لقد ظهر صدق الحملة الإعلامية المعادية للجيش السوري الحر التي بدأت على نطاق ضيق، وسرعان ما زادت حدتها تدريجيا، عندما استهدف النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري المعارض خورشيد غونيش مخيم آبايدن بقوله "تحدث أشياء غريبة في هاتاي". وكانت لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان التركي قد أجرت زيارة إلى المخيم، وأطلعت الرأي العام على ما يحدث هناك، لكن خلال تلك الوتيرة نجحت المرحلة التركية من الحرب النفسية التي اعتبرت جزءا من عملية استهداف الجيش السوري الحر.
ولقد شكلت هذه الحملة الإعلامية واحدة من أبرز وأخطر مراحل الحملة المعادية للجيش الحر عندما اتحدت مع الأخبار التي أطلقت وصف "الإرهابي، الجهادي، الريكالي " على كل سوري ملتحٍ يتلقى العلاج في مستشفيات مدينتي هاتاي وكيليس التركيتين بعد إصابته في الحرب الدائرة في سوريا. فهل تتحدث عمن يصيغون الأخبار عن "شخص ملتحٍ خرج إلى الباب وهو يتلفظ بكلمات عربية"؟ وهل تبحثون عمن كتبوا عناوين "لقد هاجمونا!" محولين عبارات "لا تلتقطوا الصور من فضلكم!" التي قالها أشخاص التقطت صورهم بدون إذن؟ أم ترغبون في تزويد الرأي العام بأخبار بعد اختلاقها من الفقرات الفارغة التي تحتوي كل أنواع التلاعب من قبيل "أم هل هو تنظيم القاعدة!"؟
كان جنود الجيش الحر وبعض أسرهم يقيمون في مخيم آبايدن، وكانوا يحاولون إخبار الصحفيين ونواب حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، الذين حاولوا دخول المخيم بالقوة والتقاط صور من رأوهم هناك، بأن عائلاتهم تعيش في سوريا، وبأنهم لا يرغبون في أن يلتقطوا صورهم من أجل سلامتهم. وقد كانوا محقين في مخاوفهم تلك
كان الجيش السوري الحر قد أسس على يد عسكريين انفصلوا عن الجيش السوري النظامي في أغسطس 2011 عندما لم يتحملوا المزيد من أوامر القتل الصادرة لهم من قبل نظام بشار الأسد ضد شعبهم. لقد كانوا أفضل من يعلم أن نظام الأسد ما هو إلا صورة لكيان يبدو كدولة عندما ينظر المرء إليه من الخارج، وأنه نظام قتال قائم بذاته في بلدهم، كما عرفوا بأنفسهم أن شبكة استخباراتية هي التي تدير الجيش والقضاء والبلديات والمدن والشوارع في سوريا، وأن تلك الشبكة تصل حتى إلى داخل عائلاتهم. انفصلوا عن الجيش لرفضهم قتل أفراد شعبهم، لكنهم كانوا يعلمون علم يقين أنهم سيعاقبون بحجة "عصيان الأوامر"، وأن نظام الأسد لو فشل في الوصول إليهم سيتجه للنيل من زوجاتهم وأبنائهم وآبائهم وأمهاتهم المقيمين في سوريا. وهو ما حدث بالفعل؛ إذ انتقم النظام من عائلات معظمهم. هاجم الشبيحة منازلهم، فاغتصبوا نساءهم وقتلوا أبناءهم بوحشية في أسرّتهم ومهودهم.
كان نظام الأسد قد وضع جائزة قدرها 100 ألف دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عن مكان المقدم مصطفى حسين هرموش أحد مؤسسي الجيش الحر. اختطف هرموش برفقة مصطفى قسوم، أحد أفراد المعارضة، في هاتاي في أغسطس 2011 على يد 7 أشخاص كان من بينهم 3 موظفين بجهاز الاستخبارات التركية، ثم سلّما إلى نظام الأسد بعدها بشهر. وكنا سنرى صورة العقيد هرموش بعدما قتل معذبا في سجون الأسد بين 50 ألف صورة تعذيب ووحشية مسربة شاركها بعد ذلك ببضع سنوات ضابط سوري يحمل اسما حركيا "سيزار" مع وسائل الإعلام بعدما لم يتحمل أكثر ما رآه لإطلاع العالم على ما يحدث في سجون الأسد التي تحولت إلى ما يشبه مجزر ذبح الحيوانات.
اعتقل بعدها أحد موظفي جهاز الاستخبارات التركية السابقين أوندر صيغيرجيكلي أوغلو، الذي اعترف أنه خطط لعملية اختطاف المقدم هرموش وقسوم ونقلهما إلى الآخرين من أجل المساهمة، مشيرا إلى أنه إنما فعل ذلك "باسم الإنسانية"(!). لكنه خرج من السجن عام 2014 بعد حصوله على تصريح بذلك، ولم يعد بعدها أبدا. هرب بعدها من هاتاي إلى سوريا، ومعروف عنه أنه يعيش حتى هذه اللحظة في مدينة اللاذقية.
من المؤلم أن تعلموا أن أعضاء الجيش السوري الحر، الذين ينعتهم بالسوء أنصار الأسد بالملتحين والإرهابيين والراديكاليين، لأن تركيا تعارضهم، هم أكثر الأشخاص المعتدلين، أو حتى قل إن شئت العلمانيين، التي يمكن أت تراهم بين أطياف المعارضة السورية. لقد كانوا يتمتعون بثقافة الحرب النظامية لأنهم كانوا جنودا قدامى، وكانوا هم أكثر تيارات المعارضة التي حققت تقدمها في مواجهة قوات الأسد حتى نجحت حملات تشويه الجيش الحر، لدرحة أن بعض المناطق كانت تشهد أن يتصل بهم جنود النظام ليقولوا لهم "نحن إخوة ويجب علينا ألا نريق دماء بعضنا بعضا بعد الآن"، ثم يسلمون إليهم النقاط التي يسيطرون عليها. يمكنكم الوصول إلى رياض الأسد، أحد مؤسسي الجيش الحر، في هاتاي، لا يمكنكم تشويهه لأنه يتحدث العربية، دعوه يحكي لكم بالتفصيل ماذا حدث في تلك السنوات. وربما لا تصدقون، لكنه حتى ليس رجلا ملتحيا!
كانت عائلة الأسد كذلك ترى وتعلم ما يحدث. وعندما انفجرت القنابل في دمشق وهمست إيران في إذن الأسد بقولها "تركيا هي التي تقف وراء هذه الهجمات" وأضافت "تعال واقبل عرضنا بالمساعدة"، حينها فقط فتحت أبواب سوريا أمام الميليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله. وأما كل دولة دعمت المعارضة السورية فقد توصلت إلى كيان معارض مدني يتناسب مع ميولها وبدأت تدعمه، وحينها ظهرت آلاف الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا، فضعت الجيش الحر، فيما استهدف جهاز الاستخبارات أبرز قادته، فقتلوا مثلما حدث مع هرموش أو أصيبوا مثل رياض الأسعد، فيما اقترب بعضهم إلى صف الولايات المتحدة مثل سالم إدريس، وأما الباقون فوضعوا مسافة بينهم وبين الجيش الحر. وعندما بدأت الجماعات التي نتعتها الجيش الحر بـ"المتطرفين" مثل داعش وجبهة النصرة وغيرهما باكتساب القوة في ظل الفوضى القائمة، بدأت كفة نظام الأسد ترجح، ذلك النظام الذي نجح في تحويل الصورة إلى ما أراده بمساعدة من دعموه من الخارج تطوعا.
إن محاولة حزب الشعب الجمهوري وبعض الصحفيين المعارضين داخل تركيا وصف الجيش السوري الحر بـ"الإرهابي" في وقت تنفذ فيه تركيا اليوم عملية غصن الزيتون في عفرين بالتعاون مع عناصره الذي دعمتهم تركيا ودربتهم وتحركت بالتنسيق معهم في ميدان المعركة، وسعيهم لتصوير تركيا وكأنها تقدم الدعم لجبهة النصرة، ربما تكون عبارات تقليدية بالنسبة لمن لا يتذكرون ما حدث بالأمس. لكن قطع "البازل" القديمة تحكي لنا ما هو أبعد من ذلك.
إن كل من يدعى بقوله "أعارض الحكومة على سياستها في سوريا" ويزعم أنه يمارس العمل الصحفي ويوفر المواد اللازمة للحرب في سوريا يتحمل جزءا من المسؤولية عن دم كل شخص برئ يسال. فربما يكون من يواصلون هجومهم الشفهي على الجيش السوري الحر بشكل واع ومخطط، ينامون ملء جفونهم كل ليلة، وربما يكونوا هم من لم يضغط على الزناد، لكن مئات الأبرياء الذين وضعوهم كهدف للظالمين سيتعلقون برقابهم يوم القيامة، ذلك أن الله بكل شيء عليم...
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة