تدخل عسكري أم قطع الموارد أم العقاب بالجوع؟

17:0728/09/2017, Perşembe
تحديث: 28/09/2017, Perşembe
مروة شبنام أروج

لقد حول الاستفتاء الذي أجري في شمال العراق يوم 25 سبتمبر الجاري الشبح الذين كان يحوم فوقنا منذ سنوات إلى وحش حقيقي.لقد أقدموا على الخطوة الأولى، الأكثر واقعية، في طريقهم نحو تحقيق ادعاء "تأسيس الدولة الكردية المستقلة" الذي سمعناه جميعنا منذ طفولتنا. ولا شك أن كل شيء في المستقبل لن يكون كما كان في الماضي. وأستغرب كثيرا لماذا كان الجميع في تركيا تسيطر عليه حتى يوم 25 سبتمبر فكرة أن "بارزاني يراوغ ولا يمكن أن يكون جادا ويتجرأ على تنفيذ هذا الأمر"، هل لأن الجميع كان ينتكلم عن هذا الأمر كثيرا في تركيا

لقد حول الاستفتاء الذي أجري في شمال العراق يوم 25 سبتمبر الجاري الشبح الذين كان يحوم فوقنا منذ سنوات إلى وحش حقيقي.


لقد أقدموا على الخطوة الأولى، الأكثر واقعية، في طريقهم نحو تحقيق ادعاء "تأسيس الدولة الكردية المستقلة" الذي سمعناه جميعنا منذ طفولتنا. ولا شك أن كل شيء في المستقبل لن يكون كما كان في الماضي. وأستغرب كثيرا لماذا كان الجميع في تركيا تسيطر عليه حتى يوم 25 سبتمبر فكرة أن "بارزاني يراوغ ولا يمكن أن يكون جادا ويتجرأ على تنفيذ هذا الأمر"، هل لأن الجميع كان ينتكلم عن هذا الأمر كثيرا في تركيا منذ سنوات حتى تحول إلى أسطورة خرافية؟ لا أدرى حقا. هل لم يكن أحد يضع احتمالا لشيء كهذا أن يحدث بسبب أننا نخدع أنفسنا أم أننا أغرقنا أنفسنا في التفاصيل حتى صرنا عاجزين عن رؤية الصورة الكاملة؟


بيد أن كل شيء كان واضحا وضوح الشمس في كبد السماء، وإن كان يوم 25 سبتمبر قد اختير حديثا وخطوة إجراء الاستفتاء كانت خطوة جديدة. يبدو أن الصحفيين الذين يزورون أربيل ولا يخرجون من غرفة فندقهم ويجلسون في إسكان ليأكلوا اللب ويتابعون فقط حركة الناس من حولهم ولا يتحدثون معهم ولا يخطون نحو كركوك ومحمور وديالى ولا يركبون سيارة الأجرة ويتحدثون مع مواطن عادي ولا يقتربون من المقاهي، لا يعرفون ولا يرون ما يحدث في العراق وما يتحدث به الناس في الشارع. الأمر ذاته ينطبق على الدبلوماسيين ورجال الاستخبارات، لأن بما أن أنقرة تشعر اليوم وكأنها خدعت خدعة كبيرة، فهذا يعني أنها لم تتلق المعلومات اللازمة بشأن ما يحدث في شمال العراق.


لقد حدث ما حدث وأجري الاستفتاء وأقدم بارزاني على تلك الخطوة الدامية بالنسبة للمنطقة، وإن اعتقد أنها خطوة تاريخية بالنسبة له. لقد خدع تركيا التي تعتبر أقرب حلفائه الإقليميين. في الحقيقة هو لم يخدعنا فحسب، بل خدع الأمريكان أيضا. لقد قال "تريدون تأسيس دولة كردية مستقلة بدوني، أليس كذلك؟ لن تفعلوا ذلك"، وفعلها رغما عن الأمريكان الذين قالوا "انتظر، لم يحن الوقت بعد". لقد فعل بارزاني ما صمم عليه في عقله بعدما أملته عليه إسرائيل، وذلك بالرغم من اعتراضات التوقيت من واشنطن التي قالت "لنركز على مكافحة داعش" ونسقت التعاون بين البشمركة والجيش العراقي وغضت الطرف عن تقدم قوات الحشد الشعبي ومحاولة KYB وجوران إسقاط بارزاني بالرغم الذي تلقوه من إيران، وتغاضت عن اكتساب منظمة بي كا كا الإرهابية للنفوذ بل إنها استثمرت من أجل تطوير قدرات تنظيم بي يي دي الإرهابي في سوريا.


حاولت الولايات المتحدة قبل فترة قصيرة إسقاط بارزاني وتنصيب مكانه شخصية أكثر علمانية، لكنها بالرغم من ذلك أرسلت 650 فردا من القوات الخاصة إلى الإقليم لتأمين الاستفتاء، رغم كل الاعتراضات، بل إنها أعربت عن خيبة أملها من نتيجة الاستفتاء، في حين أفادت بأن علاقاتها بشمال العراق لن تتضرر، وبذلك تكون قد تكيفت سريعا مع الوضع الجديد.


عندما فهمنا أن الاستفتاء ليس خدعة، بدأنا نقول: هل سيستغل بارزاني نتيجة الاستفتاء كورقة رابحة للحصول على ما يريد من بغداد أم سيؤسس دولة كردية مستقلة حقا؟ لا يعتبر هذا الموضوع موضوع المستقبل، لكن يجب، على أي حال، القول منذ البداية بالنسبة لأولئك الذين يستعدون لخدافع أنفسهم؛ سيكسب بارزاني بعض الوقت ويراوغ، حتى إنه سيقاتل حتى يفعل ما يريد في نهاية المطاف. وإذا كان لم يتراجع إلى الوراء في حين بدأ يتلقى تصريحات شديدة ورسائل بفرض عقوبات من بغداد وطهران وأنقرة، فهذا يعني أنه مستعد للمغامرة من أجل المستقبل الصعب وأنه قد أجرى حساباته وتحالفاته. فهل لدينا حسابات وخطط طويلة الأجل؟


على سبيل المثال؛ لو حاولت بغداد التدخل عسكريا ماذا ستفعل تركيا لو أوقت واشنطن الوضع قائلة "لن يطول الأمر لهذا الحد" أو توجهت ميليشات الحشد الشعب نحو الشمال بالتزامن مع الرسائل التي تطلقها المجموعات الواقعة تحت تأثير طهران وسيطرتها في بغداد قائلة "لن نسمح بتأسيس إسرائيل جديدة في المنطقة"، واندلع قتال دام بين العرب والأكراد؟


ربما يكون هناك حلف ثلاثي قد شكل بين طهران وأنقرة وبغداد، حتى أنه ربما يكون الجنود الأتراك يجرون مناورات مشتركة مع نظرائهم العراقيين، وهناك احتمال أن تدعونا بغداد غدا لخيار عسكري، لكن أي أي مدى يمكن أن نثق بأن المسؤولين في بغداد سيظلوا وفين لتركيا في هذا الحلف الجديد بعدما أطلقوا وصف "المحتل" على القوات التركية التي دعوها بالأمس القريب إلى العراق من أجل طرد داعش، بتعليمات تلقوها، ومارسوا الضغوط حتى تغادر الأراضي العراقية؟


ولهذا من الواضح أن أنقرة ستطبق عقوبات اقتصادية وتجارية قبل الخيارات العسكرية. وكما نفهم من تصريح الرئيس التركي أردوغان عندما قال قاصدا خط أنابيب النفط "عندما نغلق المنبع الأساسي سينتهي الأمر. لن يجدوا خبز ليأكلوه في اللحظة التي تتوقف فيها الشاحنات عن التوجه نحو شمال العراق. نحن مضطرون لفرض عقوبات..."، فإن أول خطوة ستقدم عليها أنقرة ضد شمال العراق هي فرض عقوبات.


لقد أكدت في مقالي يوم الأحد وأنا أحاول توضيح لماذا تمارس تركيا هذا القدر من الضغوط على شمال العراق قبيل الاستفتاء أن الإقليم، المحروم من الموانئ البحرية، مرتبط اقتصاديا بتركيا، ونوهت إلى خط أنابيب النفط الذي يربط كركوك بمدينة يومورتاليك. وكانت خطوة إيقاف هذا الخط الذي ينقل يوميا 550 ألف برميل نفط نحو البحر المتوسط أهم ورقة بيد تركيا عندما حذرت إدارة الإقليم قبيل الاستفتاء، وربما يكون تنفيذ تلك العقوبة هي أنسب إجراء حاليا. لكن كيف يمكن أن يكون صحيحا أن نعاقب شعب الإقليم بخطوة يمكن أن تجعلهم لا يجدون من يأكلون من خبز؟


بدأنا الحديث سريعا عن معبر حدودي جديد سيفتح ليكون بدلا من معبر خابور، ونستعد لتنفيذ حصار اقتصادي على الإقليم، لكن ألم تسارع تركيا إلى نجدة قطر لمواجهة حصار دول الخليج؟ ألم نكن أكثر من عارض نظام الأسد عندما فرض حصار وجوع شعبه؟ ألم تكن القيم الإنسانية التي تؤمن بها تركيا هي السبب الأساسي في نجاحها في مقاومة الهجمات التي تتعرض لها من الداخل والخارج والشرق والغرب؟ ما الذي يفرقنا عن الظلمة إذا عاقبنا الناس بالجوع؟ ألن نكون قد أضفينا صبغة شرعية على هذا الاستفتاء الذي وصفناه بـ"غير الشرعي"؟


ثمة منطق ومقابل لإغلاق الصمامات، وربما تسفر هذه الخطوة عن نتيجة تضع إدارة الإقليم وإسرائيل في موقف حرج بعدما دعمت تلك الأخيرة الاستفتاء، ولم لا وهي تعتبر المشتري الأكبر لنفط الإقليم. لكن هل يليق بنا أن نعاقب الناس بالجوع؟ لا أعتقد ذلك.  

#عسكري