يني شفق

مهما تعددت الانقلابات لا مناص من الثورة

05:1027/06/2025, الجمعة
تحديث: 27/06/2025, الجمعة
ياسين اكتاي

لقد مضت تسع سنوات على آخر انقلاب في تاريخنا الحديث، ذلك الانقلاب الذي مهّد الطريق إلى ثورة تجسّدت في يوم 16 تموز/يوليو، حين أثبت الشعب التركي وجوده كأمّة تمتلك دولة. وفي الواقع، يمكننا القول، إنه حتى 15 تموز، لم تكن لهذه الأمة دولة؛ بل على العكس، كان هناك شعب ومجتمع تمتلكه الدولة، لكنه لم يكن يتمتع بصفة "الأمة". في 15 تموز، وللمرة الأولى في تاريخ الانقلابات، دافعت الأمة عن إرادتها ضد الانقلابات. ومن خلال دفاعها المستميت ضد الإطاحة بالحكومة التي انتخبتها، لم تنقذ الأمة دولة كانت تملكها بالفعل، بل

لقد مضت تسع سنوات على آخر انقلاب في تاريخنا الحديث، ذلك الانقلاب الذي مهّد الطريق إلى ثورة تجسّدت في يوم 16 تموز/يوليو، حين أثبت الشعب التركي وجوده كأمّة تمتلك دولة. وفي الواقع، يمكننا القول، إنه حتى 15 تموز، لم تكن لهذه الأمة دولة؛ بل على العكس، كان هناك شعب ومجتمع تمتلكه الدولة، لكنه لم يكن يتمتع بصفة "الأمة".

في 15 تموز، وللمرة الأولى في تاريخ الانقلابات، دافعت الأمة عن إرادتها ضد الانقلابات. ومن خلال دفاعها المستميت ضد الإطاحة بالحكومة التي انتخبتها، لم تنقذ الأمة دولة كانت تملكها بالفعل، بل أثبتت أهليتها وجدارتها لامتلاك دولة.

وحتى ذلك الحين، كانت مراكز القوى التي تدير تركيا قد رسّخت سلطتها عبر طبقات عسكرية وبيروقراطية وأوليغارشية، وكانت الانقلابات أشبه بأداة لضبط التوازن وإعادة "تنظيم" الشعب حين يخرج عن السيطرة على مسرح الديمقراطية. وهذا التقليد في الحقيقة لم يبدأ مع انقلاب 27 أيار/مايو كما يُشاع، بل إن جذوره تعود إلى عام 1909، وقد شكّل منذ ذلك الحين وسيلةً لاستمرار نظام السلطة المعتاد في تركيا.


دولة مسروقة من شعبها في تركيا

إن الانقلابات في تركيا لم تكن نتيجة صراع داخلي تقليدي على السلطة فحسب، بل شكّلت في الوقت ذاته أداةً للتدخل الإمبريالي، ووسيلة لضبط التوازن السياسي وفق مصالح خارجية، فُرضت على تركيا بعد الحرب العالمية الأولى. لقد كانت تركيا تعيش في ظل دولة مسروقة من شعبها؛ دولة تُطبّق سياسات لا تمتّ بصلة لروح الأمة، ولا لعقيدتها، ولا لهويتها، ولم يكن من بين أجنداتها الولاء لهذه الأمة. بل على العكس، عملت كحارس على بوابة المصالح الإمبريالية، تسعى إلى تطويع الأمة وفق قوالب محددة تخدم تلك المصالح. لقد حاولت هذه الدولة أن تعزل تركيا عن هويتها وثقافتها وتاريخها وجوهرها، وفرضت عليها بالقوة هوية وثقافة وأسلوب حياة أعدائها التاريخيين، الذين حاربتهم لقرون. إن فهم هذه السياسة الجسدية القسرية التي جعلت تركيا غريبة عن ذاتها، لا يمكن أن يتم دون تحليل السياق الإمبريالي

طوال 30 عامًا من فترة الحزب الواحد، طُبقت جميع السياسات "رغمًا عن الشعب" دون إجراء أي انتخابات. لقد كان الادعاء بأن هذه السياسات تصبّ في مصلحة الشعب مجرد حجة بسيطة وماكرة لفرض سلطة منفّذيها. فلم يُراعَ في أي من هذه السياسات أدنى قدر من الخير أو الرحمة أو فهم الشعب. بل على العكس، تعرض الشعب للإهانة والاضطهاد والإيذاء، وللعقاب القاسي في كثير من الأحيان لأن هذه السياسات لم تكن منبثقة من وجدان الناس ولا من رحم المجتمع، ولم تكن تهدف حقًا إلى خدمة الشعب ونفعه. ولا يمكن تفسير منطق إذلال الشعب أمام الأمم التي حاربها لقرون ومحاولة تشبيهه بأعدائه إلا من منظور الاحتلال والإمبريالية.


طبيعة الانقلابات الاستعمارية

في الواقع، منذ انقلاب 27 مايو، ارتبطت تقريبًا جميع الانقلابات في تركيا بنفس المصالح والتوجهات الإمبريالية. فقد كانت علاقات جميع ضباط انقلاب 27 مايو بالولايات المتحدة وثيقة، حيث تولّوا إدارة البلاد بعد الانقلاب بدعم مباشر من الولايات المتحدة، وتعهدوا بحكمها كمستعمرة أمريكية، وهو نمط سياسي لم يكن غريبًا عليهم. وقد كشف رئيس الوزراء السابق بولنت أجاويد لاحقًا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) كانت تدفع رواتب جهاز الاستخبارات التركي لفترة طويلة. ولم تكن تحية الانقلابيين فور الانقلاب لحلف الناتو والولايات المتحدة مجرد مجاملة دبلوماسية عابرة، بل كانت تأكيدًا على ولائهم. ولم يكن يعنيهم أبدا مساءلة الشعب أو إثبات شيء له أو تبرير ما ارتكبوه في حقه

وبعد انقلاب 12 مارس وانقلاب 12 سبتمبر، كان عنوان انقلاب 28 فبراير "ما بعد الحداثة" واضحًا أيضًا: "الغرب". إذ كان مركز القيادة هو "مجموعة العمل الغربية". لقد فرض هؤلاء على أبناء وطننا هوية الإمبريالية الغربية ونمط حياتها بالقوة، دون أدنى احترام أو مجاملة لهذا الشعب. فهم لم يكونوا يومًا جزءًا من هذه الأمة ولا من هذا الوطن. لقد حولهم حربهم المعلنة على جميع قيم هذه الأمة إلى عملاء لأعداء محتلين ضد هذا الشعب.

إن انتماء منفذي انقلاب 15 تموز/يوليو إلى جماعة دينية في الظاهر، لم يكن سوى دليل على قدرة الانقلابيين غير الوطنيين على التلون والمراوغة. ولم يكن ولاء هؤلاء الانقلابيين النهائي لهذا الشعب أبدًا. وحتى شعار بيان الانقلاب "السلام في الوطن، السلام في العالم" لم تكن إلا شيفرة ولاء للإمبريالية. ألم تُلزم تركيا بالتمسك بهذه العبارة لعقود ضمن الحدود التي رسمها لها الاستعمار الذي أسقط الدولة العثمانية؟


الانقلابات ضد الربيع العربي و15 تموز

لقد أظهرت الأحداث التي عصفت بالعالم في السنوات التسع الأخيرة حجم التحوّل الذي شهدته تركيا، كأمة ذات دولة. فتركيا بلد لا ينحصر في الحدود المرسومة له أو المُحاصر فيها. ولمن كلّما سعت إلى استعادة حدودها الطبيعية، اصطدمت بقوى داخلية وخارجية تعمل على كبحها، وترهيبها، وإرهاقها.

لقد كانت محاولة انقلاب 15 تموز الفاشلة خطوة تهدف إلى تضييق المجال الجغرافي والروحي الذي تحرّكت فيه تركيا من جديد بعد الربيع العربي. لقد قُمعت الثورات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا خلال الربيع العربي بانقلابات مضادة. وكانت تركيا هي الدولة الوحيدة التي ألهمت تلك الدول وشجعتها بوجودها وانفتاحها. وهذا كان يعني زعزعة النظام الإمبريالي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الأولى واستمر بسلاسة منذ ذلك الحين. وبالفعل، أُعيدت تلك الدول إلى مسارها القديم في غضون فترة قصيرة عبر الانقلابات. وفي تلك الأثناء، جرت محاولات لتجفيف منبع الإلهام في تركيا عبر أحداث "جيزي"، تلاها الانقلاب القضائي في 17-25 كانون الأول/ديسمبر. وعندما لم تسفر هذه المحاولات عن نتائج، جرى تنفيذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 تموز. لكنهم واجهوا صحوة الشعب ونهوضه بفضل القيادة الاستثنائية لأردوغان.

ومنذ ذلك اليوم، وعلى مدار تسع سنوات، واصلت تركيا صعودها بوصفها الدولة الوحيدة المستقلة بحق في المنطقة. لم يكن التقدّم الذي أحرزته في ميادين الصناعات الدفاعية، والأمن، والسياسة الخارجية مجرد تطور عابر، بل قصة انتزاعها السيادة، وبناء دولة تعبّر عن إرادة الأمة. واليوم، بفضل هذه الرؤية، أصبح من الممكن تحقيق مشروع "تركيا خالية من الإرهاب".

وفي ديسمبر الماضي، اكتملت الثورة في سوريا وانضمت إلى ثورة 16 تموز.

وإن نضال الأبطال في غزة، الذين هم بمثابة "القوات الوطنية" ينبغي أن يدرج ضمن ثورة 16 تموز. فغزة ستلتحم في النهاية بنفس الروح، بروح الصحوة والمقاومة. لقد حدث عكس ما كان مخططًا له في 15 تموز. تمامًا كما يحدث عكس ما هو مخطط له اليوم في سوريا وأفغانستان وغزة. {ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.}


#انقلاب
#ثورة
#15تموز
#تركيا
#تنظيم غولن الإرهابي
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية