يني شفق

الفرص والمسؤوليات

07:5915/05/2025, الخميس
تحديث: 31/05/2025, السبت
سليمان سيفي أوغون

نحن نمرّ بأيام شديدة الحساسية. قد تبدو هذه عبارة مألوفة ومستهلكة، نسمعها من الجميع في مختلف المناسبات. أما أنا، فعادةً لا ألجأ إلى هذا التعبير كثيرًا. لكن ما جرى خلال الأشهر الماضية يدفعني فعلاً لتبنّيه هذه المرّة. أتحدث عن المسار الذي بدأ في أكتوبر الماضي بخطاب ألقاه السيد دولت بهجلي، تضمّن دعوة مباشرة إلى تنظيم بي كي كي الإرهابي لحلّ نفسه وإنهاء الإرهاب. ما لفت الانتباه في ذلك الخطاب هو أنه أشار بوضوح إلى متزعم التنظيم وإلى حزب DEM. أما الجزء الأكثر إثارة للدهشة فكان تصريحات بهجلي التي أشار فيها

نحن نمرّ بأيام شديدة الحساسية. قد تبدو هذه عبارة مألوفة ومستهلكة، نسمعها من الجميع في مختلف المناسبات. أما أنا، فعادةً لا ألجأ إلى هذا التعبير كثيرًا. لكن ما جرى خلال الأشهر الماضية يدفعني فعلاً لتبنّيه هذه المرّة.

أتحدث عن المسار الذي بدأ في أكتوبر الماضي بخطاب ألقاه السيد دولت بهجلي، تضمّن دعوة مباشرة إلى تنظيم بي كي كي الإرهابي لحلّ نفسه وإنهاء الإرهاب. ما لفت الانتباه في ذلك الخطاب هو أنه أشار بوضوح إلى متزعم التنظيم وإلى حزب DEM.

أما الجزء الأكثر إثارة للدهشة فكان تصريحات بهجلي التي أشار فيها إلى أن زعيم التنظيم الإرهابي عبد الله أوجلان، الذي يقضي عقوبته في سجن إمرالي، يمكن أن يُمنح فرصة للتحدث أمام البرلمان التركي إن أراد ذلك، وتحدث عن "حقّ الأمل".

وما كان صادمًا فعلاً هو أن هذه العبارات صدرت عن زعيم حزب يمثّل التيار القومي التركي بأشدّ صوره تطرفًا وتماسكًا.

وقد استجاب حزب DEM لهذه الدعوة بحفاوة كبيرة، وتبنّى العملية. تلت ذلك لقاءات عديدة عُقدت خلف الأبواب المغلقة، ولم يُسرّب عنها سوى القليل.

أما وفاة النائب السابق والقيادي في الحزب، صِرّي سورَيّا أوندار، الذي كان أحد أبرز المنخرطين في هذا المسار، فقد أضفت بُعدًا عاطفيًا خفّف من حدّة الأجواء.

وفي النهاية، كتب عبد الله أوجلان نصًا يدعو فيه تنظيم بي كي كي الإرهابي إلى حلّ نفسه طواعيةً دون مقابل، والتخلّي عن الكفاح المسلح.

استجابت قيادة قنديل لهذا النداء، فعقدت مؤتمرًا، وأعلنت فيه إنهاء كفاحها المسلح، وحلّ التنظيم نهائيًا وفقًا لتوجيهات أوجلان.

دعونا نلقي نظرة أولًا على الأجواء التي ولّدتها هذه التطورات داخل البلاد. في المدن التي يتركّز فيها المواطنون من أصل كردي، تسود أجواء احتفالية أشبه ما تكون بالعيد.

وهذا أمر يمكن تفهّمه واحترامه؛ فالنار تحرق موضعها. لقد عانى الأكراد في تركيا، خاصة منذ أحداث الخنادق والحواجز، من آثار الإرهاب، ورأوا بأمّ أعينهم أن هذا الطريق، مهما كانت غايته، هو طريق مسدود، ولا يجلب إلا الخسارة للجميع. وكانوا أيضًا الأقرب لمعايشة المآسي التي وقعت في العراق وسوريا.

فمن الطبيعي جدًا أن يكونوا هم الأكثر فرحًا بما يبدو أنه نهاية مرحلة الإرهاب، وأن يستقبلوا هذه التطورات بالطبول والزغاريد.

هذا الفرح أقدّره وأفهمه.

لكن من ناحية أخرى، فقد انضمّ بعض الكتّاب والمعلّقين والشخصيات المؤثرة في الرأي العام على مستوى تركيا إلى أجواء الابتهاج هذه، متجاوزين أحيانًا الحدّ، إلى درجة أغفلت مشاعر عائلات الشهداء والجرحى، بل وتجاهلتها بالكامل.

نادرًا ما تهب نسائم الربيع في مناخات التاريخ. ولو واصلنا استخدام هذا المصطلح، لقلنا إن التاريخ هو، في أغلبه، سجلٌّ لفصول شتوية قاسية.

وغالبًا ما تكون الفترات التي تُشَبَّه بالربيع مجرد "ربيع كاذب"، سرعان ما تعقبه عواصف وزوابع لا تُتوقَّع.

ومن الأمور الأخرى التي يجب ألا نغفلها، أن التاريخ لا يعرف النهايات بمعناها القاطع. فما نعتبره نهاية في التاريخ، ليس إلا انتقالًا لتراكم معين إلى أرضية جديدة تطرح صعوبات مختلفة. ولهذا السبب نفضّل استخدام مصطلحات مثل "التحوّل" و"التبدّل" بدلًا من "التغيير".

أعتقد أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أننا سنعيش المسائل التي نشأت في بيئة الإرهاب، على أرضية جديدة مختلفة.

ولذا فإن إعداد عقولنا ونفوسنا بما يتناسب مع هذه المرحلة هو الخيار الأكثر صوابًا. أما نشوة الربيع فهي لا تساعد على ذلك، بل يجب الإفاقة من هذه النشوة في أسرع وقت ممكن.


أنا أقيّم المرحلة التي نعيشها حاليًا، ليس باعتبارها نهاية لشيء، بل على العكس، باعتبارها بداية لمرحلة جديدة. لقد حصلنا على فرصة تاريخية. فبعض المسائل يصعب إدارتها في ظلّ بيئة إرهابية. أما الآن، فإن تفكيك التنظيم ونزع سلاحه يتيح لنا فرصة لإدارة هذه المسائل بالحكمة والعقل، بعد أن كانت قد أصابها التشوّه وفقدت إمكانية التعامل معها بشكل طبيعي.

وهذه الفرصة، في الوقت ذاته، تفرض مسؤوليات جديدة على الجميع. وأنا أنظر إلى الموضوع من زاوية وجوب أداء هذه المسؤوليات كما ينبغي.


علينا أولًا أن نعترف أن تصفية بنية متجذرة ومعقدة بمرور أكثر من أربعين سنة ليست بالأمر البسيط. والأصعب من ذلك هو تفكيك المناخ الذهني الذي كان يغذي هذه البنية.

وعندما أنظر إلى البيان الأخير الصادر عن المؤتمر، أرى هذا الأمر بوضوح تام. هناك من يقلّلون من أهمية اللغة والخطاب الذي استخدمه التنظيم، قائلين: "دعونا نركّز على النتيجة". وأنا أرى في ذلك نوعًا من التهاون. فنحن أمام خطاب تدميري يتحدى الثوابت التي بُنيت عليها الجمهورية التركية. ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يفرض شروطه الخاصة.


من الواضح أن في ذهن مُعدّي ذلك البيان ما يزال يسود مناخ الصراع المتصلّب وغير القابل للتنازل. الجمهورية التركية نشأت بعد تجاوز محن عظيمة. يمكننا مناقشة وانتقاد ومراجعة العديد من ممارسات الجمهورية، لكن مناقشة "شيفرة التأسيس" أمر مختلف تمامًا.

فهذه الشيفرة ليست منفصلة عن التراكم التاريخي لهذه الأرض.


والأجدر، بدلًا من تحدي هذه الشيفرة، أن نعيد كل مرة ملء مضمونها بما يتماشى مع متطلبات كل مرحلة تاريخية. لكن تحدّيها لن يساهم في حل "المسألة الكردية" إن وُجدت، بل سيُنتج إلى جانبها "مسألة تركية"، وحينها يصبح الحل مستحيلًا للطرفين.


وهذا يقودنا إلى نتيجة مهمة: إذا كنا نريد بالفعل حل المسألة الكردية، فعلينا أولًا أن نمنع نشوء مسألة تركية، وهو ما يتطلب عقلًا جديدًا وخطابًا قائمًا على هذا الأساس.

النقطة الثانية التي أراها بالغة الأهمية، هي ضرورة عدم تسخير هذه الفرصة الذهبية لمجرد حسابات سياسية داخلية سطحية ورخيصة.

فالزمن كفيل بكشف كل شيء.


وأعتقد أن للمسألة بُعدًا إقليميًا ودوليًا أيضًا. فما يجري ليس منفصلًا عن "روح الزمن". ولم يبدأ بهجلي هذا المسار برؤية ليلية جاءته في المنام. لا يمكن فهم هذه المرحلة من دون النظر إلى التحولات الجارية في الشرق الأوسط والبحر الأسود.

وما يجب الانتباه له هو عدم إغفال الديناميكيات الإقليمية والدولية. وقد تناولت جانبًا من هذه المسائل في برنامج "غرفة العقل" على قناة TV Net.

ولا تزال تحليلاتي تتبلور...


وهذا البُعد الثالث في الحقيقة، هو موضوع لمقالٍ منفصل... وربما لمقالات.


#بي كي كي الإرهابي
#حل تنظيم بي كي كي
#دولت بهجلي
#تركيا
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية