إنّ تعامل دولة الإمارات مع أيّ تطور للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، على أنه تهديد موجّه لها، يدفعها نحو تبنّي سياسة تقوم على المؤامرات، وتدعم وتنظّم الانقلابات في كل مكان. كذلك الأمر دعمها الذي لا يخفى للإرهاب عبر آلة الأكاذيب وأعمال العنف، هو جزء لا يتجرأ من سياسة المؤامرات التي تنتهجها.
ومن المفارقة أن تقوم الإمارات بتصنيف القوى الديمقراطية بـ "الإرهاب"، وفي الوقت ذاته تقوم بارتكاب الجرائم التي تتهمهم بسببها بالإرهاب، ثم تقوم بلصقها بهم، وما ذلك إلا نتيجة أيضًا لسياسة المؤامرات التي تنتهجها.
ولذلك السبب نجدها بينما تقوم بدعم تنظيم الشباب في الصومال، وغيرها من تنظيمات إرهابية في سوريا، تقوم بالمقابل بمحاربة الحوثيين في اليمن، وفي الوقت ذاته تتفق معهم من تحت الطاولة، في خيانة صريحة سواء لحليفتها السعودية، أو للحكومة اليمنية الشرعية التي تزعم أنها تدعمها.
أما في ليبيا، فإنها تصف ممثلي الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، بـ الإرهابيين، محاولة منها لتبرير دعمها للانقلابي حفتر. وبالمناسبة لمن لا يعلم؛ فإنّ من يقاتل في صفوف حفتر هم عبارة عن قسم من "المداخلة" التكفيريين، إلى جانب مرتزقة تجلبهم الإمارات من السودان وإفريقيا، لمحاربة الحكومة الشرعية الليبية.
لا شك أن ما تمارسه وتقترفه الإمارات من جرائم يزداد وضوحًا أمام الجميع يومًا بعد يوم، وفي الوقت ذاته بات من الواضح أنها تتخذ من تركيا هدفًا مباشرًا. وما سبب ذلك إلا لأنّ تركيا قد تحولت إلى كابوس مخيف أمام الإمارات، حيث هي النموذج الأفضل في المنطقة من حيث تمثيل الديمقراطية، بشكل يجعلها نموذجًا تحتذي به الشعوب العربية، وهو ما تخشاه الإمارات. بيد أنّ تركيا في واقع الأمر ليس همّها أن تكون نموذجًا لهذا أو ذاك، بل إنها تطبّق الديمقراطية وتريديها لأنها تعتبر شعبها جديرًا بذلك. المشكلة في الإمارات ذاتها، حيث تعتبر الديمقراطية كابوسًا وشبحًا مخيفًا، وما قصَدَه وزير خارجيتها قرقاش بـ"الإخوان"، هو الديمقراطية وليس الإخوان بعينهم. لا يعتبر الإخوان هاجسًا بالنسبة للإمارات، بل الديمقراطية. وإذا كان على الإمارات فعل شيء جيد لصالحها، عليها أولًا القضاء على هذا الخوف والفوبيا من الديمقراطية.
لقد ذكرنا في المقال السابق أن بعضًا من جرائم الإمارات التي اقترفتها بسبب هواجسها الخاصة، بدأت تقترب من المحاسبة، من خلال دفتر الحسابات التي فتحتها المحامية غولدان سونماز. لقد قامت سونماز منذ فترة من الوقت، برفقة ثلة من المحامين في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بتقديم شكوى للمحكمة الجنائية الدولية ضدّ محمد بن زايد ومحمد بن دحلان، بشأن الجرائم التي ارتكباها في اليمن. ولا تزال دعوى قضائية بشأن ذلك أيضًا مستمرة في بريطانيا.
كما قامت في الأسبوع الماضي، المحامية سونماز إلى جانب المحامي متا غينجر، برفع شكوى للفريق المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة، بشأن جرائم الإمارات التي مارستها بحق رجل الأعمال التركي محمد علي أوزتورك، وزوجته السيدة أمينة أوزتورك.
حينما كان أوزتورك في زيارة إلى دبي في 20 فبراير/شباط 2018 للمشاركة في معرض للأغذية، تعرض من داخل الفندق الذي كان يقيم به في دبي للاعقتال على يد فريق أمنيّ، حيث قام الفريق بوضع شُوال برأس أوزتورك، ومن ثمّ اقتادوه نحو مكان مجهول في الصحراء، وقاموا باستجوابه تحت أقسى أنواع التعذيب، ليجبروه في النهاية تحت الإكراه والتعذيب على الاعتراف بأشياء لم يفعلها.
وعلى الرغم من عدم وجود أيّ أدلة تثبت قيامه بجريمة أو انتهاك ما، فإنّ الإمارات حكمت عليه بالسجن المؤبد، بناء على اعترافاته التي قدّمها تحت الإكراه والتعذيب، وبناء على تهم ملفقة وهي بكلّ الأحوال لا تعني الإمارات، دون أن يتمّ منحه حق الدفاع عن النفس على وجه عادل، أو حتى الاستعانة بمترجم على الأقل.
لقد تعرض أوزتورك لشتى أنواع التعذيب، لا سيما حين استجوابه؛ حيث تم وضعه في ماء بارد، وقد ربطوا حديدًا فوق ظهره، وذراعاه نحو الأسفل وهو بوضعية الركوع، ليبقى ثلاثة أيام على هذه الحالة دون أن يتمّ السماح له بالنوم. وحينما كان يؤول للسقوط من شدة التعب والإنهاك، كانوا يصبّون الماء البارد فوقه ويضربونه بكل قسوة. وعلى الرغم من أنه أصيب أكثر من مرة بشلل دماغي فقد كانوا لا يتوقفون عن ضرب رأسه ولكمه بشكل متواصل. لقد وضعوا شيئًا مثل المنشفة على رأسه وحاولوا خنقه من خلال إغداق الماء من فمه بعد فتحه بقوة، وقد أغمي عليه عدة مرات جرّاء ذلك بسبب قدم قدرته على التنفّس. تعمّدوا احتجازه في مكان بارد، وفي زنزانة صغيرة لفترة طويلة، دون طعام وشراب، كما قاموا بحقنه عبر يديه ورجليه بينما كان مقيدًا دون أن يدري ما الذي يفعلونه به.
لقد تعرض لجميع هذه الأصناف من التعذيب طيلة 52 يومًا بشكل متواصل منذ أول يوم من احتجازه. تعرض للضرب والإهانة والتعنيف بشكل مستمر. وحينما كان يؤول للسقوط كانوا يضعون قطع ثلج فوق جسده كي ينهض من جديد، وبعد صعوبة بالغة ودعاء كان يتمكن من النهوض على قدميه. ومن الطبيعي أن يخسر 25 كيلو غرامًا مرة واحدة جراء هذه المرحلة.
إلى جانب كل هذا التعذيب، حينما كان يرفض أوزتورك قول شيء ضدّ تركيا، كانوا يزيدون تعذيبه أضعافًا، وحينما كان يصرّ على رفض ذلك كانوا يبتزونه بابنه عبد الله الذي يدرس في الولايات المتحدة، كانوا يعرضون صور ابنه عليه مرارًا، يلتقطون صوره وهو داخل إلى البيت وخارج منه، كانوا يهدّدونه بقتل ابنه إذا واصل إصراره على عدم قول شيء. وإلى جانب ذلك فقد تعرض ابنه عبد الله أوزتورك إلى مضايقة من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" في الولايات المتحدة، حيث داهموا منزله هناك أكثر من مرة وحققوا معه، ومنعوا ذهابه إلى تركيا فترة من الزمن.
تعتبر هذه النقطة غاية في الأهمية، لأنها تؤكد مشاركة الولايات المتحدة في تعذيب وانتهاك حقوق إنسان بغير حق. ولقد تمّ بالفعل استجوابه وتعذيبه بسبب تعليقات ومنشورات مناهضة للولايات المتحدة، شاركها على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي. لقد كان من الواضح أنّ الإمارات كانت تشارك الولايات المتحدة بمعلومات ووثائق استخباراتية. لكن لو نظرنا إلى منشورات أوزتورك المناهضة للولايات المتحدة، فما هي إلا انتقادات لدعمها الصريح لتنظيم "ي ب ك/ بي كاكا" الإرهابي في سوريا، وأنّ الأسلحة التي تدعم بها الولايات المتحدة هذا التنظيم، تتسبب بقتل الأبرياء المدنيين، وما شابه من انتقادات تحكي الواقع.
حينما سيق أوزتورك للمرة الأولى لمكتب الادعاء العام في الإمارات، أكد أنه يتعرض للتعذيب المستمر، لكن مع ذلك لم يتغير أي شيء. بل إن المدعي العام أخبر أوزتورك أن القنصلية الأمريكية في إسطنبول مهتمة بجمع المعلومات عنه بشكل كبير، وأنها قامت بالفعل بجمع المعلومات عنه وعن حياته في تركيا، وأن القنصلية الأمريكية شاركت هذه المعلومات مع الإمارات، بل وأرسلتها على شكل وثائق أيضًا.
في نهاية المطاف، حينما رفض أوزتورك قبول الأمر والاعتراف أمام الادعاء العام وأمام الكاميرا، تمّ تحويله إلى المحكمة، ومن خلال محاكمة صورية لا قيمة لها حكمت السلطات الإماراتية عليه بالسجن المؤبد، بتهمة دعم الإرهاب.
بقي أوزتورك عقب ذلك سنة كاملة مسجونًا في زنزانة، ليتم نقله بعد ذلك إلى سجن الوثبة حيث تعرض هناك لسوء المعاملة والتعذيب من جديد. وخلال الشكوى المرفوعة ضد الإمارات بشأن أوزتورك، تم تسليط الضوء على أنّ أوزتورك مسجون في سجن "الوثبة" الإماراتي، في ظروف صعبة للغاية، وأن هذا السجن بالتحديد كان واردًا في أكثر من شكوى بسبب أوضاعه التي لا تناسب الإنسان وحقوقه العادية.
لا تتوقف الإمارات في الحقيقة عن ارتكاب الجرائم والانتهاكات بشكل ممنهج، وهي اليوم أمام عدد كبير للغاية من الشكاوي والقضايا بسبب ذلك في أروقة الأمم المتحدة. وحسب العديد من تلك القضايا، فإن الإمارات متهمة باعتقال مواطنين أجانب والزج بهم في معتقلات مجهولة، واستجوابهم تحت شتى طرق وأصناف التعذيب، وتغييبهم بالكامل عن العالم الخارجي.
من الواضح ومما لا لبس فيه، أنّ الإمارات ترتكب جرائم خطيرة للغاية ضد الإنسانية، إلا أنّ اللافت هنا في الجرائم والانتهاكات ضدّ أوزتورك، هو أنّ القنصلية الأمريكية في إسطنبول كانت شريكة للإمارات. ولذلك السبب فإنّ محاميّي أوزتورك لن يكتفوا بالإمارات وحدها، بل كذلك ضمّنوا القنصلية الأمريكية بإسطنبول، ضمن دفتر الحسابات الذي فتحوه ضد الطرفين على حد سواء.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة