قراءة في سيناريو حرب محتملة بين تركيا وإسرائيل

11:501/09/2025, الإثنين
تحديث: 28/09/2025, الأحد
سليمان سيفي أوغون

تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة بدأت ترفع شيئًا فشيئًا احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية بين تركيا وإسرائيل. التصريحات الصادرة عن الطرفين تُشير بوضوح إلى أن هذا السيناريو أصبح أكثر قربًا من أي وقت مضى. كنت في السابق أعتقد أن مثل هذا الاحتمال مرفوض من القوى المتدخلة في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إذ يصعب تصوّر أن يقبل الغرب بحرب بين دولتين مرتبطتين به ارتباطًا وثيقًا، لكن مجريات الأحداث اليوم توحي بغير ذلك. فأي حرب لا تقتصر على أطرافها المباشرين، بل تدور دائمًا ضمن حلقات أوسع من الصراعات،

تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة بدأت ترفع شيئًا فشيئًا احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية بين تركيا وإسرائيل. التصريحات الصادرة عن الطرفين تُشير بوضوح إلى أن هذا السيناريو أصبح أكثر قربًا من أي وقت مضى. كنت في السابق أعتقد أن مثل هذا الاحتمال مرفوض من القوى المتدخلة في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إذ يصعب تصوّر أن يقبل الغرب بحرب بين دولتين مرتبطتين به ارتباطًا وثيقًا، لكن مجريات الأحداث اليوم توحي بغير ذلك.

فأي حرب لا تقتصر على أطرافها المباشرين، بل تدور دائمًا ضمن حلقات أوسع من الصراعات، كما هو الحال في دمى الماتريوشكا الروسية. وهذا يظهر بشكل أوضح في الحروب الحديثة، مما يجعل من الضروري فهم احتمال المواجهة التركية ـ الإسرائيلية في سياق الحروب الكبرى التي تطوقها.


السؤال إذًا: ما هي الحروب التي تحيط بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين تركيا وإسرائيل؟ والإجابة عنها ستحدد أبعاد ذلك الصراع، لا قدّر الله إن وقع.


البداية تعود إلى الثورة السورية. فقد أُطيح ببشار الأسد على يد قوات هيئة تحرير الشام المنطلقة من إدلب. ويجب النظر إلى ذلك مع أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من مجازر غزة، إضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي الجزئي للبنان. لا شك أن الأسد كان ديكتاتورًا دمويًا، لكنه، كما كان صدام حسين، مصدر إزعاج لإسرائيل. وبعد التخلص من صدام، جاء الدور على الأسد. حاول الصمود بالاستناد إلى إيران وروسيا، لكن قدرته توقفت عند هذا الحد. ومع تراجع روسيا خصوصًا، بات هدفًا واضحًا لإسرائيل، فيما جعل الحضور الإيراني في سوريا استهدافه أكثر سهولة.


تركيا بطبيعة الحال كانت تريد إزاحة الأسد لحساباتها الخاصة، بينما دخل الغرب بقيادة بريطانيا على الخط. انسحبت روسيا جزئيًا وتراجعت إيران. وكان متوقعًا أن تستفيد إسرائيل من الوضع الجديد، فتقيم علاقات أكثر مرونة مع النظام الراغب بالتطبيع معها، مستندةً إلى دعم السعودية والإمارات، وتسهِّل توسيع اتفاقيات إبراهيم، بل وربما الانفتاح على تركيا. لكن لم يحدث ذلك. فمنذ البداية اعتبرت إسرائيل هيئة تحرير الشام عدوًا، وشنّت بعد دخولها دمشق مئات الغارات الجوية لتدمير ما تبقى من القوة العسكرية السورية. كما سيطرت على جنوب سوريا بالاستعانة بالدروز، واقتربت نحو عشرين كيلومترًا من دمشق. ويبدو أن تل أبيب لا تريد سوريا مستقرة بعد الثورة، بل تسعى إلى تعميق حالة الفوضى لتعزيز نفوذها والسيطرة على موارد المياه والطاقة، وهي ترى في ثقل تركيا على هيئة تحرير الشام عقبة أمام ذلك. ولهذا أبقت كورقة ثانية على تنظيم واي بي جي (قسد) الإرهابي بعد الدروز.


قراءة هذا المشهد تُظهر أنه مرتبط أيضًا بالصراع المتنامي بين الولايات المتحدة وبريطانيا منذ وصول ترامب. فواشنطن تسعى إلى مسار تطبيع يضم تركيا وإسرائيل ودول الخليج. ومفتاح هذا المسار هو ضبط إسرائيل الخارجة عن السيطرة، ودفع تركيا إلى القبول بتحويل غزة إلى منطقة مجردة من هويتها الفلسطينية أقرب إلى «ريفيرا»، مع الإذعان لوجود تنظيم واي بي جي (قسد) الإرهابي. وهذه هي المعضلة التي تواجه إدارة ترامب. لا إسرائيل ولا تركيا تقبلان بهذا السيناريو. ترامب عاجز عن كبح إسرائيل؛ فإن دعمها دون تحفظ خسر السيطرة على تركيا، وإن فعل العكس، وُوجِه بملفات إبستين.


من جانب آخر، يبدو أن نتنياهو عازم على التصعيد مع تركيا، ويظن أنه بوقوفه إلى جانب الغرب سيتمكن من إخضاعها. لكن هذه حسابات عمياء. وفي العمق، بدأت دوائر من أنصار حركة MAGA ـ ومنهم شخصيات مثل فانس ذات النزعات المعادية للسامية ـ بالتفكير في سيناريو جديد: السماح بحرب محدودة. ولا شك أن إسرائيل ستتلقى ضربة قاسية في مثل هذه المواجهة. الهدف ـ إن حصل ذلك ـ هو أن تتلقى إسرائيل صفعة تركية مؤلمة تُعيدها إلى مسار الانضباط. وإذا تحقق هذا السيناريو، سترتفع ثقة تركيا لتفرض وصايتها على الأكراد شرقي الفرات بعد تجربتها في شمال العراق، الأمر الذي قد يفتح الباب لاحقًا لفرض قبولها بوجود تنظيم واي بي جي (قسد) الإرهابي. وفي هذه الحالة، ستصبح إيران الحلقة الأضعف، وقد يُطرح سيناريو صراع تركي ـ إيراني. لكن الأهم بالنسبة لواشنطن هو أن استقرارًا نسبيًا في الشرق الأوسط سيتيح لها التفرغ لمواجهة الصين في المحيط الهادئ.


لكن ما الضامن أن حربًا تركية ـ إسرائيلية ستبقى محدودة وقابلة للتحكم؟ هنا يظهر دور بريطانيا. فالمملكة المتحدة، التي لم تغب عن المشهد منذ البداية، ترى أن مثل هذا الصراع قد يشعل فتيل حرب إقليمية واسعة وفوضوية يصعب التكهن بامتدادها وتطوراتها. ويبدو أنها تراهن على هذا الاحتمال. في رأيي، بريطانيا تضع استثماراتها في هذا الاتجاه، لأن مثل هذا السيناريو يعني فشل السياسة الأميركية في المنطقة، ويُغرق الولايات المتحدة أكثر في مستنقع الشرق الأوسط، وهو ما تعتبره لندن فرصة للانتقام بعد أن خذلتها واشنطن في أوكرانيا وتفاهمت مع روسيا.


في النهاية، فإن الحروب الجارية والمحتملة في الشرق الأوسط لا بد من تقييمها في سياق أوسع وأشمل، لا ضمن حدودها الضيقة فقط.

#قسد
#هيئة تحرير الشام
#سوريا
#الثورة السورية
#حرب تركية إسرائيلية