يني شفق

هل وصلت الحرب الباردة بين إيران والولايات المتحدة إلى نهايتها؟

05:4716/06/2025, الإثنين
تحديث: 16/06/2025, الإثنين
ياسين اكتاي

لأول مرة في تاريخ إيران منذ تأسيسها نشهد اليوم دخولها في حرب حقيقية مع إسرائيل، لقد بنى النظام الإيراني وجوده منذ نشأته على العداء للولايات المتحدة وإسرائيل. وبالطبع، فإن هذا العداء الذي امتد عبر ذلك التاريخ لم يكن من طرف واحد. فكل الخطابات الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط كانت قائمة على اعتبار إيران تهديدًا. أما الخطابات الإسرائيلية التي رأت في إيران تهديداً وعدواً، فكانت أكثر حدة. ولكن رغم تصاعد هذا الخطاب العدائي، فإن غياب أي مواجهة حقيقية بين الطرفين حتى اليوم، بل وتطبيق السياسات المتبادلة

لأول مرة في تاريخ إيران منذ تأسيسها نشهد اليوم دخولها في حرب حقيقية مع إسرائيل، لقد بنى النظام الإيراني وجوده منذ نشأته على العداء للولايات المتحدة وإسرائيل. وبالطبع، فإن هذا العداء الذي امتد عبر ذلك التاريخ لم يكن من طرف واحد. فكل الخطابات الأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط كانت قائمة على اعتبار إيران تهديدًا.

أما الخطابات الإسرائيلية التي رأت في إيران تهديداً وعدواً، فكانت أكثر حدة. ولكن رغم تصاعد هذا الخطاب العدائي، فإن غياب أي مواجهة حقيقية بين الطرفين حتى اليوم، بل وتطبيق السياسات المتبادلة أحيانًا بشكل يخدم مصالح الطرفين، أثار العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا العداء. فعلى سبيل المثال، بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي كلّف الولايات المتحدة تريليوني دولار وآلاف الجنود، سُلِّم العراق لإيران على طبق من ذهب. ولسنوات طويلة استمرت إيران والولايات المتحدة في التعايش معًا في العراق دون الإضرار بمصالح بعضهما البعض.

وتكرّر المشهد ذاته في سوريا؛ فرغم أن إيران كانت حاضرة بكل قواها في الميدان السوري، دخلت الولايات المتحدة إلى الساحة هناك بحجة إسقاط النظام، ولكن طوال اثني عشر عامًا لم يحدث بينهما أي اشتباك مباشر، بل استمرتا في التعايش كشريكين في الاحتلال في وئام تام.

ورغم الخطابات المتطرفة والراديكالية من كلا الجانبين، كانت العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل والاعتراف الضمني، أشبه ما تكون بتكرار سيء للنظام العالمي في سنوات الحرب الباردة. في الواقع، تحولت ظروف الحرب الباردة العدائية إلى سياسة عملية يستفيد منها الطرفان بشكل متبادل. فكان عداء إيران ذريعة عملية لإسرائيل لجذب المساعدات ودعم أمريكي وأوروبي غير محدودين.

كما أن التهديد الإيراني لدول الخليج ضَمِن للولايات المتحدة السيطرة على تلك الدول، واستمرار مبيعات الأسلحة، وسحبها إلى مسار التطبيع مع إسرائيل. أما بالنسبة لإيران، فإن إبقاء الولايات المتحدة لإيران كعدو مفيد على مستوى الحرب الباردة، وعدم الدخول معها في حرب فعلية، كان يخدم إيران من نواحٍ عدة، أهمها تعزيز نظامها داخلياً وضمان استمراره، والتغاضي عن سياساتها التوسعية في الشرق الأوسط.

وبالنسبة للولايات المتحدة، تقوم السياسة في الشرق الأوسط على توازن رباعي الأركان، أحد أضلاعه هو هذه "الحرب الباردة"، إن الحفاظ على هذا التوازن الذي يبدو فوضويًا يمكّن واشنطن من الحفاظ على الوضع القائم في المنطقة، وضمان خروجها رابحة في جميع الأحوال. ويتطلب استمرار هذا التوازن، الذي ترعاه الولايات المتحدة بين إسرائيل ودول الخليج وإيران وتركيا الحفاظ على مستوى معين من القوة والنفوذ لهذه الدول. وبالطبع، قد يتعارض الظهور كجزء من توازن طرف آخر، خاصة الولايات المتحدة، مع مشاعرنا الوطنية، لكننا نتحدث عن توازن في سياق السياسة الخارجية الأمريكية. ولا شك أن لكل من تركيا وإيران وإسرائيل طرقها الخاصة في فهم هذا التوازن، والتعامل معه، وإعادة تشكيله بما يخدم مصالحها، ولكن لن نخوض في ذلك الآن.

إلا أننا اليوم أمام مشهد مختلف يشير بوضوح إلى أن هذا التوازن بات على وشك الانهيار. فها نحن نشهد للمرة الأولى اندلاع حرب حقيقية بين إيران وإسرائيل، حيث تحولت الحرب من احتمال مستبعَد يُعتقد باستحالته إلى واقع ملموس. ورغم تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ينفي تورط بلاده في هذه الحرب، فإن تصريحاته الأخرى، والدعم الفعلي الذي قُدّم لإسرائيل، يُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة طرف في هذا النزاع. بل إن دعوة إيران في بداية الحرب إلى العودة إلى الاتفاق النووي، تُعدّ اعترافًا ضمنيًا بأن إسرائيل تتحرّك بالوكالة عن واشنطن.

غير أن هذه الحرب التي انطلقت، بدأت تُظهر المخاوف والاعتبارات التي كانت تحول دون اندلاعها في الماضي. لقد تحوّلت التوقعات والهواجس والسيناريوهات المرعبة إلى وقائع ملموسة. نعم لقد اعتدنا رؤية العدوان الإسرائيلي في أبشع صوره وأكثرها وقاحة. لكننا اليوم، ولأول مرة، نرى مؤشرات حقيقية لما يمكن أن تفعله إيران في مواجهة هذا العدوان. فقوة إيران الرادعة التي لم تُظهرها أبدًا رغم كل ما تعرضت له من هجمات، بدأت الآن في الظهور كمفاجأة غير متوقعة.

وما يجعل هذه التطورات مفاجئة هو أن إيران رغم تعرضها في السنوات الأخيرة لسلسلة من الهجمات الأميركية والإسرائيلية، لم تتجاوز في ردودها حدود التصريحات، مما ولّد خيبة أمل كبيرة بشأن قدراتها الحقيقية. إلا أن الصواريخ التي ضربت تل أبيب وحيفا وعددًا من المدن الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، وما أحدثته من دمار، أثبتت أن إيران ليست مكتوفة الأيدي.

والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن طهران لم تعد تملك خياراً سوى إظهار قوتها الحقيقية أمام إسرائيل في هذه المرحلة. فالفشل في إبراز القدرة الردعية القصوى يعني في النهاية الاستسلام، وهذا يعني سقوط النظام في الداخل. وبهذا لم يقتصر تأثير الحرب التي أشعلها العدوان الإسرائيلي على قلب موازين القوى الأمريكية في الشرق الأوسط فحسب، بل أجبر إيران أيضاً على خوض معركة مصيرية بكامل إمكانياتها، مما يطرح سؤلا في غاية الأهمية: إلى أي مدى يمكن لإسرائيل أن تصمد في مثل هذه الحرب؟

لا شك أن هذه الحرب في مرحلتها الحالية تحمل في طياتها تداعيات لن تقتصر على إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية فحسب، بل ستمتد لتشمل التوازنات العالمية، بدءاً من الولايات المتحدة.

واللافت أن هذه المغامرة التي يخوضها نتنياهو بدافع البقاء في السلطة وتجاوز المأزق الذي يعانيه في غزة، سيكون الخاسر الأكبر فيها هو المصالح الأميركية نفسها. إذ يبدو أن ترامب، الذي وعد في حملته الانتخابية الثانية بأنه سيتّبع مبدأ "أميركا أولاً" حتى في ما يتعلق بإسرائيل، لم يلبث أن عاد سريعًا إلى نهج "إسرائيل أولاً"، في انتكاسة مأساوية للولايات المتحدة.

أما بريطانيا وفرنسا، اللتين كادتا تتخليان عن إسرائيل بسبب سياساتها الإبادية في غزة، وجدناهما اليوم تتخليان بسهولة عن تحفظاتهما بشأن الجرائم ضد الإنسانية حين باتت المواجهة مع إيران.

إن التهديد الحقيقي للبشرية اليوم يتمثل في إسرائيل بجرائمها اللا إنسانية الموثقة وسياساتها الإبادية وعدوانها الممنهج، وليس في إيران. ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، عاجزون عن رؤية هذا التهديد لقربهم الشديد من الجاني.


#الحرب الباردة
#إيران
#أمريكا
#إسرائيل
#الشرق الأوسط
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية