كانت هناك استقالة مثيرة فاجأتنا الأسبوع الماضي، على الجانب الآخر من بحر إيجة. المستقيل هو ألكسندروس دياكوبولوس كبار مستشاري الأمن القومي لرئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس.
لم يكن الغريب أو اللافت في الموضوع هو استقالة اسم يحمل منصبًا كهذا، بل هو سبب الاستقالة ذاته. حيث كان السبب وراء استقالته هو تصريحه على إحدى القنوات التلفزيونية المحلية أن سفينة "اوروتش رئيس" التركية كانت قادرة على التنقيب في الجرف القاري اليوناني وقد فعلت ذلك".
هل يوجد هناك شيء غريب في هذا التصريح، لدرجة أنه يستدعي الإقالة أو الاستقالة؟ الجواب هو لا ضرورة لذلك في العادة.
كان من المعلوم أن سفينة أوروتش رئيس كانت في تلك المنطقة، وتركيا قد صرحت أن سفينتها ستواصل أنشطتها حتى 23 من الشهر الجاري أغسطس.
إلا أن هذا الحدث أي الاستقالة يعتبر في الحقيقية مثيرًا للاهتمام من حيث الخلاف في شرق المتوسط بين تركيا واليونان، والتخبط الذي يعتري اليونان فضلًا عن العقدة النفسية التي تعاني منها السياسة اليونانية في هذا الخصوص.
ولنخض في الحديث أكثر حول هذا الأمر:
تحاول الحكومة اليونانية في الداخل أي على مستوى السياسة الداخلية، إظهار أنها تقف سدًّا منيعًا أمام نشاطات سفينة أوروتش رئيس في شرق المتوسط. أما تصريحات مستشار الأمن القومي اليوناني المستقيل جاءت نقيضًا لما تتبناه الحكومة في الداخل، مظهرة أن تصريحات الحكومة لا تعكس الحقيقة.
فضلًا عن أن هذه التصريحات قوّت كتلة المعارضة بشكل أكبر، وجعلتها تتهم الحكومة بأنها تكذب على الشعب أو تضلل الرأي العام.
هذا الجو دفع بكبير مستشاري الأمن القومي دياكوبولوس لتقديم استقالته، قائلًا "إنني أتحمل مسؤولية ذلك ولذا قررت الاستقالة، على الرغم من عدم وجود نية لي لإحداث ذلك إلا أن تصريحاتي تسببت بحدوث توتر وسبّبت حرجًا لرئيس الوزراء والحكومة".
إن أثينا تفعل ما بوسعها لتحويل أزمة شرق المتوسط مع تركيا، إلى أزمة أوروبية بشكل كامل.
إن ما يحدث الآن يثبت صحة ما نقلته عن مسؤول تركي رفيع المستوى في إحدى مقالاتي مؤخرًا، حيث قال "إنهم يصعّدون عن قصد"، وأن أثينا تسير وفق سياسة طرح هذه الأزمة على رأس أجندتها والتسويق لها بصوت عال وفوضوي وصاخب وبشكل مبالغ، حتى تتمكن من جذب انتباه أوروبا.
لقد كان يوم أمس مليئًا بالأسئلة التي شغلت الأذهان حول أزمة شرق المتوسط، جعلتنا نسأل "هل يمكن حدوث صراع حقيقي هناك؟.
لماذا نسأل بهذا الشكل يا ترى؟ لأننا رأينا حينما أعلنت اليونان عن إجراء مناورات واسعة في المنطقة التي تتواجد فيها سفينة أوروتش رئيس التركية، سرعان ما أعلنت أنقرة أنها في المقابل ستقوم بمناورات جنوبي جزيرة غريت.
بعد ذلك الإعلان بوقت قصير للغاية، صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان تصريحات تضمنت رسائل هامة للغاية:
أيّ تطوّر سلبي في المنطقة ستكون اليونان هي السبب الوحيد وراءه، وستكون اليونان هي البلد الوحيد الذي سيتضرر من ذلك. ومن سيضع اليونان عقبة أمام السفن التركية فلن يُرى في الغد".
من الواضح للغاية أن تصريحات أردوغان هذه تحمل تحذيرات قوية مباشرة إلى اليونان. كما أن تصريحات أردوغان تقول لليونانيين "لا تنخدعوا بمن يوظفكم لاستفزاز تركيا".
يعلم الجميع أن المقصود بالذين يحرضون اليونان ضد تركيا هم فرنسا. إن ما تقوم به إدارة ماكرون في شرق المتوسط لا يقف عند حدود تقديم الدعم لليونان، بل تحريضها ضد تركيا عمدًا.
وهذا بالطبع لا يمكن أن يعتمد على الحجج الاعتيادية مثل حماية حدود الاتحاد الأوروبي وما شابه.
ومن جانب آخر، هناك دولة تشعر بعدم الارتياح من هذا الموقف الاستفزازي الذي تتبناه فرنسا، والتبجح اليوناني الناشئ عن إغراءات ماكرون لليونان. هذه الدولة هي ألمانيا.
لو كان الأمر متعلقًا بحدود الاتحاد الأوربي، أليس من المفترض أن يتولى الرد على هذا الأمر ألمانيا لا فرنسا؟
إذا أردنا البحث عن جواب منطقي معقول لهذا السؤال، فلا بد أن نسلط الضوء على أشياء أخرى كذلك. ربما تكون هناك تقييمات مختلفة نعم، إلا أن إجابتي عن هذا السؤال هي كالتالي:
هانك بعض المسائل العالقة والتي تشكل نوعًا من الاختلاف الذي نصفه علني ونصفه غير مكشوف، ما بين فرنسا وألمانيا.
دعونا نتذكر ونعود قليلًا نحو الوراء، نهاية العام الماضي حينما أزعجت تصريحات ماكرون التي وصف بها حلف الناتو بالذي يعاني من موت دماغي"؛ أزعجت جميع دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسهم ألمانيا بالتحديد.
حينما أدلى ماكرون بهذا الوصف، ردت عليه المستشارة الألمانية ميركل من خلف الأبواب الموصدة "لقد سئمت من محاولات لأم الصدع، علي أن أن أجمع قطع الأكواب المكسورة كل يوم حتى نتمكن من الجلوس والشرب بتلك الأكواب بعد تجميعها".
في الحقيقة أعتقد أنه يتوجب علينا البحث قليلًا عن الأسباب التي تدفع فرنسا وألمانيا للعمل بشكل مختلف في قضية شرق البحر المتوسط.
يتعلق الأمر بطموح ماكرون في أن يصبح "هي مان" الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن برلين غير مرتاحة من ذلك.
إن فرنسا التي تمكنت من تعزيز قدراتها العسكرية من خلال المزايا التي منحها لها الوضع الراهن الذي ظهر عقب الحرب العالمية الثانية، مقابل ألمانيا التي حُكم عليها بالجمود في هذه الناحية بسبب الشيء ذاته، تقوم أي فرنسا بالتجهيز لمرحلة تكون فيها القوة لدولة الأسلحة لا لدولة الاقتصاد، من أجل مواجهة ألمانيا خلال المرحلة المقبلة.
لقد توجه وزير الخارجية الألماني هيكو ماس قبل يوم أمس إلى أثينا ومن ثم إلى أنقرة، من أجل الوساطة فيما بينهما في مسألة شرق المتوسط.
وعلينا النظر إلى هذه الزيارة على أنها لا تقتصر على مسألة الوساطة بين اليونان وفرنسا فحسب، بل تحمل أبعادًا قائمة على التوتر الخفي بين كل من ألمانيا وفرنسا.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة