نشر ترامب مجددا تغريدة على تويتر في الثانية بعد منتصف الليل ليقلب الدنيا رأسا على عقب. وكان المرة الماضية قد أيقظ العالم أجمع من نومه عندما قال "سننسحب من سوريا". وها هو اليوم يخلط الأورق مرة أخرى بتهديده الصريح لتركيا.
ليس من الواضح إذا كان الرجل رئيس الولايات المتحدة أم أحد العناصر المجندة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن ثمة حقيقة لا غبار عليها مفادها أن الرجل يتحكم بأقوى جيش واقتصاد في العالم. ولهذا فإن الدول جميعا، وليست تركيا فقط، تنتظرها أيام عصيبة.
يقابل من يحللون تصريحات ترامب شيئين اثنين:
الشعبوية والتجارة (التبادل السياسي والاقتصادي).
ولا يمكن بأي حال أن نتوقع شيئا آخر من ترامب رجل التجارة والاستعراض. فبسبب سماته الشخصية وغروره الشديد وميله للشعبوية انقلبت كل الموازين داخل الولايات المتحدة وحول العالم.
وأود تذكير من يعتقدون أن هذا الأمر يعتبر نقطة سلبية للغاية بأن له جانب إيجابي، فالأهم هو كيف سنستغل هذا الأمر.
إن هذه المسألة هي التي تقف أمامنا مباشرة بخصوص الانسحاب من سوريا. ولو جاء ردنا على شعبوية ترامب بأسلوب شعبوي مماثل فلن نحقق أي مكسب. فالحماس لا يكسب المرء سوى "رغاوي الصابون"، وأما الاستراتيجية فتكسبه أفضلية دائمة.
والآن اسمحوا لي بسرد نقاط حول معايير الاستراتيجية التي يجب تبنيها في هذا الصدد:
1. من الخطأ أن نفكر في كل خطوة تتخذها الولايات المتحدة أنها تتخذ من تركيا مركزًا لها. ذلك أن أمريكا تعاني الكثير من المشاكل الداخلية والمتعلقة بالصين وروسيا لدرجة تجعل تركيا في كثير من الأحيان لا تخطر على بالها من الأساس.
2. علاقة ترامب بوزارة الدفاع (بنتاغون) والقيادة المركزية (CENTCOM) متوترة للغاية هذه الأيام. ولقد كان سبب قراره بالانسحاب من سوريا رغبته في توجيه صفعة قوية للمؤسسة العسكرية. وهو ما كان أشبه باللكمة! ومن الخطأ والحماس الزائد أن نعتقد أن نثمن هذا القرار في صورة أن "تركيا أجبرت ترامب على التراجع خطوة للخلف". بيد أنّ علينا أن نركز على كيف يمكن أن نستغل التوتر القائم بين ترامب والبنتاغون.
3. ينتقد الإعلام الأمريكي قرار الانسحاب من سوريا، وينشر أخبارًا تنتقد تركيا فيما يتعلق بالأكراد. والسبب في ذلك هو حالة الخلاف بين ترامب والإعلام المركزي وليس عداوة تركيا التي كانت وسائل الإعلام الأمريكية قد مدحتها بشأن جريمة خاشقجي، فيما مارست ضغوطًا على ترامب. ولهذا علينا أن نفكر جيدًا كيف يمكننا استغلال الخلاف بين ترامب والإعلام المركزي في الولايات المتحدة لصالحنا.
4. من الخطأ النظر إلى حكومة الولايات المتحدة ككيان واحد. فالولايات المتحدة تشهد صراعًا داخليًّا شديدًا. ثمة حرب قوى غير عادية بين المؤسسات ورؤوس الأموال والبؤر السياسية والجماعات الدينية. وهو ما يعتبر ميزة إيجابية بالنسبة لنا. فجميعهم أصدقاء وخصماء محتملون. فعلينا أن نركز كيف يمكن أن نستغل هذا الصراع بين القوى.
5. إن أكبر صراع تعيشه الولايات المتحدة هو صراعها مع الصين؛ إذ إن كل الخطوات الدولية التي تقدم عليها واشنطن موجهة ضد بكين وتضعها في حسبانها. فيما تأتي روسيا في المقام الثاني. ولهذا علينا ألا نعتقد أن كل هذا إنما فعل ضدنا. فليس هناك أي فائدة من أن نتسبب في أن نسحق أنفسنا بين تلك القوى، بل علينا أن نفكر جيدا كيف يمكن أن نخرج من هذا الصراع بين تلك القوى دون خسائر بل ونحقق الفائدة لبلدنا.
6. سنتعرض للضرر على مستوى العلاقات الدولية بقدر الفجوة بين الخطابات الشفهية والخطوات العملية. ولهذا علينا أن ندرك حجم قوتنا ونحدد وفقا لذلك ما يمكننا فعله ونطور خطابا يتناسب مع هذه المعطيات. أعلم أننا أمام انتخابات، غير أن السياسة الدولية لا تتحرك وفق سياستنا الداخلية.
7. علينا وضع كل هذه النقاط في الحسبان والإعداد لاستراتيجية دائمة وبعيدة المدى للتعاطي مع قضايا السياسة الدولية بوجع عام والشرق الأوسط والملف السوري بشكل خاص. علينا التحرك وخوض حملاتنا وفق هذه الاستراتيجيات الجمعية، وإلا سنصبح شغوفين كل يوم عندما نستيقظ في الصباح بالتغريدة التي نشرها ترامب لنصير مدمنين لمواقع التواصل الاجتماعي.
8. علينا الاعتراف بأننا لم نوضح جيدا لإدارة ترامب أن "الأكراد شيء وبي كا كا/ب ي د شيء آخر" بعدما أخذ يخلط بين الاثنين. كما ينبغي لنا أن نشرح جيدا هذه النقطة للرأي العام الأمريكي ومراكز القوى المختلفة وأصحاب القرار السياسي داخل الولايات المتحدة نفسها. وحينها سنجد إمكانية التأثير في ترامب وإدارته التي تميل للشعبوية.
أنا واثق من أن من يديرون بلدنا لديهم المزيد من المعلومات والبيانات. فما هو عذرنا كي لا نستغل هذه المعلومات لنفرز استراتيجية صحية؟ فأنا لم أجد حجة لهذا الأمر مطلقا.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة