يني شفق

حقائق ثابتة سواء نجح وقف إطلاق النار أم لا

05:2325/06/2025, الأربعاء
تحديث: 25/06/2025, الأربعاء
نيدرت إيرسانال

لو اطّلعت على ما بثته قنواتنا التلفزيونية مساء الاثنين، وما نُشر في أعمدة الصحف صباح اليوم التالي، بعد أن ضربت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لبقيت أسبوعا كاملا تضحك. لا أقصد السخرية، ولكن لو سألت أي شخص عاقل يوم السبت "متى ستنتهي هذه الأزمة؟"، لأجابك: "يصعب الجزم". إلا أن التصريحات والكتابات تجاوزت حدود المعقول إلى درجة أني لو ذكرتها هنا سيشعر الكثيرون بالخجل. لذلك دعونا نركز على الأفكار: بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية، انهالت التحليلات والتعليقات والعناوين الرئيسية التي تزعم بأن "أمريكا دخلت

لو اطّلعت على ما بثته قنواتنا التلفزيونية مساء الاثنين، وما نُشر في أعمدة الصحف صباح اليوم التالي، بعد أن ضربت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لبقيت أسبوعا كاملا تضحك.

لا أقصد السخرية، ولكن لو سألت أي شخص عاقل يوم السبت "متى ستنتهي هذه الأزمة؟"، لأجابك: "يصعب الجزم". إلا أن التصريحات والكتابات تجاوزت حدود المعقول إلى درجة أني لو ذكرتها هنا سيشعر الكثيرون بالخجل.

لذلك دعونا نركز على الأفكار: بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية، انهالت التحليلات والتعليقات والعناوين الرئيسية التي تزعم بأن "أمريكا دخلت الحرب"، وهذا خطأ فادح، لقد أكدنا كثيرًا أن الولايات المتحدة "لم تدخل الحرب بعد" ولكن لم يصغ أحد، فالجميع كانوا غارقين في هوس الصواريخ والطائرات وكأنهم يشاهدون عرض ألعاب نارية.

ثانيًا: كان هناك ادعاء بأن "تغيير النظام في إيران" هو الهدف من هذه الحرب. ولكن لم يدّعِ أي خبير في العالم أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستغيران النظام الإيراني، وأن الظروف في إيران مواتية لذلك. إلا أننا شاهدنا في بلادنا من يدعون وجود مخططات لـ "عمليات برية ضد إيران" ويشرحون تفاصيلها.

وبينما أكتب هذه السطور، هناك وقف لإطلاق النار الآن، وقد وافقت عليه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران. وحتى لو اندلعت المواجهات مجددًا أثناء قراءتكم لهذه السطور - فوقف إطلاق النار هش للغاية - ستظل النقطتان المذكورتان أعلاه ساريتين... (وكلمات الشتم التي استخدمها ترامب تؤكد أن أنصار العولمة يواصلون المقاومة عبر إسرائيل.)

أما أولئك الذين يصرون على فكرة «تغيير النظام»، فلم يفكروا للحظة أن هذا سيستنفد سلطة ترامب، وأن إسرائيل عاجزة تمامًا عن تحقيق ذلك بمفردها، في ظل المقاومة الفلسطينية، وتغير النظرة العالمية لتل أبيب، وما يجري في سوريا.

بالطبع، يريدون نظامًا أكثر اعتدالًا في إيران، فإيران هي واحدة من الدول الرئيسية في الاستراتيجية الجيوسياسية الموجهة ضد الصين. ولكن متى وتحت أي ظروف سيكون ذلك ممكنًا؟ في الواقع، أوضحنا مسبقًا أن الهدف الحالي هو "إذلال إيران، وكبح جماح إسرائيل" فقط.

كيف يمكن تغيير نظام في بلد مثل إيران؟ هل عبر عملية برية؟ أم عبر غارات جوية مدمرة؟ واحتمال نجاحها ضعيف جدا، أم عبر انقلاب؟ أم ثورة داخلية؟ لم يظهر في الغرب أو الشرق أي شخص يدعي بثقة أن أيًا من هذه السيناريوهات سينجح في إيران.

الخيار الوحيد كان فتح الطريق أمام تيار أكثر اعتدالًا داخل السلطة الإيرانية الحالية. ولتحقيق ذلك، يجب "تصفية القيادات" كما حدث في الهجوم الإسرائيلي الأول. وقد تناولنا هذا الموضوع بالتفصيل في مقالين سابقين.

باختصار إن سبب تركيزنا الشديد على مسألة تغيير النظام هو فهم ما إذا كانت الولايات المتحدة قد انضمت إلى الحرب "حقيقةً" أم لا. ولم يفهم أحد الدور الحاسم للديناميكيات الداخلية الأمريكية في هذا الصدد.

لقد أصبح وقف إطلاق النار أو السلام المحتمل، مصدر إزعاج لمن يكرهون سياسة ترامب. وهذه الفئة تمثل عقلية ليبرالية عالمية بالية وضامرة في الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا. وأقصى ما يمكنهم اتهام ترامب به هو أنه "رجل لا يعرف ماذا يقول، كلامه عبثي". ومع ذلك، لا يزال ترامب يحافظ على سجله كرئيس أمريكي لم يشن حرباً، لا أستطيع التنبؤ بما سيحدث غدًا، ولكن هذا هو الوضع الراهن الآن. إنهم يريدون استمرار الحرب مع إيران، لأن استمرارها يسرّع استنزاف رئاسة ترامب كما ذكرنا.

أصبحنا الآن أكثر قدرة على تفسير تصريحات الرئيس الأمريكي؛ فمثلاً، ألم ندرك أن "المهلة" التي حددها لمدة أسبوعين كانت مجرد تمويه لضرب إيران في اليوم الثاني من المهلة. لقد كان ذلك واضحًا لكنهم لم يفهموا ذلك.

أما خطاب "تغيير النظام" فكان تحذيراً واضحاً لإدارة طهران بعد ضرب فوردو، كي لا تلجأ إلى خطوة "متطرفة" لا يمكن السيطرة عليها، وقد تجر الجميع إلى مسارات خطيرة، في الواقع كان التصريح رسالة مفادها: "لا نريد هذا".

وباستثناء بعض الأطراف المعروفة، لا أحد يرغب في أن يُقدم النظام الإيراني على خرق الهدنة واستئناف الحرب، ولكن حتى لو فعل ذلك لا يمكننا لومه. فوفقا للقانون الدولي والأخلاقيات العالمية، تقف طهران على أرضية صلبة تماماً. فالمشكلة الحقيقية لا تكمن في إيران، بل في إسرائيل وشريكتها الولايات المتحدة. صحيح أن التقلبات في التوازنات الداخلية لواشنطن قد تجعل من ضرب المنشآت الإيرانية سلوكًا "مفهومًا" من قبل إدارة ترامب، لكنها لا تضفي عليه أي شرعية. فالمشكلة الأساسية لا تزال في إسرائيل وحلفائها الأوروبيين.

وبهذه المناسبة، لا بد من التوقف عند قضية قد تبدو ثانوية.

لقد دخل ملف السلاح النووي بفعل هذه الأزمة، طورًا جديدًا. فالعديد من الدول المتوسطة أو الصغيرة بدأت، وهي تراقب ما جرى لإيران تتساءل: "ما يمنع الولايات المتحدة أو إسرائيل من مهاجمتنا؟". حتى أن بعضها بات يحسد كوريا الشمالية على وضعها "المريح".

إن فشل المعاهدات الدولية التي تحظر امتلاك الأسلحة النووية في أداء دورها الفعلي، إلى جانب احتمالية انسحاب الدول الموقعة عليها بحكم امتلاكها الحق في ذلك، لا سيّما مع غياب أي رادع أمام إسرائيل التي تمتلك قرابة 200 رأس نووي، في خرق سافر لجميع القواعد والمعايير الدولية، وضربها لدولة أخرى بحجة أنها ستصنع سلاحًا نوويًا، وتغاضي الولايات المتحدة والغرب عن هذا الانتهاك المزدوج، وأخيرًا تصريح ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق الذي صرح بما " لا يقوله بوتين"، بأن "عددًا من الدول يمكن أن تزود إيران مباشرة بالأسلحة النووية"، كل هذا يندرج في هذا السياق. أما رد ترامب على أحد الاعتراضات الروسية فجاء محمّلًا بالتهديد: "لدينا غواصات نووية تفوق نظراءها تكنولوجياً بعشرين عامًا على الأقل..."

لقد بات واضحًا أن هناك أجندة خفيّة، تدفع نحو سباق جديد للتسلّح النووي.

وخلاصة القول، سواء كانت الهدنة الحالية دائمة أو مؤقتة ينبغي تناول هذه القضايا من منطلقها الصحيح، لا الانجرار وراء التحليلات القائمة على العروض المبهرة والتهويل الإعلامي. فواجب المهنة والمسؤولية الأخلاقية يقتضي أن نحلل المخاوف المشروعة لتركيا والمنطقة والعالم دون استغلالها، ودون تحويل نسب المشاهدة إلى غاية بحد ذاتها، ودون تحريف الحقائق. فالخطأ في التحليل أو في التوقع ليس عيبًا في عالم يسير فيه الجميع بالحدس والتقدير، ما دمنا نتمسّك بحُسن النية والمعرفة الحقيقية.


#إيران
#أمريكا
#إسرائيل
#وقف إطلاق النار
#ترامب
التعليقات

مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.

لا توجد تعليقات حتى الآن

كن أول من يترك تعليقًا.

انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.

بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية