يني شفق

ما مطالبهم من إيران؟ وهل يكفي إسقاط النظام لإيقاف إسرائيل؟

01:0024/06/2025, الثلاثاء
تحديث: 24/06/2025, الثلاثاء
يحيى بستان

في مقال يوم الجمعة بعنوان " سيناريو كارثي.. هجوم أميركي مباغت" اختتمت بالقول: " تدخُّل الولايات المتحدة في الصراع قد يحدث نهاية الأسبوع." وقد بدا أن تصريحات ترامب، التي قال فيها: "ربما لا تكون هناك حاجة للتدخل، لقد منحتُ إيران مهلة أسبوعين"، قد بعثت شيئًا من الارتياح في الأوساط الدولية. وعلى هذا الأساس، بدأت التحليلات تُبنى. لكنني أصررت على رؤيتي. وقلتُ في برنامج "الغرفة الصماء" يوم الجمعة أيضًا: "من المحتمل أن تقصف الولايات المتحدة إيران ليلة السبت." وهذا ما حدث. هل نعرف ماذا سيحدث بعد خمس سنوات؟

في مقال يوم الجمعة بعنوان " سيناريو كارثي.. هجوم أميركي مباغت" اختتمت بالقول: " تدخُّل الولايات المتحدة في الصراع قد يحدث نهاية الأسبوع." وقد بدا أن تصريحات ترامب، التي قال فيها: "ربما لا تكون هناك حاجة للتدخل، لقد منحتُ إيران مهلة أسبوعين"، قد بعثت شيئًا من الارتياح في الأوساط الدولية. وعلى هذا الأساس، بدأت التحليلات تُبنى. لكنني أصررت على رؤيتي. وقلتُ في برنامج "الغرفة الصماء" يوم الجمعة أيضًا: "من المحتمل أن تقصف الولايات المتحدة إيران ليلة السبت." وهذا ما حدث.


هل نعرف ماذا سيحدث بعد خمس سنوات؟

إن ما نشهده من تطورات هائلة يفوق إدراكنا؛ فنقول لأنفسنا: "لا يمكن أن يصل الأمر إلى هذا الحد""، ولهذا نجد أنفسنا غير مستعدين ذهنيًا لمجاراة الأحداث. والسبب يعود إلى تفكيرنا وفق الأساليب التقليدية، ونحاول فهم الوقائع استنادًا إلى قواعد العالم القديم، في حين أن الظروف قد تغيرت، والقواعد تبدلت. نحن الآن أمام عالم جديد تمامًا، فالمؤسسات والقواعد التي كانت تضمن النظام العالمي أصبحت جوفاء، والصمامات التي كانت تحافظ على توازن القوى قد احترقت، وكل ما كان ينتمي إلى النظام القديم يتداعى الآن.

والواقع الواضح الآن في هذا النظام الفوضوي هو أنَّ ما كنا نظنه مستحيلًا بالأمس، يتحقق في وقت قصير جدًا. وما نعدّه اليوم من الأمور المستحيلة، قد يصبح واقعًا بعد خمس سنوات. علينا أن نُبقي جميع الاحتمالات واردة، وأن نكون مستعدين لكل شيء. وأول ما يجب علينا فعله في هذا السياق هو تغيير منظورنا؛ إذ لم يعد بإمكاننا التفكير أو التحرك بعقلية النظام القديم ومعاييره.


تفاصيل الاتفاق السري بين ترامب ونتنياهو

منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن الولايات المتحدة ستتدخل في هذه الحرب. دعوني أوضح السبب: بأي ذريعة هاجمت إسرائيل إيران؟ كان الهدف المُعلن هو تدمير القدرة النووية الإيرانية. هذا ما صرّحت به إسرائيل. ولكنها لم تكن تملك القدرة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض. فلم تكن لديها البنية التحتية العسكرية اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وسبق أن أشرت إلى هذه النقطة اعتمادًا على مصادري الأمنية، وقلت: "ولهذا، فإن الهدف النهائي لإسرائيل يتمثّل — إن استطاعت — في تغيير النظام في إيران، وإن لم تستطع، فبجرّ طهران إلى طاولة المفاوضات." (راجع مقالي: "ماذا شهدت الأجواء التركية في ليلة الهجوم الإسرائيلي على إيران؟" 17 يونيو/حزيران). والخيار الثاني كان أن تتولى الولايات المتحدة مهمة قصف المنشآت النووية تحت الأرض. وهذا ما حدث ليلة السبت.

يبدو أن ترامب أبرم اتفاقًا مباشرًا مع نتنياهو حتى قبل بدء الهجمات الإسرائيلية. ففي المكالمة الهاتفية التي جرت بين الطرفين قبل أيام من بدء الهجوم، جرى خلالها على الأرجح الاتفاق على النقاط التالية: أن تشن إسرائيل ضربات على إيران، وأن تدفع طهرانَ للجلوس على طاولة التفاوض، وفي حال نجحت الخطة يتم تدمير قدراتها النووية، وإن فشلت تتدخل الولايات المتحدة.


فرض شروط أكثر صرامة على إيران

نعلم أن الرئيس أردوغان حاول التوسط لإيجاد حل وسط عبر التواصل مع ترامب ومسعود بزشكيان. وقد نشر موقع "أكسيوس" تفاصيل عن هذه المبادرة، حيث عرض أردوغان تنظيم لقاء مباشر بين واشنطن وطهران في إسطنبول. وتداولت الأوساط السياسية في أنقرة أن ترامب قال: "طائرتي جاهزة ويمكنني المغادرة خلال ساعة". ولكن بحسب أكسيوس، لم يصدر أي رد من الجانب الإيراني بسبب عدم قدرة المسؤولين الإيرانيين على الوصول إلى خامنئي. أما المعلومات التي حصلتُ عليها فتفيد بأن طهران ردت بشكل قاطع: "لا مفاوضات قبل وقف الهجمات"، (وهذا يُشبه حالة الجمود التي شهدتها المفاوضات الأوكرانية).

وقد عُقدت آخر جولة مفاوضات مع إيران في جنيف، حيث فُرضت على طهران شروط جديدة أكثر صرامة من تلك التي سبقت 13 حزيران/يونيو. ووصفت طهران مقترحات الأوروبيين بأنها "غير واقعية". ويمكن تلخيص أبرز تلك الشروط التي تم تداولها عبر المصادر العامة على النحو الآتي:

أولا: وقف عمليات تخصيب اليورانيوم تمامًا.

ثانيا: تفكيك الأجزاء الرئيسية من البنية التحتية النووية.

ثالثا: تقليص برنامج الصواريخ بعيدة المدى.


ومن المعروف أن إيران رفضت هذه الشروط. وفي خضم ذلك وردت أنباء تفيد أن منظومة صواريخ "آرو" التي تستخدمها إسرائيل ضد هجمات إيران أوشكت على النفاد، فبدأت إيران في استهداف المدن الإسرائيلية بشكل أكثر فعالية. ومن المثير للاهتمام أن بوتين صرح في ذلك الوقت بالتحديد قائلا: "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع إيران لا تشمل مجال الدفاع."


تغيير النظام.. الفوضى والتقسيم

إن مسار هذا الصراع سيتحدد بناءً على المواقف التي ستتخذها الأطراف المعنية. ويُقال إن الولايات المتحدة، خلال قصفها للمنشآت النووية الإيرانية، بعثت برسالة إلى طهران مفادها: "هذه ضربة لمرة واحدة، لا نسعى لتغيير النظام." وأنا لا أعتقد أن الولايات المتحدة تسعى حقًا لتغيير النظام في إيران، ولكن يبدو في المقابل أنها لا تنوي أيضًا كبح جماح تل أبيب. أعتقد أننا قد تجاوزنا هذه المرحلة بالفعل. (ملاحظة: إن البيان الختامي لاجتماع منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في إسطنبول أظهر بوضوح عجز الدول الإسلامية على اتخاذ موقف موحد في هذه القضية).

سبق أن ذكرنا أن أهداف إسرائيل تتجاوز المنشآت النووية إلى تغيير النظام في إيران وإدخال إيران في دوامة من الفوضى والتقسيم وربما الفيدرالية. ورغم تأكيد نتنياهو أن إسرائيل لن تُجرّ إلى حرب استنزاف، إلا أنه بعد سيطرته على المجال الجوي الإيراني، يرى أنه بات أمام فرصة استراتيجية لا تُقدّر بثمن، ولذا من المرجح أن يواصل هجماته لفترة أخرى.

وقد تصل هذه الهجمات في مراحل لاحقة، إلى محاولة استهداف المرشد الأعلى نفسه، علي خامنئي. وإذا واصلت روسيا والصين التزام موقف الحياد، فأعتقد أن إسرائيل ستُقدم على خطوات لتدمير البنية التحتية الإيرانية بالكامل. ولا ينبغي الاستهانة بإشارات ترامب حين تساءل: "إذا كان النظام الحالي عاجزا عن جعل إيران عظيمة مجددا فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟"

هذا السيناريو يشكل مسألة حياة أو موت بالنسبة لإيران. وقد يدفعها إلى انتهاج سياسات أكثر عدوانية، وربما تمتد رقعة الصراع إلى دول أخرى. أما كون الطائرات التي قصفت المنشآت الإيرانية سلكت مسارات دقيقة للغاية دون أن تدخل الأجواء الرسمية لأي دولة تقريبًا (باستثناء دولتين لا تملكان السيطرة على أجوائهما)، فلن يغير هذه الحقيقة.

وأخيرًا ينبغي أن نؤكد على حقيقة جوهرية: أولئك الذين يدفعون باتجاه تغيير النظام في إيران يدركون تمامًا أنهم غير قادرين على ملء الفراغ الذي سيخلّفه هذا التغيير، ويدركون غياب أي بديل سياسي أو اجتماعي داخل البلاد. ولهذا فإن الاسم الآخر لمشروع تغيير النظام هو "الفوضى والتقسيم".

وفي ظل تسارع التطورات في الملف الإيراني، علينا أن نناقش المخاطر التي تهدد تركيا، والمناطق المحتملة لأزمات جديدة. ولكن سندع الحديث عن ذلك للمقال القادم.


#إيران
#إسرائيل
#الملف النووي
#أمريكا
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية