logo
تحرير:

هل يواجه السلام التركي-الإيراني خطر الانهيار؟ (1)

10:1512/09/2024, الخميس
تحديث: 29/09/2024, الأحد
سليمان سيفي أوغون

من الواضح للجميع أن هناك تناقضًا عميقًا بين الهياكل الجيوسياسية والجيوثقافية والجيواقتصادية في العالم الحديث. ويمكن القول إن هذه التناقضات تمتد عبر التاريخ بأكمله. لكن العالم الحديث زاد من عمقها وشدتها. لقد كتبت كثيرًا عن التناقض بين أنماط التشكيل والسلوك الجيوسياسي والجيواقتصادي؛ لا سيما في سياق عدم اعتراف رأس المال بالحدود الوطنية أو الدولة. ومع ذلك، في هذا المقال، سأركز على التناقضات بين الهياكل الجيوثقافية والجيوسياسية لشرح فكرة المقال بوضوح أكبر. في العالم الحديث، نعلم أن الفاعلين الرئيسيين

من الواضح للجميع أن هناك تناقضًا عميقًا بين الهياكل الجيوسياسية والجيوثقافية والجيواقتصادية في العالم الحديث. ويمكن القول إن هذه التناقضات تمتد عبر التاريخ بأكمله. لكن العالم الحديث زاد من عمقها وشدتها.

لقد كتبت كثيرًا عن التناقض بين أنماط التشكيل والسلوك الجيوسياسي والجيواقتصادي؛ لا سيما في سياق عدم اعتراف رأس المال بالحدود الوطنية أو الدولة. ومع ذلك، في هذا المقال، سأركز على التناقضات بين الهياكل الجيوثقافية والجيوسياسية لشرح فكرة المقال بوضوح أكبر.

في العالم الحديث، نعلم أن الفاعلين الرئيسيين في الجغرافيا السياسية هم الدول القومية (دول الأمة) والأمم التي تتألف من عدة دول (أمم الدولة). غالبًا ما تكون حدود هذه الدول غير متطابقة مع الحدود الجيوثقافية. في بعض الأحيان، يبقى أفراد من خارج الأمة داخل هذه الحدود، بينما يبقى أقارب أو مجموعات متشابهة ثقافيًا خارجها. ونتيجة لذلك، تجد دول الأمة وأمم الدولة نفسها مجبرة على مواجهة هذه التحديات، مما يؤدي إلى صراع دائم بين الجغرافيا السياسية والجيوثقافة.

عند التفكير في العوامل الرئيسية التي تشكل الدوائر الجيوثقافية، يتبادر إلى الذهن ثلاثة معايير رئيسية: الدين، اللغة، والعرق. حتى في حالة التوافق الجيوثقافي على مستوى الدين، فإن ذلك لا يكون دائمًا كافيًا، حيث قد تظهر الانقسامات المذهبية، مما يزيد من تعقيد الهياكل الجيوسياسية. وكما نعلم، فإن التوترات بين العوامل الدينية والعرقية مستمرة بلا نهاية. فالتوافق العرقي وحده ليس كافيًا لتخفيف التوترات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، أدت الصراعات بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا الشمالية إلى نزاع دموي شبه مستحيل الحل. وبالمثل، لم يتحقق السلام بين الكروات الكاثوليك، الصرب الأرثوذكس، والمسلمين البوسنيين على الرغم من اشتراكهم في الأصول السلافية.

وفي النزاع بين الأوكرانيين السلافيين والروس السلافيين، نجد أن الصراع تأسس على أسس لغوية ومذهبية. فقد ادعى الأوكرانيون أن لغتهم تختلف عن الروسية، بينما كانت الكاثوليكية تسود في المناطق الغربية من أوكرانيا. ومن المعروف أن القومية الأوكرانية ذات الجذور البانديرية نشأت في هذه المناطق. وخلال الحرب، انفصلت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن بطريركية موسكو، مما أضاف بُعدًا دينيًا للصراع.


بالنظر إلى هذه الأمثلة، يتضح مدى هشاشة التشكيلات والانقسامات الجيوسياسية. وبعبارة أخرى، في العالم الحديث، من الصعب للغاية العثور على حدود يمكن أن تزيل كل أشكال الانقسامات المحتملة. ومن بين الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة، هو اتفاق الحدود الذي أُبرم بين الأتراك والفرس عام 1639، والذي ما زال ساريًا حتى يومنا هذا. هذا الاتفاق ترك في الجانب التركي عددًا صغيرًا من السكان الشيعة الجعفريين، الذين يتبعون السياسة الثيوقراطية لإيران. خلال المنافسة بين السلطان العثماني سليم الأول والشاه إسماعيل، كانت القوة الدينية للعلويين الأتراك الذين تأثروا بشدة بنفوذ الشاه قوية. لكن بعد اتفاقية قصر شيرين، تم قمع هذه القوى، كما لعب التحول الطائفي الإيراني دورًا في قطع هذه الروابط بمرور الوقت.

ساهمت الطائفية الدينية في إيران، رغم قربها من بعض الجوانب العقائدية، في قطع الروابط بين العلوية التركية وإيران نظرًا لاختلاف الممارسات الحياتية. من ناحية أخرى، بقي في إيران عدد كبير من السكان ذوي الأصول التركية. واستخدمت إيران اللغة الفارسية القوية وأيديولوجية الشيعة لدمج هؤلاء السكان ضمن نسيجها الاجتماعي.


نعلم أن اتفاقية قصر شيرين استندت إلى تجربة تاريخية عميقة. فقد تبنى الفرس سياسة التوسع نحو الغرب، نظرًا للطبيعة القاحلة لإيران، بهدف السيطرة على بلاد الرافدين وفتح أبواب البحر الأبيض المتوسط. وشكلت الحروب الفارسية-اليونانية فصلًا هامًا من فصول التاريخ القديم. وبينما حقق الفرس بعض النجاح في هذه المحاولات، إلا أن هذه النجاحات لم تكن طويلة الأمد، حيث عانوا من مشاكل في الاحتفاظ بتلك الأراضي واضطروا في النهاية إلى الانسحاب. وبالمثل، فإن احتلال الإسكندر المقدوني للأراضي الفارسية لم يؤدِ إلى نتائج دائمة رغم توحيد الصف اليوناني.


استمرت هذه الصراعات في عهد الإمبراطورية الرومانية التي جمعت بين الثقافة اليونانية والرومانية. وفي ذلك الوقت، حلّت الدولة الساسانية محل الفرس. واستمرت الحروب الرومانية-الساسانية لسنوات طويلة، لكنها انتهت بدمار كلا الجانبين.


ومع دخول الأتراك المسلمين إلى منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط واستقرارهم في الجغرافيا التي تأثرت بالثقافة اليونانية-الرومانية، أصبحوا جزءًا من هذه الديناميكية التاريخية. وكانت الحروب العثمانية-الإيرانية سلسلة من الصراعات الطويلة والمرهقة التي لم تحقق نتائج حاسمة لأي من الطرفين. وفي منتصف القرن السابع عشر، أدرك الأتراك والفرس أن هذه الحروب لن تفيد أيًا منهما، مما دفعهم إلى اتفاقية قصر شيرين.

استنادًا إلى ما كتبته حتى الآن، يمكنني القول بثقة إن الحدود التركية-الفارسية هي واحدة من أكثر الحدود استقرارًا في العالم. ولم تكن هذه الحدود عائقًا أمام التبادل الثقافي بين العالمين. فنعلم أن الأتراك اكتسبوا معرفتهم العملية والتجريبية بالإسلام عبر الفرس. كما كان العالم الفارسي جسرًا في توسع الأتراك نحو الغرب. وقد أضافت الثقافة الفارسية الكثير إلى الثقافة التركية. نعلم أن الفارسية تشكل جزءًا كبيرًا من الأدب العثماني، وفي المقابل، تحتوي اللغة الفارسية، خصوصًا في الحياة اليومية، على عدد كبير من الكلمات التركية. والأهم من ذلك أن القواعد الصارمة للغة التركية أثرت بشكل كبير على قواعد اللغة الفارسية.


على الرغم من هذا التقارب والتأثير المتبادل، حافظ الأتراك على هويتهم التركية، كما حافظ الفرس على هويتهم الفارسية. وقد تناولت في مقال آخر بعض الفروقات الثقافية الأساسية بين العالمين.

في السنوات العشر الأخيرة، نشهد تطورات من شأنها أن تهدد السلام التركي-الفارسي المستمر منذ ما يقرب من أربعة قرون. سأناقش هذه التطورات في الجزء الثاني من هذا المقال.

#الأتراك
#الإيرانيين
#الفرس
#معاهدة قصر شيرين
#العلاقات التركية الإيراني
#الفرس والترك

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية