذي دنت نهايته، فلماذا نبقى هناك؟"

ربما يكون هناك من يرى أن تصريح ترامب عن الخروج من سوريا يعتبر مراوغة من أجل جعل آل سعود يدفعون ثمن الوجود الأمريكي هناك، لا سيما وأن فريق البيت الأبيض بدأ يتبنى خطابًا أكثر معارضة لإيران، لكننى أعتقد أن ترامب يريد حقا البقاء في سوريا ويهتم بالمشاريع الأمريكية "العميقة" هناك. حتى أنه كان ليجلس مع بوتين لتحديد مستقبل سوريا والقضاء على الإرهاب هناك لو لم يكن التحقيق حول التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مستمرًّا وكان قادرًا – أي ترامب – على إسماع كلمته في واشنطن.

لا يتنظرْ أحد أن يبقى ترامب صامتًا أمام الرأي العام إزاء بوتين فيما يتعلق بالتوتر السوري القائم، وذلك بسبب الأزمة الدبلوماسية الحالية بين سوريا والدول الغربية نتيجة أزمة الجاسوس الروسيّ في بريطانيا والتحقيق في التدخل الروسي في انتخابات أمريكا، لكني لا أعتقد أبدًا أنه يريد مواجهة روسيا في سوريا. وكانت الولايات المتحدة قد انضمت هي الأخرى للدول التي طردت الدبلوماسيين الروس بسبب أزمة الجاسوس، لكن أعقب ذلك مباشرة صدور تصريحات حول لقاء بين ترامب وبوتين، بل إنّ البعض قال إنّ هذا اللقاء ربما يستضيفه البيت الأبيض. وفي الوقت الذي كان ترامب قد دخل فيه في مناوشات كلامية مع زعيم كوريا الشمالية أون لدرجة جعلت الجميع يتساءل "هل سيضرب ترامب كوريا الشمالية؟"، لكن اتضح بعد ذلك أنه اقترب من الجلوس مع أون على طاولة السلام وأن لقاء محتملًا مع الزعيم الكوري صار وشيكًا.

ما أحول قوله هو أننا يجب ألا نندهش إذا حدث اتفاق غير متوقع بدلًا من اندلاع حرب بعد كلّ هذا التوتر. وأنا متأكد من أنّ طاولة منصوبة خلف الأبواب المغلقة التي تخفيها العاصفة الإعلامية، وأنّ تلك الطاولة تشهد مفاوضات ومساومات حامية. لكن لا شك أنّ بعض دول المنطقة مثل السعودية والإمارات وحتى إسرائيل ستفعل كل ما بوسعها حتى تبقي على الوجود الأمريكي في سوريا، واستغلال ترامب حسب مصالحها الشخصية للهجوم على إيران، حتى أننا يمكن أن نتوقع "عمليات ترفع رايات مزيفة"، غير أنني لن أندهش لو حدث اتفاق مثير بين ترامب وبوتين بالرغم من كل هذه التوترات.

#ترامب
#سوريا
#الضربة الأمريكية على سوريا