يني شفق

سيناريوهات مقيتة يعاد تكرارها

05:1326/06/2025, الخميس
تحديث: 27/06/2025, الجمعة
طه كلينتش

في الآونة الأخيرة تلقيت الكثير من العتاب من قرائي الكرام. فمنهم من يقول: "الأجندة مليئة بالأحداث الجسيمة، لكنك تتناول موضوعات لا تمتّ إلى الواقع بصلة وكأنك تعيش في عالم آخر"، ومنهم من يُصرّ على دفعي للحديث والكتابة عن المستجدّات الساخنة، عبر تساؤلات مثل: "إلى أين تتجه الأمور؟ ما الذي قد يحدث؟ هل ستندلع حرب إقليمية؟"... وهكذا وجدتُ نفسي في قلب موجة من ردود الأفعال المتنوعة والمتباينة. أما السبب الأول وراء ما يجعلني أبدو بمنأى عن الأحداث الراهنة، على الأقل ضمن مقالاتي في الصحيفة، فيعود إلى ما يلي:

في الآونة الأخيرة تلقيت الكثير من العتاب من قرائي الكرام. فمنهم من يقول: "الأجندة مليئة بالأحداث الجسيمة، لكنك تتناول موضوعات لا تمتّ إلى الواقع بصلة وكأنك تعيش في عالم آخر"، ومنهم من يُصرّ على دفعي للحديث والكتابة عن المستجدّات الساخنة، عبر تساؤلات مثل: "إلى أين تتجه الأمور؟ ما الذي قد يحدث؟ هل ستندلع حرب إقليمية؟"... وهكذا وجدتُ نفسي في قلب موجة من ردود الأفعال المتنوعة والمتباينة.

أما السبب الأول وراء ما يجعلني أبدو بمنأى عن الأحداث الراهنة، على الأقل ضمن مقالاتي في الصحيفة، فيعود إلى ما يلي:

لقد قمت مؤخرًا برحلة طويلة وشاقة إلى تركستان الشرقية. وزرت غولجا، وكيزيلسو، وكاشغر، ويرقند، وخوتان، وأورومتشي، وتورفان. وقرأت الفاتحة عند أضرحة عبد الكريم صاتوق بوغراخان، ومحمود الكاشغري، ويوسف خاص حاجب. خالطتُ إخوتي الإيغور وتجولت في أحيائهم وأزقتهم. لقد كانت رحلتي إلى شرق تركستان أصعب وأشدّ رحلاتي توترًا ومشقةً في العالم الإسلامي حتى الآن، إذ رافقتها بين الفينة والأخرى استجوابات ومراقبة أمنية صارمة من قبل الشرطة.

ونظرًا لطبيعة الأوضاع في الصين، وصعوبة التنبؤ بالظروف هناك وكوني لم أكن واثقًا من موعد عودتي، كتبت مسبقا بعض المقالات وأعددتها للنشر قبل انطلاق الرحلة. وأثناء وجودي هناك، اندلع الصراع المباشر بين إسرائيل وإيران، غير أنني لم أجد في نفسي الرغبة ولا القدرة على مواكبة أحداث الشرق الأوسط، والكتابة عنها بسبب الظروف الاستثنائية، والمفاجآت العديدة والمآسي التي تعج بها المنطقة هناك.

وحتى بعد عودتي، لم أتعافَ تمامًا من تأثير ما رأيت. لقد دونت ما يقارب 50 صفحة من الملاحظات خلال الرحلة. وبسبب استحالة تلخيص ما شهدته في مقال واحد، بدأت في كتابة كتاب بعنوان "رحلة إلى تركستان الشرقية". يمكنني القول إن هذا الكتاب يكاد يكون شغلي الشاغل منذ عودتي إلى تركيا. وإذا يسّر الله لي إتمامه ونشره، فآمل أن أقدم من خلاله صورة واقعية حيّة لقضية تركستان الشرقية، بناءً على ما رأيته بنفسي.

وأما السبب الثاني لعزوفي عن الخوض مجددًا في خضم الأحداث الراهنة فهو شعوري العميق بالضيق والنفور من تكرار بعض الأحداث المزعجة في منطقتنا، ومن لعبة القط والفأر التي وصلت إلى حد الاستخفاف بعقولنا.

يسمح النظام الدولي بين الفينة والأخرى، بظهور طرف أو أيديولوجيا أو دولة معينة في منطقتنا، ويتغاضى عن تحركاتها بحرية في الشرق الأوسط. ولكن ما إن تبدأ تلك الكيانات، أفرادًا كانوا أو أيديولوجيات أو دولًا، بتجاوز الحدود المرسومة لها حتى ينقض عليها ويسعى إلى تدميرها. لقد رأينا في الماضي القريب حدوث ذلك مع صدام حسين، ولاحقًا مع معمر القذافي، حيث أُتيحت لهما إمكانيات كبرى سرعان ما جرى توظيفها في تعزيز قوتهم واكتسبوا العديد من الأعداء في هذه الأثناء. وعند سقوطهم لم يجدوا أحدًا يقف إلى جانبهم، واليوم نرى نفس المشهد يتكرر مع إيران.

فإيران التي جعلت من تصدير التشيّع جوهرًا لسياساتها الخارجية، سخّرت كل ما أتاحه لها النظام الدولي من رصيد، وكل الفرص التي أتاحتها لها الفوضى في الشرق الأوسط، من أجل تحقيق هذا المشروع. بل إنها في أكثر الأوقات حرجًا، خذلت الدول التي ساندتها — وفي مقدمتها تركيا — وسعت للانقضاض عليها وضربها عند أول ثغرة. ورغم أن جزءًا كبيرًا من العالم الإسلامي يبدو مضطرًا لدعم إيران في صراعها مع إسرائيل، فإن ذاكرة التاريخ الحديث لم تمحَ. علاوة على ذلك، فإن دعاية إيران السياسية التي تهاجم إسرائيل وكأنها تدافع عن مظلومي غزة، بينما هي في موقع الدفاع عن النفس، تثير المزيد من الاستياء والنفور.

ولا يذكر شباب اليوم تلك الأيام التي أمطر فيها صدام حسين تل أبيب بالصواريخ. فابتداءً من 17 يناير 1991، ولمدة شهر كامل، كانت الصواريخ التي أطلقت من بغداد تضيء سماء إسرائيل، بينما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يتغاضون عن هذا المشهد في الواقع فقط لغزو العراق. وبالفعل، سرعان ما قاموا بتهيئة المسرح أولاً بحرب الخليج، ثم جاء الاحتلال الفعلي للعراق. لقد لعب الأمريكيون أدوارهم بمكر وخداع، لدرجة أن سفيرة الولايات المتحدة في بغداد آنذاك، أبريل كاثرين غلاسبي، في لقائها الشخصي مع صدام حسين أعطت الضوء الأخضر لغزو الكويت قائلة "إن الولايات المتحدة لا تتدخل في النزاعات الحدودية بين العرب".

واليوم، يبدو أن إيران تُستدرَج إلى نفس الفخ الذي وقع فيه صدام آنذاك. قد يقول البعض: "إسرائيل هي من بدأ الهجوم، فماذا كان على إيران أن تفعل؟". صحيح أن خياراتها محدودة في الوقت الراهن. لكنها في السابق كانت تملك فرصة حقيقية لتشكيل جبهة دفاع حقيقية في العالم الإسلامي، بالتعاون مع تركيا بالذات. غير أن طهران اختارت أن تمضي في مشروعها التوسّعي ذي الطابع المذهبي. ورغم كل شيء، نأمل ألّا تغيب عن ناظري صنّاع القرار في طهران الجهود الصادقة التي تبذلها تركيا اليوم، إدراكًا منها أن النار التي تضرب جارتها ستلتهم المنطقة بأكملها.





#الشرق الأوسط
#تركيا
#إيران
#إسرائيل
#تركستان الشرقية
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية