يني شفق

باكس ترامبا - السلام على الطريقة الترامبية

07:4519/05/2025, الإثنين
تحديث: 29/05/2025, الخميس
سليمان سيفي أوغون

لدينا الآن صورة واضحة لترامب. وبين عقله المنقسم بين الاقتصاد والجيوسياسة، يبدو أن الجانب الاقتصادي بدأ يهيمن. وزيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط كانت تجسيدًا حيًّا لذلك. فقد قام ترامب خلال هذه الزيارة بنهب فعلي لما تراكم من أموال ضخمة في خزائن السعودية والإمارات وقطر. لكن الأمر لا يقتصر على مجرد عملية "ابتزاز" مالي. فترامب يبدو وكأنه أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد. ومن المفيد أن نتأمل هذه الأهداف ونقيّم تبعاتها السياسية المحتملة. من المؤكد أن جزءًا من الأموال التي استخلصها ترامب سيتم تحويله إلى استثمارات

لدينا الآن صورة واضحة لترامب. وبين عقله المنقسم بين الاقتصاد والجيوسياسة، يبدو أن الجانب الاقتصادي بدأ يهيمن. وزيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط كانت تجسيدًا حيًّا لذلك. فقد قام ترامب خلال هذه الزيارة بنهب فعلي لما تراكم من أموال ضخمة في خزائن السعودية والإمارات وقطر.

لكن الأمر لا يقتصر على مجرد عملية "ابتزاز" مالي. فترامب يبدو وكأنه أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد. ومن المفيد أن نتأمل هذه الأهداف ونقيّم تبعاتها السياسية المحتملة.


من المؤكد أن جزءًا من الأموال التي استخلصها ترامب سيتم تحويله إلى استثمارات داخل الولايات المتحدة. لكن ما يبدو أكثر وضوحًا أن الجزء الأكبر سيُعاد ضخه في الشرق الأوسط نفسه عبر مشاريع ذات هوامش ربح مرتفعة. ترامب يسعى لتحويل الشرق الأوسط إلى "جنة استثمارية". وليس من الدقة اختزال هذا الهدف في مجرد مشاريع مقاولات. نعم، ترامب في الأصل رجل أعمال ومقاول، ومدن مدمّرة وطرق وموانئ وجسور مدمّرة تثير شهيته وشهية أمثاله.

لكن القصة لا تتوقف هنا. فقد ضمّ وفده عددًا كبيرًا من رؤساء كبرى الشركات في مختلف القطاعات. وجود إيلون ماسك وحده يكفي للدلالة على أن جانبًا كبيرًا من هذه الاستثمارات سيتركز في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

من جهة أخرى، من المؤكد أن السعوديين والخليجيين أنفقوا مبالغ ضخمة لإرضاء "بارونات السلاح" في أمريكا. وهذا بدوره يطمئن المستثمرين العسكريين الذين بدوا متأخرين بعض الشيء مقارنةً بأوليغارشيات التكنولوجيا والطاقة الداعمة لترامب. وربما يدفعهم هذا إلى التخلي عن الديمقراطيين والانضمام إلى معسكر ترامب بشكل أقوى.


من الواضح أن حملة ترامب الخليجية وُجهت أيضًا لإجهاض الانفتاح الصيني والروسي على الشرق الأوسط. فالصين كانت حتى الآن تتقدم في الشرق الأوسط من خلال بوابة الاقتصاد. واستفادت من حالة الجفاء التي سادت بين إدارة بايدن ومناطق تركّز فيها رأس المال العربي.

لكن بعد دخول أمريكا بثقلها مجددًا، تبدو مواصلة الصين لعلاقاتها – الهشة بالأساس – مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، أمرًا صعبًا.


أما روسيا، فكان دخولها إلى المنطقة عسكريًا بالدرجة الأولى، ويتجلى ذلك في وجودها في سوريا (ويمكن إضافة ليبيا أيضًا). لكن يبدو أنها تأثرت هي الأخرى بالعملية التي تستهدف تقليص نفوذ إيران في المنطقة.


والأخطر في المسألة ما يتعلق بأسعار النفط. فروسيا، خلال حربها في أوكرانيا، كانت قد اتفقت مع السعودية للحفاظ على أسعار نفط مرتفعة. وكانت تبيع إنتاجها العالمي عبر قنوات في آسيا، مما ساعدها على تحمّل العبء المالي للحرب.

لكن السعودية ودول الخليج، وقد باتت أقرب إلى واشنطن، بدأت بخفض أسعار النفط كما كانت أمريكا تأمل. صحيح أن هذه الخطوة قد تضر بدول الخليج أيضًا، لكن كما يشير المختصون، فإن كلفة إنتاج النفط في الخليج أقل بكثير من مثيلتها في روسيا. وعليه، فإن سياسة "النفط الرخيص" ستُلحق ضررًا عميقًا بروسيا، بينما لن تُكلف العرب إلا القليل.


كيف نجحت أمريكا في إدارة هذا التحوّل بهذه السلاسة؟ الإجابة بسيطة: ترامب استخدم الابتزاز الصريح.

فقد لوّح بدايةً، بالتنسيق مع إسرائيل، بشنّ هجوم واسع على إيران. وردّت إيران فورًا بإشهار أخطر أوراقها، مُعلنة أنها، في حال تنفيذ الهجوم، ستستهدف منشآت النفط في السعودية والخليج.

هرع الخليجيون إلى باب أمريكا، راجين منها منع الهجوم. وهنا استغلّ ترامب ضعفهم، فسحب قاذفاته الثقيلة من المنطقة، وبدأ مفاوضات مع إيران، مما هدّأ من روع الخليج.


ومن هناك، أصبح كل شيء سهلًا. أجبرهم على قبول كل ما أراده. من الآن فصاعدًا، سيجري كل شيء في العالم العربي – باستثناء العراق الذي لا يزال يحمل مخاطره – كما تريد أمريكا. ويجب ألا نغفل أن هذا يشمل سوريا أيضًا بشكل مباشر.

قد يصعب التكهّن بمدى ديمومة هذه المرحلة، ومدى موثوقيتها، لكن يمكن القول إننا دخلنا في ما يمكن تسميته بـ"باكس ترامبّا" – السلام الذي تصنعه أمريكا على طريقة ترامب.

يمكن القول إن "باكس ترامبّا" (السلام على طريقة ترامب) يتوافق مع الحد الأدنى من متطلبات أمن إسرائيل، لكنه لا يلبّي أقصى طموحاتها.

فترامب يرغب في أن يسود السلام في المنطقة وفقًا لمعاييرها الخاصة. لكن إلى أي مدى ستكون هذه المعايير مقبولة، ولصالح من؟... هذا ما سنراه لاحقًا.

أما في إسرائيل اليوم، فيسود نهج متوحش من الحدّية القصوى والدموية، لا أحد يعرف إلى أين قد يصل. ونتنياهو هو المحرّك الرئيس لهذا النهج.


ويبدو أن ما يقوله ترامب لنتنياهو، بشكل غير مباشر وخشن، هو: "سنتولى القضاء على كل ما يهدّد إسرائيل، لكن اجلس في مكانك ولا تفسد الأمور. لا تتصرف بانفعال ولا تُصعّد أكثر من اللازم حتى لا تُربك حساباتنا."


لكنني لست واثقًا من أن نتنياهو سيتقبّل هذه التلميحات والتحذيرات. ولا أعتقد أن نتنياهو وعصابته الدموية سيُبدون الخضوع لها بسهولة، كما فعل بعض الحكام العرب. بل في الحقيقة، إذا خضع نتنياهو لهذه الضغوط، فهذا يعني نهايته.


في مواجهة الضغط الأمريكي، لم يكن أمام الأنظمة العربية الكثير من الخيارات. لكن نتنياهو، عندما يُحاصَر، لا يزال يملك أوراقًا ليلعبها. ونحن نعلم أن لإسرائيل داخل الولايات المتحدة نفوذًا قويًّا، سواء اقتصاديًا أو من حيث "السلطة الدينية–السياسية" (التيو-سياسية).

والآن، بعد معركة فلسطين، يبدو أن نتنياهو يُحضّر لجبهة جديدة وسرّية: حرب ضد ترامب نفسه. وربما يكون قد بدأها بالفعل في الخفاء.


إنها مواجهة: إما أن ينتصر ترامب، أو ينتصر نتنياهو. إما أن ينجح نتنياهو في حشد ضغوط داخلية من الولايات المتحدة تُقيّد ترامب،

أو أن يُحرّك ترامب الأمور داخل إسرائيل نفسها ليُجبر نتنياهو على الخضوع.


الواقع يُدهش المرء فعلاً. عندما فاز ترامب في الانتخابات، ظنّ الجميع – وأنا أحدهم – أنه سيقف إلى جانب نتنياهو بلا قيد أو شرط، بالنظر إلى كثافة الخطاب الإنجيلي في تصريحاته.

لكن اليوم، يا له من مشهد مختلف تمامًا، أليس كذلك؟…

#ترامب ونتنياهو
#نتنياهو
#ترامب
#الشرق الأوسط
#دول الخليج
#زيارة ترامب للخليج
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية