"بدأ الكاتب نيدرت إيرسنال العمل الصحفي عام 1990. ولديه مقالات في العديد من الصحف والمجلات التركية المعروفة كصحيفة سوز وصباح ويني شفق وستار وفوكس. لديه خمسة كتب منشورة."
أثار تصريح سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة في مقابلة مع "سي بي إس" يوم الأحد، ردود فعل بالغة الجدية في العواصم الأوروبية وموسكو، حيث قالت: "إن اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة تشكل جزءاً مهماً للغاية من البنية الامنية الأوسع ومن ضمانات الأمن المستقبلية لأوكرانيا".
وهذا ما يجب أن يحدث.
قد تبدو تصريحات السفيرة الأوكرانية باهتة بالمقارنة مع المشهد الرمزي الذي جمع ترامب وزيلينسكي تحت ظل تابوت البابا، إلا أن خلاصة تلك الجلسة الثنائية داخل البازيليكا هي ما أنتج هذا الاتفاق في نهاية المطاف.
وخلال الفترة التي سبقت الاتفاق مع الفاتيكان، ساد في أجواء واشنطن انطباع فحواه: "ترامب لم يبدأ هذه الحرب، بل يحاول تنظيف الفوضى التي تسبب بها من بدؤوها. كما أن البيت الأبيض غير راضٍ عن المواقف الأخيرة لكل من الكرملين وكييف. وإذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فلن نرهق أنفسنا، فهناك ما يكفينا من المهام. سننسحب ونتركهم وشأنهم…"
وهذا النهج، الذي عبّر عنه الرئيس الأمريكي بنفسه، يستند إلى منطق معيّن: لقد وصل الأمر إلى حد أن العالم نسي من أشعل الحرب، وركز على المدة التي سيستغرقها ترامب لحل القضية أم لا. وبما أن الوضع انعكس داخليًا على هذا النحو، بدأ البعض يحمّل ترامب مسؤولية "فشل أوكرانيا"، ما أتاح لأولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء أن يتواروا في الظل، ويبدأوا تبييض صورتهم على حساب ترامب.
لا يعنينا ما يفكر فيه الأمريكيون، لكن النقاش بدأ يأخذ هذا المنحى في أذهان الأوروبيين وبعض أوساطنا أيضاً. فكما ارتبطت حرب فيتنام بنيكسون وليندون جونسون، والعراق وأفغانستان ببوش، وسوريا بأوباما، فإن أوكرانيا وفلسطين أصبحتا من تركة بايدن. ولكن لا يمكننا فصل هذه الملفات عن بعضها البعض؛ فجميعهم يمثلون "أمريكا"، وسندوّن اسمها على الفاتورة. وإن أشعل ترامب حرباً بدوره، فسيُحجز له مقعد في ذات القائمة.
لنعد إلى مفترق الطرق الذي وصلت إليه أوكرانيا…
لنتفق على حقيقة جوهرية: كييف وموسكو تحاولان كسب ود ترامب. ومع وصول الرئيس الجديد، انتقلت الكرة إلى الملعب الأوكراني، وكان الروس في وضع أفضل.
ورغم عدم وجود اختلاف في المبدأ والنوايا لدى ترامب وبوتين فإن الاتفاق الجديد غيّر ملامح المشهد. وسيتضح قريباً مدى أهمية هذا التغيير من الناحية الاستراتيجية، لكن يجب التأكيد على جديته.
ومن الصواب القول إن كييف قد عادت إلى اللعبة. وسيكون لهذا الاتفاق تأثير قوي على جهود السلام أو وقف إطلاق النار الذي سيُعتبر مقدمة له. وهذا بطبيعة الحال سينعكس على المفاوضات أيضا.
أتردد قليلاً في قول هذا، ولكن قد يصل الأمر إلى ذلك: ربما تُبعث الحياة من جديد في التحالف عبر الأطلسي. أو بتعبير ألطف: قد يستفيق من غيبوبته.
والسبب في ذلك أن هذا الاتفاق يغيّر موازين القوة الأمريكية في أوكرانيا. بل إنه يتضمن "وعدًا بالمستقبل وهذا ما قد يدفع روسيا بدورها إلى تغيير استراتيجياتها، أو تصعيد تحركاتها.
وتعد اتفاقية المعادن ذات أهمية قصوى للولايات المتحدة. فإلى أي مدى ستذهب لحمايتها؟ ليس فقط من الناحية السياسية، بل من الناحية العسكرية أيضًا؟ علاوة على ذلك، يستحيل أن تكون بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا قد عجزت عن قراءة الإشارات الكامنة في هذا الاتفاق.
وحتى لو سلك السلام طريقًا أكثر تعقيدًا، فسيظل بالإمكان التعامل معه. ولكن إعادة تأكيد الوجود الغربي طويل الأمد في كييف قد يؤدي إلى تغيير صيغة السلام، بل قد يشكّل ضغطًا كثيفًا على منطقة البحر الأسود، من خلال تمدّده إلى شرق أوروبا، ليشمل بلغاريا ورومانيا أيضًا.
كما أن شرط الكرملين بتصحيح "الأسباب التي أشعلت الحرب" عن طريق طرحها على الطاولة قد يتم تخفيفه. فقد صيغت كل هذه "الأسباب" انطلاقًا من رغبة الغرب والناتو والاتحاد الأوروبي في التوسع نحو روسيا ونتائج ذلك. وعندما تتضح هذه الأمور، فقد يُقدم بوتين على تصعيد ميداني أكثر شراسة. وقد تؤدي خيبة الأمل في توقع "أوكرانيا المحايدة" إلى هذه النتيجة.
وفي تصريحاته بمناسبة مرور 25 عامًا على توليه السلطة، شدد بوتين على أن بلاده تملك "القدرة والوسائل اللازمة لتحقيق هذا الهدف وإنجازه". ولتحقيق هذه الغاية، يكفي أن تستمر الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في دعم كييف عسكريًا، كما حصل مؤخرًا مع إرسال منظومات باتريوت جديدة إلى أوكرانيا يوم الاثنين الماضي. فكل خطوة من شأنها أن تعطي انطباعًا بأن روسيا لم تحقق نصرًا، ستزيد الضغط على روسيا
لقد جلبت اتفاقية المعادن الأمل لأوكرانيا وأوروبا. وهذا واضح. لكن العلاقة بين القوى العظمى، ، وخاصة حين يكون طرفاها دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، تبقى محافظة على قوتها الخاصة. وتلك القوة هي نهاية الحرب. وقد تم ذكر الأسباب الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية وتفصيلها. لكن الاتفاقية جلبت ورقة جديدة إلى الطاولة، ومنحت أوروبا وكييف أوراقاً قوية، لكنها لا تزال بيد ترامب.
من بين العروض المطروحة مع هذه الورقة، مقترح يعرض على الولايات المتحدة الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم. غير أن قبول هذا الطرح سيفتح باب المساومة على مناطق أخرى من أوكرانيا تخضع لسيطرة روسيا. إفي الوقت نفسه، تترافق عمليات التسلل الأوكرانية إلى منطقة كورسك، وعمليات استهداف الجنرالات الروس، مع هذه التحركات السياسية، بما يثقل كاهل بوتين ويزيد من تعقيد موقفه.
ورغم وجود رغبة معلنة في تحقيق السلام من قبل واشنطن وموسكو، إلا أن احتمالات الوصول إلى اتفاق غامض ومبهم تبقى واردة. واتفاق كهذا سيشكّل "جرحًا مفتوحًا"، وعلى الأقل لن يرغب الكرملين في ذلك. وقد يؤدي هذا الواقع إلى نتيجة مفادها أن روسيا ستطيل أمد الأزمة، وهذا سيؤدي إلى تفعيل "الألغام المؤقتة" التي زرعها أنصار بايدن في الولايات المتحدة و"العالميون" الذين ما زالوا يحاولون التشبث بالسلطة في أوروبا لما بعد ترامب، والعمل بتزامن معها وهذا سيسمم العلاقات بين ترامب وبوتين.
أما بالنسبة لتركيا، فقد أكدت المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيس أردوغان وترامب على "التعاون الفوري" بشأن أوكرانيا. كما أن التصريحات التي أدلى بها السفير الأمريكي الجديد فور وصوله، حول "الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى استثنائي"، تُعدّ مؤشّرًا لافتًا وجديرًا بالاهتمام…
وأخيرًا، ستشهد الساحة العالمية الأسبوع المقبل رسالة بصرية قوية تُبثّ من الساحة الحمراء في موسكو، حيث سيظهر الزعيمان الروسي والصيني جنبًا إلى جنب. وهذا سيقدم للعالم ولنا مشهداً أكثر حدة من استعارة الكنيسة الصغيرة.
مرحبًا، تشكل التعليقات التي تشاركها على موقعنا مصدرًا قيمًا للمستخدمين الآخرين. يرجى احترام المستخدمين الآخرين والآراء المختلفة. تجنب استخدام لغة نابية أو مسيئة أو مهينة أو عنصرية.
كن أول من يترك تعليقًا.
انقر هنا لتلقي أهم الأخبار في اليوم عبر البريد الإلكتروني. اشترك هنا.
بعد إنشاء العضوية تكون قد وافقت على تلقي الإشعارات من مواقع مجموعة ألبيرق الإعلامية وعلى شروط الاستخدام وسياسة الخصوصية
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة