وصلنا إلى اليوم الثامن لاختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وأصبح أمامنا عدة سيناريوهات مختلفة حول احتمالية ما يمكن أن يكون قد تعرض له الرجل خلال هذه المدة؛ فتمّ التأكيد على بعضها وفشل التأكيد على البعض الآخر. كما وصل بعضها الآخر إلى أقصى الحدود التي يمكن أن تصل إليها قوة تخيل العقل البشري.
كما أفادت بعض الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام نقلًا عن مسؤولين أمنيين بأنه قتل بطريقة وحشية، بيد أنّ هذه الأخبار لم يؤكد صحتها أو ينفيها أي من الجهات الرسمية حتى هذه اللحظة.
ومن ناحية أخرى لا يزال أجهزة الاستخبارات والأمن والنيابة العامة في إسطنبول تدير التحقيق في الواقعة بدقة وسرية تامة لتقدم في أقرب فرصة الاستنتاجات التي توصلت إليها بوصفها "معلومات" تحمل جدية وتأكيدًا رسميًّا.
وأما المعلومة الوحيدة الأكيدة التي بين أيدينا حتى الآن فهي أن خاشقجي دخل مبنى القنصلية لكن لم يخرج منها إلى الآن بالطرق العادية.
هذا إضافة إلى المعلومة التي تشير إلى وجود فريق من 15 شخصًا تصادف تواجدهم في القنصلية بالتزامن مع وجود خاشقجي، خرجوا من هناك على متن سيارات ذات زجاج أسود بعد ساعتين من دخول الصحفي السعودي القنصلية، ثمّ انتقلوا إلى مقر ضيافة البعثة الدبلوماسية، ولم يمكثوا هناك بل سرعان ما غادروا -على عجل- من حيث أتوا مستقلين طائرتين خاصتين هي ذاتها أقلتهم في طريق القدوم إلى إسطنبول.
وإلى أن يصدر تصريح رسميّ، فهناك عدد لا نهائي من السيناريوهات التي يمكن لقدرات الخيال أن تنتجها حول هذه الواقعة التي بها الكثير من الغموض. فمن الناحية النظرية من الممكن قول كل شيء حول هذا الأمر، لكن ما يقال يصبح –بعد نقطة ما– بمثابة رجم بالغيب أو المجهول.
وكلما زادت المعلومات المتاحة تفرض –بطبيعة الحال– قيودًا كذلك على الخيال. لكن من المفيد أيضًا ألا نتخلى عن الاحتياط. فاحتمالية أن يكون خاشقجي لا يزال على قيد الحياة، وإن كانت ضعيفة، فإنها لا تزال قائمة، على الأقل من الناحية النظرية.
وثمة نقطة أخرى يجب أن يستمر الاحتياط بشأنها، ألا وهي العلاقات التركية – السعودية. فليس هناك أي معنى أو فائدة من صب حمم الغضب على السعودية في التعليقات التي تكتب حول اختفاء خاشقجي داخل مبنى القنصلية.
تعتبر تركيا والسعودية دولتان وشعبان بحاجة إلى بعضهما، فقدرهما واحد. فالتساؤل حول مصير خاشقجي وانتظار المسؤولين في الرياض أن يقدموا تصريحات واضحة حول هذا الأمر لا يعني أبدًا كراهية السعودية.
وعندما سُئلت خلال مداخلة على إحدى القنوات العربية عن كيفية تأثير هذه الواقعة على مستقبل العلاقات بين البلدين، شددت على الشراكة في المصير بين البلدين، ثم أضفت:
"حتى لو كانت هذه الحادثة قد وقعت بالوخامة التي تحدثت عنها وسائل الإعلام، فإننا نتجنب إطلاق التصريحات التي تضع السعودية ككيان كامل في قفص الاتهام. ولا شك أن الدولة لا ترتكب أعمالًا منافية للقانون، ولو فعلت فهي لا تعتبر دولة. فهذا يعني أننا أمام مجموعة من العصابات التي احتلت دولة تمثل شعبها لتستغل إمكانياتها وتعتبر نفسها كدولة عميقة داخل الدولة. ولهذا فمن الضروري تطهير الدولة من تلك العناصر. ولقد عاشت تركيا تجربة دولة عميقة مشابهة. فبادرت الدولة إلى التخلص من العناصر التي ترتكب أفعالًا منافية للقانون باسم الدولة ليتم تطهير مفاصلها منها".
وفي الحقيقة فإنه بغض النظر عن مستوى الصلاحيات التي يستغلها هؤلاء الذين أقدموا على فعلة كهذا، فإن كل العاملين داخل إحدى القنصليات ومن استطاعوا تنفيذ عملية خطف إنسان حر، بل وقتله، يعتبرون – قبل أي شيء – يوجهون سهام الخيانة إلى دولتهم، ولهذا فهم يمثلون تهديدًا بالنسبة لدولتهم وشعبهم؛ إذ إنهم يدمرون كيان دولتهم بأيديهم.
ذلك أننا لا يمكن ان نطلق وصف الدولة على كيان لا يستند إلى القانون ويشكل تهديدًا ضد أمن أحد مواطنيها.
ولهذا السبب فإن ما نأمل في فعله هو مبادرة الدولة السعودية، قبل أي شيء، إلى الكشف عن هذه الكيانات المخالفة للقانون التي ترتكب جرائم ضد تركيا والإنسانية جمعاء، بغض النظر عن مستوى هذه الكيانات. ولا شك أننا نعلم جيدًا أنّ هذه المهمة ليست سهلة على السعودية، لأنها لم تكن كذلك بالنسبة لتركيا. لكن هذا يعتبر أمرًا حتميًّا إذا أرادت أن تكون دولة حقيقية أو أردت التطهر من العصابات التي احتلت كيان الدولة.
ولهذا السبب فإنّ تبني دعوى خاشقجي لا يعتبر أبدًا عداء للسعودية، بل على العكس تمامًا، فإنه تعبير عن الصداقة الحقة.
وفي الحقيقة كان التأكيد على أنّ العلاقات التركية – السعودية تعتبر علاقات مصيرية من أهم الدعاوى التي يتبناها خاشقجي، هذا بطبيعة الحال إلى جانب العمل على تطوير هذه العلاقات.
وأكثر ما أتذكره عنه هو أنه بغض النظر عن مستوى لغة الخطاب والأفعال المعادية لتركيا في وسائل الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية السعودية، فإنه كان يقدّر كثيرًا النضج التركي بشأن عدم الرد على هذه الأفعال وكان يرغب في استمرار الموقف التركي على هذا النحو.
وأخيرًا أقول إنّ ما حدث لخاشقجي لا يعطل أبدًا دعواه هذه، بل على العكس تمامًا، يحتم علينا أن نظهر حساسية أكبر في هذا المجال.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة