بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عنوان المقال الحالي مقتبس من عنوان الإصدار الأخير لـ "يالجن أكدوغان"، معاون رئيس الوزراء السابق والنائب في البرلمان عن "حزب العدالة التنمية".يعتبر الأستاذ "يالجن" كالشجرة المثمرة التي لا يتوقف عطاؤها في جميع المواسم وعلى مدار العام، فإلى جانب هويّته السياسيّة وعمله المتواصل في هذا السلك، لا يتوقف عطاؤه في مجال الكتابة والتأليف، ليكون بحقّ أحدَ المثقفين الذين لا تستطيع اخفاء دهشتك و استغرابك من كيفية إيجادهم الوقت الكافي للقيام بكل هذه الأعمال في آنٍ معاً.وإنّما بالرغم
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ عنوان المقال الحالي مقتبس من عنوان الإصدار الأخير لـ "يالجن أكدوغان"، معاون رئيس الوزراء السابق والنائب في البرلمان عن "حزب العدالة التنمية".
يعتبر الأستاذ "يالجن" كالشجرة المثمرة التي لا يتوقف عطاؤها في جميع المواسم وعلى مدار العام، فإلى جانب هويّته السياسيّة وعمله المتواصل في هذا السلك، لا يتوقف عطاؤه في مجال الكتابة والتأليف، ليكون بحقّ أحدَ المثقفين الذين لا تستطيع اخفاء دهشتك و استغرابك من كيفية إيجادهم الوقت الكافي للقيام بكل هذه الأعمال في آنٍ معاً.
وإنّما بالرغم من كثافة نتائجه في التأليف والكتابة، إلاّ أنّ إصداره الأخير (القيادة النبوية، والنبي محمد "عليه الصلاة والسلام")، لا يمكن أن يكون إلاّ في ذروة ما قدّمه من مؤلفات مطبوعة.
فقراءة مثل هذه الأعمال، يعتبر بلا شكّ، نعمة كبيرة، خاصة لأمثالنا اللاهثين دون توقف وراء أحداث الحياة اليومية وتطوراتها.
اليوم، وبمناسبة حلول "عيد الأضحى المبارك"،أردنا التوقف للحظة قصيرة، كمَثَلِ مَنْ توقّف فجأة بعد سباق طويل، تماماً مثلما حدث مع الأوروبيين المتفاجئين، أو كما روى "الهنود الحمر" القصة، حيث استطاعوا أن "قطعوا مسافة طويلة بالركض خلال مدة زمنيّة قياسيّة، إلى أن فَصلتْ فيما بينهم وبين أرواحهم.. مسافاتٌ طويلة..، فتوقفوا لبرهةٍ حتى تلحق بهم أرواحهم"..
يُحلّل "يالجن أكدوغان" في كتابه الذي يحمل اسم النبي "عليه الصلاة والسلام"، مفاهيم مثل "السفارة النبويّة، السلطة النبويّة، الدولة النبويّة، وحتى السّياسة والقيادة النبويتين"، مستنداً في تفصيل هذه المصطلحات على السيرة الإستثنائية للنبي "محمد" (عليه الصلاة والسلام).
ولعلّ أكثر ما قد يلفت انتباه القارئ حين اطلاعه على فحوى الكتاب ومضمونه، هو القسم الخاص بالرسائل التي بعثها النّبي إلى جميع أصقاع العالم، في الوقت بدأ فيه اسمه بالصعود شيئاً فشئياً في "الحجاز" كقائد للحضارة، فاحتوت هذه الرسائل والخطابات المحمّلة من قبل المبعوثين إلى البلدان والملوك، على معلومات ونصائح قيّمة للغاية.
"سيظهر إلى منتهى الخفّ والحافر"
كما سيكون جليّا لنا رؤية ما نسميه في وقتنا الحالي بـ "الدبلوماسية المفتوحة"، بمجرّد قراءتنا لهذه الرسائل أو حتى النصائح التي توجه بها، النبي الكريم، لحامليها إلى أصقاع الأرض.
كالرسالة التي بعثها إلى "هرقل"، إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، إحدى أكبر إمبراطوريتين وُجدتنا في ذلك الزمان، والتي نقتبس منها الجزء التالي:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد…
فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين…"
كما نجد نبيّنا الكريم يتوجه في إحدى هذه الخطابات إلى حاكم إحدى الدول المجاورة، بالشكل التالي:
"سلام على من اتبع الهدى، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر، أسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك."
يقتبس "أكدوغان" عن العالم الشهير "محمد حميد الله" قوله: لم يصلنا سوى 6 رسائل فقط من أصل مئات الخطابات والرسائل المماثلة التي أرسلها النّبي (عليه الصلاة والسلام) في زمانه.
وهو ما يعني أن أسلوب "الرسائل الدبلوماسية" كان من الأساليب النشطة في إيصال الرسالة الإلهية من "الحجاز" إلى جميع أنحاء العالم.
مبدأ العلنية والوضوح
تم فهم القصد المراد من جملة "سيظهر إلى منتهى الخفّ والحافر"، خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز الـ50 عاماً، عندما بلغ المسلمون الصين شرقاً، وسواحل المحيط الأطلسي غرباً، أي أنّها بدت عبارة مفهومة بشكل لا يصدّق من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب من العالم.
"مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ المؤرخين، بمقاييسهم الدنيويّة الحالية، لا يزالون يعانون صعوبة في استيعاب وفهم الحافز وراء التقدم الذي تم تحقيقه خلال مدة خمسين عاماً."
ويشير "أكدوغان" إلى أنّ مبدأ "العلنيّة والوضوح"، هما المبدآن الرئيسيان الذين اعتمدهما نبيّنا الكريم في الدبلوماسية وتبليغ الرسالة الإلهية.
كان يتم إرسال الرسائل وتوصيلها، كما نعلم، باليد، بحكم ظروف الحياة السائدة في ذلك الوقت، ولا بدّ لنا من التوقف هنا قليلاً لنرى الطريقة التي استطاع بها النبي الكريم أن يعزز ثقة الرسل بأنفسهم، وهم الذين يُعتبرون من طبقات فقيرة لم تغادر، طوال عمرها، أراضي "الحجاز".
وهنا مثال على كيفيّة مخاطبة النّبي الكريم للرسل والمبعوثين الذين حملوا رسائله إلى مئات القادة والمسؤولين والرؤساء حول العالم، ومن بينهم القيصر البيزنطي "هرقل"، والملك الساساني صاحب الإمبراطورية العظيمة، "كسرى" المتغطرس:
"سيحمل بعضكم رسائل دعوة الإسلام إلى القائمين بأمر بعض البلاد الأجنبية، فلا تترددوا في الذهاب، على العكس، لا تفعلوا مثلما فعل رسل عيسى حين أراد إرسالهم إلى الملوك والبلدان لإبلاغهم برسالة الله، فتردد بعضهم واختلق البعض أعذاراً بأنهم لا يجيدون لغات البلدان التي يقصدونها، فدعا "عيسى" ربّه بأن يفكّ لسانهم عنها، فاستجاب الله لدعاء "عيسى" وجعلهم للغات البلدان التي يقصدونها ناطقين".
لم أستطع أن أصرف عن ذهني، وأنا أقرأ كتاب "يالجن أكدوغان"، تلك العبارة الواردة على لسان "نقابة المحامين" في "أنقرة"، والتي كان من الواضح أن غرضها الأساسي محاولة الإساءة لرئيس الشؤون الدينية "علي آرباش".
ذلك البيان الذي بدأ بعبارة " ذلك الشخص صاحب الصوت الآتي من عصور ما قبل التاريخ"..
لكن ما تدركه في حقيقة الأمر وأنت تقرأ كتاب "أكدوغان"، هو مدى ما تلامسه تلك الرسائل الخالدة، القادمة من عصور ما قبل التاريخ… لما نعيشه في عصرنا الراهن..
أضحى مبارك..